Sunday 18th April,200411525العددالأحد 28 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
حتى لا نؤتى.. من هويتنا الوطنية
د. عبدالله بن ناصر الحمود*

ربما يصعب على كل ذي عقل رشيد أن يسأله أحد عن اسمه،أو رقم هاتفه، أو مكان عمله، أو إقامته، أو شيء من نحوه، فيكون جوابه: آسف.. لا أدري، لقد أضعت ذلك، فمن المؤكد أن من يتلقَّى مثل هذه الإجابة سوف يشعر بشيء من الأسى والحزن؛ لأن المسؤول قد بلغ من التفريط أعظمه، بل قد يشعر أن ذلك المسؤول قد أصابه شيء من الخلل بالقدر الذي لم يعد معه يعرف أو يحفظ اسمه!!
هذه صورة مماثلة - إلى حد كبير - لمن تسأله عن هويته الشخصية المتمثلة في واحدة من البطاقات الرسمية الصادرة عن الدوائر الحكومية والأهلية فيقول لك: يؤسفني أنها ليست معي، لقد أعرتها، أو رهنتها، أو ربما أضعتها.
إن المجتمع المعاصر قد بات ينظر إلى الإنسان على أساس من مكونات أربعة: الفكر الذي يحمله، والسلوك الذي يمارسه، والشكل الذي يظهر به، والهوية الرسمية التي تعبر عنه، ولعله من نافلة القول : إن الإنسان المعاصر قد أصبح أكثرمن أي زمن مضىمسؤولا مسؤولية كبيرة عن حفظ تلك المكونات الأربعة، وأن التفريط فيها أو في واحد منها يعد مهلكة خطيرة للإنسان ذاته، والعجيب في هذه المكونات أنها - في زماننا المعاصر - لم تعد ملك أصحابها وحسب، أو حقا حصريا لهم فقط. بل بات كل شخص يحمل - بالضرورة - تبعة حمله أو امتلاكه تلك المكونات لشخصيته، وتتميز تلك المكونات بأن ثلاثة منها لصيقة بصاحبها، عصيَّة على أن يتحرر منها بسهولة، حيث قد يعجز المرء عن نفي فكره وسلوكه وكذا عن تعديل شكله وهيئته، لكنه قد يتساهل في أن يعبث الآخرون بهويته الرسمية.
ومن هنا ينبع الخطر الأكبر الذي يهدد بانهيار أحد المكونات الأربعة للشخصية الإنسانية المعاصرة. البطاقة الشخصية، أو بطاقة العائلة، أو جواز السفر، أو رخصة القيادة، أو بطاقة العمل، أو البطاقة الائتمانية، وأمثالها، عند صدورها تحمل اسم وهوية شخص ما فهي لم تعد مجرد قطعة من الورق أو البلاستيك، لكنها تعبر تعبيرا دقيقا عمَّن تمثله من البشر، وأي مساس بها سيؤدي بالتأكيد إلى المساس بصاحبها، ثم ما يلبث الأمر أن يعود إلى المجتمع كله أو الأمة كلها. وإذا كان المرء مسؤولا عن حماية نفسه ومجتمعه من الويلات والنكبات، فإن من وسائل ذلك حماية المستندات والوثائق الرسمية. قد يكون الأمر أيسر في زمن مضى، لكن عالمنا المعاصر المشحون بالويلات والمشكلات حقيق بأن يدفع الناس (كل الناس) بأن يكونوا أكثر حرصا وفطنة في الحفاظ على هوياتهم الرسمية.
إن رهن الوثيقة الرسمية لدى الجهات المتعددة أمر لم يعد يسوَّغ لغير جهات الاختصاص، والمفرِّطون في ذلك هم يفرطون في مصالحهم الكبرى، فإن فعلوا فعليهم أن يتحملوا ما ينتج عن ذلك التفريط من تبعات سيئة جدا متوقعة، قد تصل إلى الإضرار بالنفس والممتلكات.
الحفاظ المطلق اليوم على الهويات الرسمية لم يعد خياراً، بل هو أمر حتمي ضروري من أجل تحقيق المصلحة الخاصة والعامة. ربما أتينا من أن من بيننا من بلغت به البساطة إلى الحد الذي بات يفقد معه هويته وأوراقه الثبوتية بسهولة، أو أنه يعيرها أو يرهنها دون وعي منه لما قد يترتب على هذا السلوك من عقبات وخيمة عليه وعلى وطنه.

* عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved