Saturday 27th March,200411503العددالسبت 6 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

السيناريو الشاروني يعود مرة أخرى .. السيناريو الشاروني يعود مرة أخرى ..
استفزاز إسرائيلي .. زيارة لأمريكا .. عملية استشهادية .. قطع الزيارة .. والعودة لسفك الدماء الفلسطينية
د.علي بن شويل القرني

حتى لو لم تفعل منظمة حماس أي تفجيرات داخل اسرائيل، إلا انها تكون قد ولدت الرعب والهلع لدى كل الاسرائيليين بدون استثناء .. وهذا في حد ذاته قوة هائلة لمنظمة المقاومة الفلسطينية حماس، وهيمنة الرعب داخل الإسرائيليين هو سلاح فتاك يقوض حياة الإسرائيليين ويوجعهم في أعمالهم ومساكنهم وفي حياتهم الاجتماعية .. وهذا هو انتصار كبير للمقاومة الفلسطينية .. ونعتقد ان حماس سترد بقوة وبأسلحة نوعية جديدة، إلا أن بقاء الإسرائيليين مترقبين لما سيأتي هو أشد تأثيرا على النفسية الإسرائيلية من حدوث أي شيء .. وهكذا يكون الشيخ أحمد ياسين قد أحيا المقاومة حتى بعد اغتياله وانتقاله إلى الحياة الآخرة شهيدا بإذن الله ..
ولكن ما الحسابات التي كانت تفكر فيها اسرائيل لتقدم على هذه الخطوة الخطيرة؟ وفي ظني الشخصي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي آرئيل شارون قد وضع مجموعة حسابات في معادلاته لاتخاذ هذه الخطوة، ومن هذه الحسابات:
1- المشاكل الشخصية .. شارون لديه مشاكل شخصية عبارة عن فساد إداري وقضايا محاكم من المفترض ان تقرر مصيره السياسي، أو ان تنهي كل طموحاته السياسية .. وهو لا يريد ان ينتظر حتى يصل إلى هذه اللحظة .. ومن هنا فقد رأى شارون -كما اعتاد دائماً- ان يأخذ زمام المبادرة ويصنع الأحداث بنفسه، دون ان ينتظر اكتساح الأحداث له.
2- الضغوط الحزبية .. يعاني شارون من انقسام داخل الجماعة الائتلافية لحكومته، وبالذات بعد ان أطلق مشروع الانسحاب من غزة .. ولهذا فقد قيم الوضع السياسي لحكومته، ورأى ان الخروج من هذه الأزمة يتمثل في تغيير مجرى الأحداث من مشروع الانسحاب إلى مشروع الاحتلال .. فهو يعرف تماما ان اغتيال الرمز الفلسطيني الذي يمثله أحمد ياسين سيعني بالضرورة ردة فعل غاضبة وعنف دموي، سيهيئ لمشروع الاحتلال، وسيكون مبرراً يستند إليه لاستمرار الاحتلال وتعميقه وتكريسه داخل الأراضي الفلسطينية.
3- الوضع الفلسطيني .. وضع شارون حواجز نفسية بينه وبين السلطة الفلسطينية، فهو من الرافضين للتفاوض مع الفلسطينيين، وخاصة الرئيس ياسر عرفات .. وأراد شارون ان يذكي الخلاف بين الفلسطينيين من أجل ان يقوض السلطة أكثر وأكثر؛ لكون التزاماتها السياسية تتطلب التنديد بالعمليات الاستشهادية، ولمعارضة الفصائل الفلسطينية مثل هذه التصريحات من قبل السلطة الفلسطينية. فهو يرى ان مثل هذا الحدث الكبير سوف يساعد على إحداث شرخ كبير في العلاقات الفلسطينية-الفلسطينية ومن أجل يزرع الانقسام الذي يؤدي إلى تحقيق هدف استراتيجي للكيان الاسرائيلي.
4- الحالة الانتخابية الأمريكية .. هذا هو عام الانتخابات الامريكية .. وهو عام مهم بالنسبة لإسرائيل .. بل هو أهم عام في تاريخ العلاقات الأمريكية الاسرائيلية؛ لأن بموجبه ولملابساته تتحقق لإسرائيل كل طلباتها، وتنجز الكثير من طموحاتها الاقتصادية والسياسية والاعلامية خلال مثل هذه الفترة من كل انتخابات .. ويعرف شارون ان كلا مرشحي الحزبين الديموقراطي والجمهوري سيتهافتون على كسب ود اسرائيل لاستقطاب دعمها الانتخابي .. ولهذا فإن توقيت شارون لأكبر حدث على الساحة الفلسطينية من سنوات طويلة - اغتيال الشيخ ياسين- يأتي متزامنا مع ملابسات الحملات الانتخابية الأمريكية، لأنه يعرف ان أي من المرشحين (الرئيس بوش ومرشح الحزب الديموقراطي جان كيري) لن يستطيع الضغط على اسرائيل بما فيه الكفاية لتغيير سياستها أو انتقادها بشكل صارخ، ناهيك عن معاقبتها.
5- حملة الإرهاب .. إن اللعبة الإعلامية التي يتبجح بها شارون هو ان اسرائيل تقف في موقف مشابه لوقوف الولايات المتحدة من الإرهاب، ولهذا فليس غريبا ان يكون أول تصريح لوزير الدفاع الإسرائيلي موفاز هو في الربط بين الشيخ ياسين وبين ابن لادن .. ليقول: ان الشيخ المقعد المناضل أحمد ياسين هو ابن لادن الفلسطينيين .. وهذا الربط مقصود به استثمار الحدث من خلال زرع بذرة التبرير فيها .. وللضغط على أمريكا في هذا الشأن.
6- السيناريو الاسرائيلي .. وضعت حكومة شارون سيناريو متوقعا للأحداث القادمة لاستثمارها سياسيا واعلاميا، على النحو التالي:
إذا لم تحدث أي تفجيرات قبل سفر رئيس الوزراء الاسرائيلي إلى الولايات المتحدة فسيغادر شارون للالتقاء بالرئيس الامريكي وجماعات الضغط الصهيونية هناك .. ويتعشم شارون ان تحدث عملية استشهادية وهو موجود هناك، ليقطع زيارته حتى ولو لم يبق منها سوى خمس دقائق، ليشكل من هذا القطع أهمية خاصة، ويعكس خطورة الوضع الأمني، وليعلن أمام الرأي العام الأمريكي بشكل خاص ان عليه ان يعود فورا لتدارس كيفية الرد الاسرائيلي على مثل هذه العملية .. ويعود شارون وهو متجهم الوجه ليجتمع فورا بأركان حربه، وليعلن فوراً ان السلطة الفلسطينية لم تقم بواجبها المطلوب، وبالتالي فاسرائيل ستقوم بهذه المهمة .. وسيكون أمامه خياران يتعطش لكليهما، اما نفي ياسر عرفات إلى خارج الأراضي الفلسطينية، واما تدمير اعداد كبيرة من البشر في غزة .. ويبدأ في مزيد من سفك الدماء الفلسطينية وتدمير البنى التحتية وهدم المنازل السكانية .. وغير ذلك من منهجيات تدمير منتظمة للواقع الفلسطيني .. ولكن يظل هنا سيناريو مختصر .. وهو حدوث هذه العمليات الاستشهادية قبل صعود شارون للطائرة التي تقله إلى واشنطن، فيعقد مؤتمره الصحافي المعتاد ليعلن إلغاء الزيارة، ويحقق من خلال ذلك مكاسب اعلامية كبيرة، ثم يعود إلى باقي السيناريو المعتاد .. قتل، تدمير، اغتيالات، دبابات، طائرات، قنابل ..
وأخيراً، فإن المؤكد حسابات شارون لن تكون وفق المخطط الإسرائيلي، لأن هذا الحدث سيكون كفيلا بتغيير مجريات السيناريو الليكودي .. وسيفرض تبعاته بكل قوة على ساحة الشرق الأوسط .. وستطغى تبعات المواقف على سياسات اسرائيلية داخلية، وسياسات فلسطينية جوهرية، وبكل تأكيد على سياسات أمريكية وشرق أوسطية .. وفي ظني الشخصي، ان ما سيحدث خلال الأيام والأسابيع القادمة سيفجر سيناريوهات جديدة لم تكن في حسبان التخطيط الإسرائيلي .. وكلما ازدادت الأمور سوءاً وتعقيداً في فلسطين كلما ازدادت الأمور انفراجا لحل المشكلة الفلسطينية .. وهو يعرف ان أخذ الفلسطينيين حقوقهم المشروعة هي ليست مسألة نزاع، ولكنها مسألة وقت .. فالتاريخ لا يرحم .. والقوة التي يحتمي وراءها شارون لن تستطيع ان تقف أمام عجلات التاريخ.

رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال- أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود
alkarni@ksu.cdu.sa


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved