Saturday 27th March,200411503العددالسبت 6 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

التوحد.. الإعاقة المنسية! التوحد.. الإعاقة المنسية!
ناهد بنت أنور التادفي

هل الشعور بالتوحد إعاقة؟
سؤال كثيراً ما ورد إلى تفكيري، فكنت أبتعد عن مطرقته اللحوح وأنا أحسب أن التوحد حالة نفسية عابرة وعندما بحثت ورجعت إلى دراسات لأطباء متخصصين وجدت أنني لست الوحيدة التي أشكلت عليها هذه المسألة فقد اتضح لي أن بعض المترجمين أيضاً ظنوا ان التوحد عرض من أعراض الشعور بالوحدة، وأنه ناجم عن الوحشة عندما ينفرد المرء بعيداً عن الأهل والأصدقاء نتيجة مرض أو فقر أو سبب آخر، ومن هنا شغلني البحث في هذه المسألة ودفعني إلى البحث في مراجع متعددة ومظانٍ مختلفة لأصل إلى أن الموضوع مختلف تماماً، وهاكم ما توصل إليه بحثي ووجدت من المفيد أن أعرضه عليكم لتعميم الفائدة.
التوحد Autism:
(كما يتبين من البحوث العلمية) إعاقة نمو تظهر خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل، وتنجم عن اضطراب في الجهاز العصبي يؤثر على وظائف المخ. ويقدر انتشار هذا الاضطراب والأعراض السلوكية المصاحبة له بنسبة 1 من بين 500 شخص، وتزداد الإصابة بين الأولاد عن البنات بنسبة 4 - 1، ولا يرتبط هذا الاضطراب بأية عوامل عرقية، أو اجتماعية، حيث لم يثبت أن لعرق الشخص أو للطبقة الاجتماعية أو الحالة التعليمية أو المالية للعائلة أية علاقة بالإصابة بالتوحد.
ويُفقِد التوحد الطفل المصاب نمو المخ الطبيعي فيُؤثر في حياته الاجتماعية ومهارات تواصله (Communication skills) حيث يواجه الأطفال والأشخاص المصابون بالتوحد صعوبات في مجال التواصل غير اللفظي، والتفاعل الاجتماعي بالإضافة إلى صعوبات في الأنشطة الترفيهية، فالطفل التوحدي يجد صعوبة في الارتباط بالعالم الخارجي، ويظهر المصابون بهذا الاضطراب سلوكاً غير طبيعي، وكأن يرفرفوا بأيديهم ويكررون ذلك، أو أن يكرروا هزّ أجسامهم، كما يظهرون ردوداً غير معتادة عند تعاملهم مع الناس، أو يرتبطون ببعض الأشياء بصورة غير طبيعية، وكأن يلعب الطفل بسيارة معينة بصورة غير طبيعية عدة مرات، دون أن ينتقل للعب بسيارة أو لعبة أخرى مثلاً. ولو لفتنا نظره إلى التغيير نجده يقاومه بشدة، وفي بعض الحالات، قد يظهر الطفل سلوكاً عدوانياً تجاه الغير، أو تجاه الذات.
أشكال التوحد
يتم تشخيص التوحد بناء على سلوك المصاب، فللتوحد عدة أعراض، يختلف ظهورها من شخص إلى آخر، يظهر بعضها في طفل، بينما لا تظهر عند طفل آخر، مع أنه تم تشخيص كليهما على أنهما مصابان بالتوحد، كما تختلف حدة التوحد بين المصابين به، هذا ويستخدم المتخصصون مرجعاً يسمى Diagnostic and Statistical Manual DSM-IV يصدره اتحاد علماء النفس الأمريكيين، للوصول إلى تشخيص علمي للتوحد، وفي هذا المرجع يتم تشخيص الاضطرابات المتعلقة بالتوحد تحت عناوين متعددة، مثل: اضطرابات النمو الدائمة Pervasive Developmental Disorder (PDD) التوحد Autism.
اضطرابات النمو الدائمة غير المحدد PDD-NOS (Not Otherwise Specified).
متلازمة أسبرجر Asperger,s Syndrome.
متلازمة رت Rett,Syndrome
اضطراب الطفولة التراجعي Disintegrative Disorder Childhood
ويتم استخدام هذه المصطلحات بشكل مختلف أحياناً من قبل بعض المتخصصين للإشارة إلى بعض الأشخاص الذين يظهرون بعض، وليس كل، علامات التوحد.
فمثلاً يتم تشخيص أحدهم على أنه مصاب (بالتوحد) حينما يظهر عدداً من أعراض التوحد المذكورة في DSM-IV بينما يتم تشخيصه على أنه مصاب باضطراب النمو غير المحدد تحت مسمى آخر PDD-NOS حينما يظهر الشخص أعراضاً يقل عددها عن تلك الموجودة في (التوحد)، على الرغم من أن الأعراض الموجودة مطابقة لتلك الموجودة في التوحد، بينما يظهر الأطفال المصابون بمتلازمتي أسبرجر ورت أعراضاً تختلف بشكل أوضح عن أعراض التوحد، لكن ذلك لا يعني وجود إجماع بين الاختصاصيين حول هذه المسميات، حيث يفضل بعضهم استخدام بعض المسميات بطريقة تختلف عن الآخر.
أعراض التوحد
ما هي أعراض التوحد، وكيف يبدو الأشخاص المصابون بالتوحد؟
لا يمكننا ملاحظة التوحد بشكل واضح كما يرى الباحثون حتى سن 24-30 شهراً، حين يدرك الوالدان تأخراً في اللغة أو اللعب أو التفاعل الاجتماعي في ولدهما، وتتجلى الأعراض في الجوانب التالية:
التواصل: يكون تطور اللغة بطيئاً، بل لا تتطور مطلقاً، ويستخدم الطفل التوحدي الكلمات بأسلوب متباين عن الأطفال الآخرين، فترتبط الكلمات بمعانٍ لا علاقة لها بدلالات الكلمات الأصلية، وأحياناً تصبح الإشارات بديلاً عن المفردات، كما لا يستطيع الطفل التوحدي التركيز أو الانتباه إلا لفترات قصيرة جداً قياساً بالأطفال السليمين المماثلين.
التفاعل الاجتماعي: يمضي الطفل التوحدي وقتاً أقل مع الآخرين، ولا يبدي اهتماماً بتكوين صداقات مع الآخرين، وتكون استجابته أقل للإشارات الاجتماعية كالابتسامة أو التحديق بالعين.
المشكلات الحسية: استجابته غير طبيعية للأحاسيس الجسدية، فيكون حساساً للمس، أو أقل حساسية من المعتاد للألم، أو النظر، أو السمع، أو الشم.
اللعب: يظهر في الطفل التوحدي نقص في تلقائية اللعب أو الابتكار، فلا يقلد حركات الآخرين، ولا يحاول ابتكار ألعاب خيالية.
السلوك: تبدو حركة الطفل التوحدي أكثر من المعتاد، أو تكون أقل من المعتاد، مع وجود نوبات من السلوك غير السوي (كأن يضرب رأسه بالحائط، أو يعض) دون سبب واضح، وقد يصر على الاحتفاظ بشيء ما، أو التفكير بفكرة ما فحسب، أو الارتباط بشخص واحد دون سواه في وسطه الاجتماعي، ويظهر نقص واضح في تقديره الأمور المعتادة، وقد يظهر سلوكاً عنيفاً أو عدوانياً، أو مؤذياً للذات.
العلاج: لابد من اتباع طرق المعالجة القائمة على أسس علمية، وفي إطار برنامج وخطة تتناسب وحالة الطفل، ونحن لن ندخل في تفاصيل العلاج، لكننا نؤكد ضرورة زيارة الطبيب النفسي والعصبي ومختص النمو الجسدي والمشرفين التربوي والاجتماعي، ومع بالغ الأسف، أقول: إن هذه الإعاقة لم تجد حتى الآن في مجتمعاتنا العربية والإسلامية كثيراً من المختصين القادرين على التشخيص الدقيق لحالة الأطفال التوحديين، أو وضع خطة ملائمة لتلك الحالة، وإنما هناك محاولات واجتهادات، قد تفتقد للتخطيط العلمي، وتبقى المأساة قاسية على الأسر وبخاصة الأم، وهي تتضرع في وسائل الإعلام المختلفة، علّ يداً حانية تمتد بلمسة حنان علمية أو إنسانية تنهي المعاناة المرة، وتعيد البسمة إلى وجوه افتقدتها طويلاً فمن لذلك؟
وفي المملكة العربية السعودية أقيمت بحمد الله الجمعية السعودية للتوحد حيث يرأسها صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن ناصر بن عبدالعزيز آل سعود وأنشئت بعض المراكز المتخصصة مثل مركز والدة الأمير فيصل بن فهد للتوحد وذلك لتقديم برامج تربوية كاملة تمكن الأطفال التوحديين من الوصول إلى أقصى طاقاتهم ورفع قدراتهم الاجتماعية والتعليمية ودعم أية موهبة لتأسيس مهنة للمستقبل والاندماج في المجتمع، كما ان الجمعيات الخيرية النسائية كجمعية النهضة بالرياض لديها برامج ومراكز لخدمة أطفال التوحد وأسرهم توعية وتأهيلاً، وتسعى الرابطة الخليجية للتوحد ومؤتمر حقوق المعوقين إلى توحيد الجهود المبذولة لخدمة هذه الفئة التي تعاني الأمرين، وبات لزاماً علينا الاهتمام بنشر الوعي وجعل المجتمع يتفهم مدى أهمية المراكز المتخصصة لخدمة مرضى التوحد.
وفي جانب آخر لابد من النظر بعين الاهتمام إلى عملية تمويل أطفال التوحد في المراكز المتخصصة، لأن كلفة هذا العلاج تبدو كبيرة، وقد لا تتحملها كثير من أسر الأطفال التوحديين، مما يجعل من الأهمية البحث عن مصادر تمويل ذات طبيعة مستمرة، عبر الأوقاف المستمرة، والمشروعات الاستثمارية الدائمة من محبي الخير ورجال الأعمال والمؤسسات الخيرية، والله الهادي إلى سواء السبيل.

عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
عضو جمعية الأطفال المعوقين
الرياض - فاكس 014803452


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved