Saturday 27th March,200411503العددالسبت 6 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
عندما ترجّل الشيخ.. ما لجرح بميّت إيلام
د.عبد الله بن ناصر الحمود(*)

بين المديح، والفخر، والهجاء، والرثاء، قواسم مشتركة في تاريخنا الأدبي المكلوم بواقع بات يشفق عليه الأعداء. فنحن نقرأ في تراثنا الأدبي، أن الافتخار بالماضي السحيق ليس عذراً للأمة من لزوم مواصلة العمل الجاد والبناء والسعي نحو الشموخ، حيث لم يعد ينفع (الخمرة المسكرة) أن تاريخها كان عنباً مجيداً هنيئاً مريئاً. ونقرأ - أيضاً - ان السيف لا يرفع من قدره وصفه بأنه أمضى من العصا؛ ذلك ان العصا مخيفة مهيبة، لكنها وضيعة الحال عندما تدخل في منافسة خاسرة مع السيف. وكذلك الحال لمن تهون عليه ذاته، حيث يسهل الهوان عليه، كحال من مات فلم تعد تؤرقه الجروح أو تسهر عينيه.
لكأننا في علاقاتنا الدولية المعاصرة، أساتذة كبار في استقراء هذه المفارقات المهمة جداً في تاريخنا، حيث يبدو اليوم ان (جوارنا) المفروض علينا لقتلة الأنبياء وناقضة العهود والمواثيق، قد يلقي علينا مسحة من التساهل عندما نعلم ان زمن بعثة الأنبياء قد انتهى وأن ليس بيننا اليوم نبي نخشى من ان تناله أيدي الغدر والغيلة. وبذلك ربما يهون على هذه الأمة ان تفقد عزيزاً شريفاً طالما انه كان من الممكن ان تفقد مكانه نبياً، فالمسألة في هذه المتواترة العرفية المؤلمة، مسألة نسبة وتناسب. بقلب يملؤه الأسى لما وصلت إليه حال أمتنا المعاصرة. شاهد كل شريف على الأرض كيف ان طائرة عسكرية فائقة القدرة التقنية تستهدف شيخاً في حمى مصلاه، ليس له من جرم إلا أنه يقول: هذا ديني ووطني وسأحميهما بإذن الله، أو أهلك دونهما. لا أظن أبداً ان ذلك الشيخ كان يغيب عنه أحفاد من هؤلاء الذين تعامل معهم، وقاومهم، وغادرهم بطلاً، في حين غادروه خزايا ممقوتين إلى يوم القيامة، لكنه ربما كان يعلم انه مع نبله وشرفه وبطوليته ليس أنبل أو أشرف أو أكثر بطولة من أنبياء الله الذين قتلهم اليهود عبر تاريخهم المقيت. ولذلك، ربما كان الشيخ - رحمه الله - يترقب شرفاً عظيماً ومصيراً نبيلاً، ان يجري الله عليه شيئاً مما جرى على أنبيائه، فكان ذا سيرة كفاح ومقاومة عز مثلها في زمن التنازلات - رحم الله الشيخ.
واليوم، كيف هي صورة أمتنا العربية والإسلامية؟، بل كيف هو واقع عالمنا الإنساني المنفلت من كل قوانين وأعراف العيش الكريم؟. يبدو ان الإنسان المعاصر لم يعد قادراً على إدارة شؤون هذا العالم.
فلعل الفساد قد ظهر في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس. ولذلك فالحال - كما يبدو - مرشحة لمزيد من الويلات والثبور. الاحتلال العسكري والسياسي، وانقلاب الموازين، والثنائية في الحكم على الكون والحياة، أمور لم تعد رهينة بالدول والمجتمعات، ولم تعد غايتها السيطرة على شعب واحد أو أرض واحدة، أو مصدر رزق واحد، لكنها اليوم حال مؤلمة جدا تكاد تنتهي فيها كل أدوار المؤسسات والمنظمات الدولية، وتنهار معها الشرعية الدولية ومواثيق الحقوق والواجبات، لتخضع تلك المؤسسات والمنظمات لهيمنة تكتلات منحرفة، لم تعد قادرة على حفظ توازن ذاتها، فضلا عن ان تقيم وتحمي التوازن الدولي. اليوم، أمتنا مكلومة، وكياننا الإسلامي العظيم بات في مهب الريح، ويجب التوجه بشكل قاطع وجاد، إلى أن تتبنى دول العالم الإسلامي صيغة جديدة للتفاهم الدولي، خارج منظومة الأمم المتحدة، التي لم يعد اتحادها اتحاداً فاعلاً أو مشرفاً للإنسانية.
ذهبت - في عقود خلت - عصبة الأمم، وحلت محلها الأمم المتحدة، فساد العالم أمن وأمان إلى حين. وحيث تمضي سنة الله في ان لكل بداية نهاية، فقد تكون نهاية الأمم المتحدة على أيدي من أقاموها، عندما لم يرعوا غايتها السامية التي أنشئت من أجلها، فتم في أكثر من زمان ومكان، تجيير كل المميزات والصلاحيات إلى الصالح الذاتي والمصلحة الخاصة.
واليوم قد يسوغ التفكير جدياً في أن تذهب هيئة الأمم لتحل محلها منظومة جديدة تكون أقدر على إعادة التوازن للعالم وحفظ الأنفس والأموال والحقوق والواجبات الدولية والمجتمعية.
إن كانت أمتنا لا تزال تعيش، فعليها ان تفعل اليوم ما لم تفعله بالأمس، يوم (صبرا) و(شاتيلا) و(حلبجة) وأمثالها. وإن كانت أمتنا غير ذلك، فما لجرح بميت إيلام، والله المستعان على ما يصفون.

(*) عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved