Sunday 18th April,200411525العددالأحد 28 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شيء من شيء من
عفواً سيدي الرئيس: يداك أوكتا وفوك نفخ!
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

لم يكن تورط الامريكيين في العراق مفاجئا، بل كان في تقديري قد تأخر كثيرا؛ كان لابد ان يواجهوا مقاومة شرسة منذ اليوم الذي اعلنوا فيه (تسريح) الجيش العراقي، وكوادر قوى الأمن المنتسبين لأجهزة الإعلام الحكومي. العراقيون في البداية لم يبدوا أية مقاومة تذكر؛ سقط العراق وسقطت بغداد بمنتهى السهولة، حتى ظن الكثير من المراقبين ان سقوط العراق السهل، لابد وان وراءه خيانة او مؤامرة غير ان الجندي العراقي الذي كان من المفروض ان يدافع عن العراق، راى انه يدافع عن العراق، بقدر ما كان يدافع عن نظام وعن عصابة، وعن شخص لا عن وطن.
وقد كانت الآلة الاعلامية الغربية وبالذات الامريكية، تروج لفكرة ان قوات التحالف لم تأتِ (مستعمرة) وانما اتت محررة ومنقذة للعراق والعراقيين من نير وتسلط نظام ديكتاتوري ظالم ومستبد.
هذا فضلا عن ان الجندي العراقي كان مقتنعا تمام القناعة ان مواجهة جيش كالجيش الامريكي كان بمثابة الانتحار؛ فالفوارق بين الجيشين من حيث الامكانيات كالفارق بين قوة أسد يتربص بفريسته وبين قوة قط منهك القوى، جائع لايلوي على شيء.
الانتصار السهل الذي حققه الامريكيون والابتهاج الذي ابداه الكثير من العراقيين بسقوط الطاغية، لم يحسن الامريكيون التعامل معه كما ينبغي ولم يتم استثماره بالطريق الصحيح فبدلا من ان يكون الجيش القادم من الجنوب والمنقذ من الطاغية، طوق نجاة وانقاذاً للانسان العراقي من المآسي التي اوقعه صدام فيها، وبالذات على مستوى دخل الفرد، واذا هو يقوم بخطوة مجحفة وغبية وبلهاء.. حلّ الجيش العراقي وسرّح افراد قوى الأمن، وترك مئات الالوف - كما تقول الاحصائيات - من الأسر العراقية فجأة دون مصدر دخل ودون معيل في الوقت الذي كان يعيش فيه هذا الجندي اصلا على مستوى الكفاف ابان الحكم البائد، وكان يؤمل في حياة افضل على يد الامريكيين الذين جاؤوا - كما كانوا يبشرون - لإنقاذه والاخذ بيده الى مستوى يليق بمواطن في وطن يعتبر من اغنى بلاد الله قاطبة.
غير ان الواقع كان على خلاف ذلك تماما فقد وجد نفسه في النتيجة هائما على وجهه، عاطلا عن العمل، يبحث عن كسرة خبز يسد بها رمقه ورمق اطفاله.. ربما ان الجيش العراقي وكذلك قوى الأمن كانا على مستوى العدد والتسليح والتثقيف من اسباب وبواعث وكذلك ادوات مآسي العراق وكوارثه؛ وهذا صحيح الى حد كبير غير ان هذا لايبرر التسريح المفاجئ والمتسرع والمندفع لافراد ليس لهم ذنب فيما حدث، سوى انهم ينفذون الاوامر مجبرين.
هذه الخطوة الخرقاء كانت بمثابة (غلطة الشاطر الامريكي) التي كان من المتوقع الا تمر دون افعال غاضبة بل ومتفجرة من قبل العراقيين، ها نحن نشهدها في المقاومة الشرسة التي بدأت من (الفلوجة) والتي لن تتوقف عندها بكل تأكيد بل ستتعداها الى اغلب المناطق والمدن العراقية. فقطع الاعناق ولا قطع الارزاق كما يقولون.
المقاومون في الفلوجة هم جنود محترفون. من كوادر الجيش العراقي المنحل وقادتهم كذلك، وقد ترك لهم النظام السابق من الاسلحة والذخائر بمختلف انواعها مامكنهم من جعل مدينة صغيرة كالفلوجة لان تصبح حديث العالم في (التنكيل) بالقوات التي لاتقهر ولعل ما اقدم عليه الامريكيون في البداية لمواجهة مقاومة الفلوجة من الافراط في القتل الجماعي والقصف والرد بقوة وشراسة ثم تراجعهم عن ذلك حينما طلبوا من المقاومين الهدنة والتفاوض ووسّطوا بعض الجهات المدنية العراقية ذات الخطوة والمكانة لدى المقاولين لتحقيق ذلك، يحمل دلالات ذات مغزى على مدى تورط الامريكيين؛ ويشير في الوقت نفسه الى ماتحمله الايام القادمة من مفاجآت خطيرة لن تكون آثارها السلبية محصورة في الامريكيين فحسب ولكنها وهذا مكمن الخطورة ستمتد لتشمل العراقيين انفسم، مهددة بحرب اهلية في كل انحاء العراق، لن يطفي السنة نيرانها حكومة مفبركة متحالفة مع المحتل، ولا مؤسسات مدنية مصطنعة ولا ديمقراطية برباط عنق ولا جيش جديد سيما وان (العصيان العسكري) في هذا الجيش الجديد وكذلك في قطاعات من قوى الأمن المشكلة حديثا، بدأ يلوح في الافق كما تقول الاخبار القادمة من هناك.
كل ما اريد ان اقوله في هذه العجالة ان التطورات الاخيرة في العراق - وارجو ان اكون مخطئا - تشير وبقوة الى ان المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة، سينسحب فيها الامريكيون كما عودونا دائما، وسيكون العراق المفكك والمتورط في حرب اهلية كما هي المؤشرات، بيئة خصبة لافراز الارهاب سيجد فيها الارهابيون وعلى وجه النصوص فلول القاعدة ملاذا نموذجيا وآمنا لهم، وبدلا من ان تكون حرب العراق حربا على الارهاب والارهابيين، هاهي توفر لهم جل ما يطمحون اليه: المأوى الحصين، وسلام مربع لبوش ورامسفيلد!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved