نحو السيادة العراقية

عكس قرار مجلس الأمن 1516 الذي أخرج العراق رسمياً من مرحلة الاحتلال انسجاماً وتوافقاً غربياً كاملاً، على النقيض من حالة الانقسام الحاد بين الحلفاء الغربيين، حينما كانت الولايات المتحدة على وشك شن حربها على العراق قبل أكثر من عام, وها هم فرقاء الأمس قد أجمعوا أمرهم في مجلس الأمن معيدين إلى الأمم المتحدة بعضاً من كرامتها الممتهنة, كما أن هذا التوافق كان سمة قمة الثماني الكبار الذين يمثِّلون نفس المجموعة الغربية, والأمل أن ينعكس هذا النهج على كامل الشؤون الدولية بحيث تتم مواجهة المشاكل التي تقض مضجع العالم وبينها بصفة خاصة مشاكل منطقتنا العربية.. على أن التوافق الغربي ليس هو المهم في حد ذاته بل المهم أن يتم استغلاله من أجل ترسيخ أُسس عالم أفضل، بعد أن كادت القوة المهيمنة تصبح صاحبة الكلمة الأولى في عالم اليوم.. وإذا كان الكبار قد أفلحوا في التوصل إلى القرار الذي يُعيد السيادة لأهل العراق, فإن الأحوال في العراق تستوجب تركيزاً خاصاً، وبالذات في شأن السيادة الأمنية, حيث ينص القرار على أن الأمن مسؤولية السلطة العراقية في المقام الأول، وأن القوات المتعددة الجنسيات, التي كانت للتو قوات الاحتلال, هي شريكة في المجال الأمني, وإذا استتب الأمر على هذا المنوال فإن العراق سيكون قد وضع رجليه بالفعل على مسار التعافي.
ومع ذلك فإن قوات الاحتلال الحالية إن أصرّت على تنفيذ أجندتها هي, وليس السهر على مصلحة الشعب العراقي، أو إن عادت لصفتها القديمة كقوات احتلال, فإن بشاعة الاحتلال تطرأ مجدداً على الساحة العراقية, خصوصاً إذا استأنف الفرقاء المسلحون, من قوات أجنبية وفرق للمقاومة، وكل ألوان الطيف المسلح, عمليات الانتقام، والانتقام المضاد.
وسيكون مفيداً للوضع في العراق أن يستمر التوافق الدولي الحالي وأن يطول بصفة خاصة الحالة العراقية بحيث تكون العودة الحالية للأمم المتحدة عودة حقيقية ومجدية، وأن تعكس القوات المتعددة الجنسيات التي ستنشأ بعد الثلاثين من يونيو الجاري الإرادة الدولية الكاملة وليس مصالح هذه الدولة أو تلك.
ويُمثِّل الشأن العراقي, وفقاً للقرار الجديد تجربة جديرة بالمتابعة, بعد أن سادت القناعة أن القوة العظمى تستطيع أن تستأثر بالقرار الدولي وأن تُنفّذ ما يحلو لها, وإلى أن يثبت العكس وتعود قوة الولايات المتحدة لتكون عنصراً في كيان دولي شامل وليس قوة مهيمنة وحيدة.. فإن العالم الذي رفض التوجه الأحادي مطالب بأن يكفل للتجربة العراقية أسباب النجاح, بما ينقذ هذا البلد وبالطريقة التي تُتيح الاعتماد على التجربة لتطبيقها في أنحاء أخرى من العالم بحيث تكون الإرادة الدولية الجمعية صاحبة الكلمة الأولى.