زمن الانسحابات من العراق

بات يتعين على الكثير من الدول الحليفة إقناع شعوبها لماذا تبقي على قواتها في العراق ؟ولماذا يتعين عليها التضحية ببعض من جنودها ؟بينما يستعد الحلفاء الكبار ومنهم إسبانيا لسحب قواتهم.
وإذ تتهاوى الأسباب التي قالت الولايات المتحدة إنها دخلت بموجبها هذه الحرب، وأبرزها تدمير أسلحة الدمار الشامل التي كانت واشنطن تقول إن النظام العراقي السابق يحتفظ بها، إلا أنه لا المفتشون الدوليون ولا فرق التفتيش الأمريكي تمكنوا من العثور على تلك الأسلحة.
وبينما تتدهور الأوضاع في العراق كل يوم أكثر فأكثر، وبينما تجد الولايات المتحدة أنها تغوص في المستنقع العراقي بطريقة يصعب معها التخلص مستقبلا، فإن الحاجة باتت متزايدة وملحة إلى وضع كل العملية العراقية في أيدي الأمم المتحدة ،خصوصا مع سيطرة صور غير مستساغة لممارسات ارتبطت بقوات الاحتلال مع ازدياد المقاومة العراقية، وانفلات الأوضاع الأمنية بشكل عام.
القرار الإسباني بالانسحاب شجع الآخرين على مراجعة أوضاعهم وإمعان التفكير فيما يجري، وبدأت علامات الضيق تظهر بطريقة واضحة على الدول المشاركة في التحالف، خصوصا تلك القادمة من أمريكا الجنوبية حيث أمرت الرئاسة في هندوراس بسحب القوات بأسرع وقت ممكن.
وفي تايلاند أعلن رئيس الحكومة أنه سيأمر بسحب قواته بعد أول هجوم تتعرض له، ويعكس التصريح توجها قويا باتجاه الانسحاب الذي سيبرره فقط مجرد هجوم.. أي هجوم..
هذه الانسحابات المتتالية وتلك النوايا التي تستعد للإفصاح عن نفسها بالخروج من المستنقع العراقي في إطار توجه عام نحو إسدال الستار على العمل تحت المظلة الأمريكية تكرس القناعة المساندة دوليا بأهمية أن يؤول الشأن العراقي إلى الأمم المتحدة وأن تنتهي الحقبة التي تكون فيها دولة واحدة تمسك بزمام الوضع وتغلب مصالحها على مصالح الشعب الذي تقوم باحتلاله.
وربما أمكن القول إن انتقال المسؤولية إلى الأمم المتحدة قد يسهم كثيرا في تراجع التوتر القائم والذي يعكس- في جوانب منه- الهموم الإقليمية من جهة أن الولايات المتحدة، قوة الاحتلال الرئيسة، هي في ذات الوقت الداعم الأكبر لإسرائيل التي تغتصب أرض فلسطين، وتهدد الدول العربية وتتسلل إلى العراق بمخابراتها تحت المظلة الأمريكية، لتضفي بذلك على الموقف من الوجود الأمريكي المزيد من الرفض.