Thursday 22nd April,200411529العددالخميس 3 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

وإنا على فراقك يا عبدالسلام لمحزونون وإنا على فراقك يا عبدالسلام لمحزونون
العنود بنت عبد الله

الحمد لله المتفرد بالبقاء والدوام القائل في كتابه {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}.
والصلاة والسلام على رسول الله القائل (جاءني جبريل - عليه السلام - فقال يا محمد عش ما شئت، فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه).
لم تجف الدموع بعد، ولم تلتئم الجراح على وفاة الشيخ أحمد ياسين، فالجرح كان موجعا (إلا وفجعنا بجرح ثانٍ، وهو وفاة الشيخ عبدالسلام بن برجس العبدالكريم.. فالموت حقيقة قاسية رهيبة تواجه كل حي، فلا يملك لها ردا.. ولا شك أن وفاته- رحمه الله- جعلت في الحناجر غصة، وفي القلوب ألما).. وحق لنا أن نحزن، لست أنا الوحيدة التي حزنت لفراق الشيخ- رحمه الله- ولكن لا أشك أبدا (أن الكثير قد حزن لأنهم يعرفون فائدته التي كان ينثرها على من عرف حق المعرفة..
ما أقسى الألم، وما أشد لوعة الفراق.. داهمني الحزن والأسى لوفاة الشيخ -رحمه الله-.. بلغ مني الحزن مبلغه وملأ جوانحي.. لقد كان خبر وفاته حدثا (مجلجلا) هز قلوبنا وعقولنا.. داهمنا الحزن والأسى، وحق لنا أن نحزن.. فقد كان شمعة مضيئة من شموع العلم المنيرة في بلادنا.. ولكن نعزي أنفسنا بقول عز من قائل {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}.
ولو كان لأحد خلود لبقي رسول الله أفضل الخلق، ولكنها سنة الله في خلقه.. قال ابن عمر- رضي الله عنهما- (ما قبض الله عالما إلا كان ثغرة في الإسلام لا تسد) وعن الحسن البصري- رحمه الله- قال: (كانوا يقولون موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار).
والحياة الأبدية في دار الخلود بعد البعث والنشور إما شقاوة أبدية لأهل الكفر بالله، وإما سعادة سرمدية لعبادالله.. ومن حق أهل العلم والفضل أن نعرف فضلهم وقدرهم، فالعباد الصالحون هم شهداء الله في أرضه.
وهذه نبذة مختصرة من حياة شيخنا- رحمه الله- نقتبس منها الدين والعلم والخلق السامي..
نسبه وولادته ونشأته:
هو الشيخ عبدالسلام بن برجس بن ناصر آل عبدالكريم، من بني تميم وآل عبدالكريم أسرة عريقة معروفة بالفضل والأخلاق.. أن أصلهم من قرية حرمة قريبة من مدينة المجمعة.
ولد- رحمه الله- عام ألف وثلاثمائة وسبعة وثمانين من الهجرة النبوية في مدينة الرياض، وترعرع فيها وشب وكبر.. نشأ الشيخ عبدالسلام- رحمه الله - في بيئة عطرة بأنفاس الهدى والصلاح، وإن الجدير بالذكر والتنويه في أمر نشأته أن لوالديه أثرا بالغا ودورا بارزا في اتجاهه للعلم الشرعي وطلبه والمثابرة عليه، فكانا يحثانه ويشدان من أزره على الاستمرار في طلب العلم والسعي وراءه بكل جد واجتهاد.
في عام 1408 - 1409هـ تزوج الشيخ عبدالسلام وأنجب ابنتين والابنة الكبرى توفيت منذ حوالي ثلاث إلى أربع سنوات مصابة بمرض السرطان وتوفي الشيخ- رحمه الله- وعنده ابنة واحدة جعلها الله خلفا صالحا لوالدها.
حياته العلمية والعملية ومؤلفاته:
حصل على الشهادة الابتدائية في عام 1400هـ.
حصل على الشهادة المتوسطة من المعهد العلمي بالشفاء عام 1403هـ.
حصل على الشهادة الثانوية من المعهد العلمي بالشفاء عام 1406هـ.
حصل على الشهادة الجامعية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - كلية الشريعة عام 1410-1411هـ.
1- بعد تخرجه من الجامعة عين قاضيا فرفض.
2- عين مدرسا في المعهد العلمي بالقويعية عام 1411هـ لمدة سنة.
3- حصل على شهادة الماجستير عام 1415هـ، وكان موضوع الرسالة (توثيق العقود في الفقه الإسلامي).
4- حصل على شهادة الدكتوراه عام 1421هـ، وكان موضوع الرسالة (تحقيق الفوائد المنتخبات في شرح أخصر المختصرات - لعثمان بن جامع).
5- عين محاضرا في المعهد العالي للقضاء التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
حفظ القرآن الكريم عام 1406هـ على يد الشيخ شبيب الدويان.
تلقى العلم على العديد من العلماء والمشايخ.. منهم الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز- رحمه الله - والشيخ العلامة محمد الصالح العثيمين- رحمه الله - والشيخ عبدالله بن جبرين- حفظه الله - والشيخ عبدالله الدويش - والشيخ صالح الأطرم..
مؤلفاته:
1- القول المبين في حكم الاستهزاء بالمؤمنين.. وهذا أول كتاب طبع له.
2- إبطال نسبة الديوان المنسوب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية.
3- الأمر بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم والتحذير من مفارقتهم.
4- الحجج القوية على أن رسائل الدعوة توقيفية.
5- الاهتمام بالسنن النبوية.
6- إيقاف النبيل على حكم التمثيل.
7- الإعلام ببعض أحكام الإسلام.
8- الأبيات الأدبية الحاصرة.
9- مجموع شعر شيخ الإسلام ابن تيمية.
10- المعتقد الصحيح.
11- عوائق الطلب.
12- التمني.
له تحت الطبع: مجموع المحاضرات فيما يخص الدعوة والدعاة - تدوين العقيدة السلفية.
له مقالات طيبة ومشاركات نافعة في بعض الصحف والمجلات الإسلامية، ظهر في العديد من البرامج الحوارية بالقنوات الفضائية.
شارك في العديد من الندوات الإسلامية.
ألقى الكثير من المحاضرات التي تناولت شؤون العالم الإسلامي وهمومه.
صفاته وأخلاقه:
عالم وداعية إلى الله عز وجل وناصح في مؤلفاته ورسائله وبيانه للحق.. عرف- رحمه الله- منذ بزغ نجمه في العالم بعنايته بكتب الدعوة السلفية دراسة وتحقيقا وخلقه وصبره على شدائد العلم والتحصيل.. ونجم من النجوم الساطعة في سماء الدعوة.. كان- رحمه الله- أنموذجا فريدا في تعامله مع الآخرين ولباقته.. يشد السامع إليه بحسن حديثه وسلامة مقصده، وسمو أفكاره وقوة حججه ووضوح عبارته.. كان -رحمه الله- شمعة مضيئة للعلم النافع. وصدق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذ قال: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء).
قال الشاعر:


لعمرك ما الرزية فقد مالٍ
ولا فرس يموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد شخصٍ
يموت بموته خلق كثيرُ

تربطني بالشيخ- رحمه الله- علاقة عمل في مجال الدعوة، ولا أنسى توجيهاته السامية لي في بداية عملي، وأصبح عونا ودعما وموجها لي بعد الله.. لقد عرفت فيه الأخلاق العالية والمعاملة الطيبة مع الجميع.. اتسم بالرفق والأناة والحكمة والسياسة.. كان- رحمه الله- ينسى ذاته في سبيل راحة الآخرين وتحقيق ما يتطلعون إليه من المساعدة.
القاعدة السلفية تقول آية ما بيننا وبينهم يوم الجنائز، وأن الناظر في العدد الكبير من الحضور ليذكر قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} واجتماع العدد الهائل في مسجد الأمير تركي بن عبدالله للصلاة على الشيخ لهو أكبر دليل على حب الناس للشيخ- رحمه الله-.. حسب ما ذكر أن أكثر من ثلاثة آلاف شخص حضروا للصلاة عليه والدفن.. عمومهم من العلماء وطلاب العلم، وفي مقدمتهم المفتي العام للمملكة سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ- حفظه الله- والشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية، وصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن ممدوح بن عبدالعزيز، فإن افتخر أحد بجنازة فليفخر بهذه الجنازة.
إن الحديث عن الشيخ عبدالسلام ذو شجون يبدأ ولا يكاد ينتهي، ويحلق بك على أجنحة من الخير ولا يزال يختلج في النفس الشيء الكثير عنه، لكنها تتعثر الكلمات وتتلعثم عن البيان، والقلم يرتعش، والفؤاد محزون يكاد يتفطر ماذا عساي أن أكتب وقلبي مليء بالحزن، وقلمي لا يطاوعني.. فإن الأقلام تعجز عن إيفاء الشيخ عبدالسلام حقه..
رحمك الله شيخنا عرفناك باذلا لحياتك، ناصحا للمسلمين.. عرفناك مجيبا لسائل يسأل.. عرفناك معلما ومدرسا لنخبة من طلبة العلم.. عرفناك مصنفا للرسائل وكتبا لا تزيد قارئها إلا تفهما للعقيدة السلفية.. -رحمك الله- شيخنا أنكرت المنكرات، وكنت مفتاحا من مفاتيح الخير، ومشعلا من مشاعل الهداية تأمر المعروف بالمعروف وتنكر المنكر من غير منكر.
عزاؤنا فيك شيخنا أن علمك سطر في صدور تلاميذك، وخط رسائلك ومصنفاتك.. عزاؤنا في فقدك علمك الذي تركته..
أفضى الشيخ إلى ربه، وترك لنا بحسن خلقه ذكرى سيرته الزاكية.. سنذكرك يا شيخنا عند كل شروق وغروب، وسنبكيك عند كل ركوع وسجود.. فوالله إن فقده لمصاب عظيم، وحادث جسيم في وقت الأمة في أمس الحاجة إلى أهل العلم الناصحين الراسخين، ووالله إنه بحق ليعد عقدا فريدا في سلسلة أئمة الدعوة السلفية..
إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا على فراق الشيخ عبدالسلام لمحزونون.. ولا نقول إلا ما يرضي ربنا {ِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } رحمك الله يا شيخ عبدالسلام رحمة واسعة، وجعل قبرك روضة من رياض الجنان، وبلغك منزلة الشهداء وهنيئا لك قبض الله روحك يوم الجمعة نسأل الله أن يجنبك عذاب القبر، ويخلف على أهلك بخلف صالح، ويربط على قلوبهم، ويعوض الأمة الإسلامية خيرا.
الرياض: 11345
ص.ب: 381146


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved