Thursday 17th June,200411585العددالخميس 29 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "حدود الوطن"

حدود الوطن حدود الوطن
أبان حديث الأمس
أبان علمٌ لجبلين أحدهما أبيض والآخر أسود
نقوش وآثار تشير إلى مكانته قديماً

  *حلقات أعدها - عطاالله ضيف الله الرشيدي:
أبان.. هي محطتنا اليوم حيث نستعرض تاريخ هذين العلمين ومكانتهما قديماً، التي صورها عدد من شعراء العرب
*******
أبان في القديم والحديث
ظل اسم (أبان) علماً خالداً لجبلين في منطقة القصيم؛ هما: أبان الأحمر (الأبيض قديماً) وأبان الأسمر (الأسود قديماً) والأول أشهر من الثاني؛ لدرجة تصل بالسامع عند سماعه ذكر أبان من دون تمييز إلى انصراف ذهنه إلى أبان الأحمر لا الأسمر، فهو منذ القدم كان عملاقاً يتبوأ المنزلة العالية عن الآخر في كل شيء، بل كانت شهرته تعلو على شهرة أي جبل آخر من سائر الجبال في نجد ما عدا جبلي طيء (إجأ وسلمى) فالمنزلة واحدة.
وليس في القول مبالغة إذا قلنا: إنَّ حبَّ الإنسان لشيء ما يتمثل في تعلقه بأجمل جزء من أوصافه الحسية، وعلى هذا فإن أباناً بالنسبة للعرب لا يمثل لهم كونه واحداً من أهم المعالم الجغرافية في شبه جزيرة العرب فحسب، بل لأنه - مع هذا- يمثل ذلك الجزء من نجد الذي يثير فيهم الحنان والشوق إلى نجد إذا ما بعدت بهم المسافة عنه، وأيضاً ذلك الملاذ الآمن الذي يلوذ به من شرّدته الحرب آنذاك، ولأهمية جبلنا هذا في الأخبار والأشعار في مختلف العصور يحسن أن نقدم لمحة سريعة عن وصفه قبل الولوج في ذكر القليل منها.
صفته
يقع أبان الأحمر ما بين مجرى وادي الرّمة عند وصوله رمل محيوّه شمالاً، وهضب الدوسري شرقاً، وجبل اللّهيب جنوباً، وعند منقطع امتداد عريق الدسم في اتجاهه نحو الشمال غرباً، وهو في كل جهة من جهاته الأربع تختلف صفته فيها عن الأخرى، إذ يبدو بعين من يشاهده عن بعد من جهة الشرق في منخفض من الأرض غير مرتفع ما عدا ركنه الشمالي يشاهد شاهقاً في السماء من رأسين حادّين أحدهما للآخر كالرديف خلف الراكب، وهما يحجبان الرؤية من هذه الجهة عن ثالث لهما، فهذا الركن من ثلاثة شناخيب، يقال لها (البيض)، والواقع أن لونها إلى اللون الأبيض أقرب منه إلى اللون الأحمر، وربما كان الأقدمون في تعميمهم صفة البياض على كل الجبل راجعاً إلى تغليب صفة الجزء على الكل، وإلا فالغالب على بقية أجزائه هو اللون الأحمر حقيقة لا مجازاً.
أمّا المشاهد له من جهة الغرب فيظهر فيه شامخاً مستطيلاً من الجنوب إلى الشمال بشكل مترابط ومتصل في أطول امتداد له على بقية جهاته الأخرى، فالعين في مشاهدتها له من هذه الناحية لا ترى أعظم جلالاً ولا أرفع مقاماً مما تراه ماثلاً أمامها في هذا الجانب منه. ومثل هذا يقال في جهته الشمالية باستثناء طول استطالته، فهو في هذه الناحية أقل امتداداً.
وأما من جهته الجنوبية فيبدو ملموماً محتجباً بسلسلة من الجبال السود، وهي سلسلة ملتفة عليه من كل جهاته التفاف السوار بالمعصم، إلا أنها في جهته الجنوبية أعلى ارتفاعاً من غيرها، وقد زاده الله بها بهاءً وجمالاً منقطع النظير.
وحقاً ما قاله امرؤ القيس في وصفه:


كَأنَّ (ابانا) في أفانين وبله
كبيرُ أُناس في بجاد مزمل

وكدليل على كبريائه وعلو قدره في الجاهلية وصدر الإسلام ضربت العرب بأبان المثل في الضخامة والثقل في تفاوت الموازين الاجتماعية بين الناس:
قال ابن أبي حصين:


قلو أنّي شكرتُك كل شكرٍ
لما استقصيت ما ضمن الجنان
لو حمّلتني ركن أبان
لأثقلني جميلك لا (أبان)

وقال الأخطل من قصيدة يفضل فيها الفرزدق على جرير:


فلقد تجاريتم على أحسابكم
وبعثتم حكماً من السلطان
فإذا كليْب لا توازن دارماً
حتى يوازن حزرم بأبان

ويرى الشيخ العبود محقاً أن حزرم هو (القُنَيْنَة) تلك الأكمة السوداء المرتفعة بالطرف الجنوبي من (الخيمة) غرباً من قرية (عطا).
وقال عبيد الحمود من المتأخرين:


لا والله اللّي دوبحنّ الليالي
وقفنْ بشيمات العرب والمروة
أقفنْ ولا خلنّ للأجواد تالي
إلا ذنانة واحدٍ وأين أبي ألقاه
العود عند الناس ماله جلالِ
والعفن صارت كبر (أبانات)

وكذلك ضُرب به المثل في الشدّة والخلود والمنعة:
قال زهير بن أبي سلمى:


ولستُ بتاركي ذكرى سليمي
وتشبيبي بأخت بني العدان
طوال الدهر ما ابتلّت لهاتي
وما ثبت الخوالد من (أبان)

وقال لبيد رضي الله عنه:


فأي أوان ما تجئني منيّتي
بقصد من المعروف لا أتعجب
فلستُ بركن من (أبان) وصاحة
ولا الخالدات من سواج وغرّب

وقال ابن المقرّب:


ويوم علا بجرعاء المصلّى
عجاجٌ غَابَ فيه المسجدان
ألم يَلْق الَّردَى منه بقلب
على الأهوال أثبت من (أبانِ)

وكمثال على منعة أبان أورد العبودي مثلاً على ذلك قصة لجوء قاتل شاس بن زهير سيد عبس في الجاهلية، ورجل من بني أسد عقر إبلاً وقتل غلاماً وجرح امرأة في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان، وقاضي مدينة الرس في أيام إبراهيم باشا في أبان، ومكوث كل واحد منهم فيه حتى زال السبب الذي قاد أيهم إليه في زمانه، ثم أتبع ذلك شرحاً لمولد المثل: (فاتت يا ونيّان). وكيف أن إبراهيم باشا تمكن عام 1233هـ من إلقاء القبض على الإمام عبدالله بن سعود، وتمّ إرساله وبعض أفراد حاشيته إلى مصر ثم إلى (اسطنبول) في حراسة مشددة عليه، ثم أن الركب توقف ليلاً بجانب (أبان)، فانبرى رجل يدعى (ونيّان) من حاشية الإمام يشرح له كيف أنه في سابق الأيام كان مارّاً بأبان الأحمر فرأى قطيعاً من الوعول فرمى أحدها بطلقة نارية فجرحته، ولكنه ولج في الجبل، فاقتفى أثره مهتدياً بنقط من الدم إلا أنه وجد أن الجبل من الوعورة والسعة والمناعة ما أقنعه بصرف النظر عن متابعته، وكان يوحي بذلك أن يحاول الإمام الانفلات من حراسه بأي حيلة يراها، ليلتجئ إلى الجبل، لكنه لم يفطن إلى هذا، فلما أن جاوز الركب الجبل بعيداً أدرك ما كان يوحي به ونيّان له فقال: (فاتت يا ونيّان) فذهب ذلك القول المأثور مثلاً في العرب.
وليس هذا فحسب، بل كان (أبان) قد ألهب فيمن بَعُد عنه من أهله أو من كان يعيش بجواره من الأعراب لهيباً من الشوق والحنين إليه، فباحوا عن ذلك في أشعارهم وآثارهم:
قال المراد بن سعيد الأسدي يتشوق إلى أبان وهو في (الرُّها) بين الموصل والشام:


برئت من المنازل غير شوق
إلى الدار التي بلوي (أبان)
ومن وادي القنان وأين مني
بدارات الرُّها وادي القنان

وحدّث أبو العباس المبرد وقال: كان بعض الأعراب يقطع الطريق فأخذه والي اليمامة في عمله، فحبسه، فحنّ إلى وطنه فقال:


أقول لبوّابي والسجن مغلقُ
وقد لاح برق: ما الذي تريان؟
فقال: نرى برقاً يلوح وما الذي
يشوقك من برق يلوح يمان؟
فقلت: افتحا لي الباب أنظر ساعةً
لعلي أرى البرق الذي تريان
فقالا: أمرنا بالوثاق وما لنا
بمعصية السلطان فيك يديان
فلا تحسبا سجن اليمامة دائماً
كما لم يُدمْ عيشٌ لنا بأبان

وقال الجاحظ: زوّجت من أبان في بني كلب امرأة، فنظرت ذات يومٍ إلى ناقة قد حنّت، فذكرت بلادها، وأنشأت تقول:


ألا أيُّها البكر الأبانُّي، إنِنّي
وإياكِ في كلب لمغتربانِ
نحنُّ وأبكي ذا الهوى لصبابة
وإنّا على البلوى لمصطحبانِ
وإنّ زماناً أيُّها البكر - ضمّني
وإياك في كلب لشرُّ زمانِ

فما أقرب أوجه الشبه بين حالة هذه المرأة من أهل أبان القدامى التي ذكرها لنا الجاحظ المتوفى عام 255هـ وبين حالة امرأة أخرى من أهل أبان المعاصرين!! فقد نفرت زوجها، فابتعدت عنه برفقة أبيها إلى (الحفر)، فلمّا طالت غيبتها عنه طلقها، ثم تزوجها رجل من أهل الكويت، فأيقنت أن ذلك العيش بأبان ليس براجع لها، فكان عزاؤها في ذلك أن قالت:


يا راكباً من عندنا مستذيرة
لو الرسن والوسر صرّمت الأكوار الصبح تسرح من هشوم الجفيرة
والعصر هفّتْ مع مثاليم (جرّار)
وإليا لفيت (الضلع) وأطراف سيله
تراك تلقاهم من الضلع وأيسار
وإليا لقيت أبيوت هاك القبيلة
تراك تلقالك خروفٍ ومعيار
وسلّم عليهم عدّ وبْل المخيله
سلامٍ أحلى من شهاليل الأمطار

فجرار: وادٍ بالطرف الجنوبي من أبان كثير النخيل، و (الضلع) أبان الأحمر والقبيلة المضابرة.
وقال ابن هذال وهو في العراق يتشوق إلى أبان:


لابدّ ما حنّا لأبانات زوّار
بظعاين تسبق ركاب المعايير

وقال أحد شعراء المضابرة، وقد انتأى عنه:


العينْ لا تنظرْ شمالاً ولا شرقْ
إلا لأبان عيونّا طايراتِ
تعاقب القبائل في أبان

لا شك في أن بعض القبائل قد بسط جناح نفوذه، في فترات متباعدة من الزمن، على (أبان)، ثم أصبح ذلك النفوذ والوجود معاً لأي منها جزءاً من الماضي البعيد، وللعلماء في ذلك أقوال:
قال لُغدة الأصفهاني: أبان الأبيض لعبس: وأبان الأسود لبني أسد، وبه قرية يقال لها الشركة لبني أسد بها عين أجراها محمد بن عبدالملك بن حبيب الفقعسي.
وقال البكري: أبان: بفتح أوله: جبل؛ وهما أبانان: أبان الأبيض: وأبان الأسود، بينهما نحو فرسخ ووادي الرذمة يقطع بينهما.. فأبان الأبيض لبني جُرَيْد من فزارة خاصة، والأسود لبني والبه من بني الحارث بن ثعلبه بن دودان بن أسد، وقال بعضهم: ويشركهم فيه فزارة.
وقول ياقوت نقلاً عن الأصمعي: وادي الرّمة يمرّ بين أبانين، وهما جبلان، يقال لأحدهما: أبان الأبيض وهو لبني فزارة، ثم لبني جُرَيْد منهم، وأبان الأسود لبني أسد، ثم لبني والبه، ثم للحارث بن ثعلبه بن دودان بن أسد بينهما ثلاثة أميال.
وقال الهمداني: وهو يعدد ديار ربيعة: الذنائب وواردات وذو حسم وعويرض وشريب وأبان.. الخ.
وقال أبو علي الهجري؛ وهو يعدد الجبال التي تقع غرب جبل متالع (أم سنون حالياً) ضمن سياق كلامه على حدود حمى ضريّة: فمنها جبلان صغيران مفردان يدعيان النائعين، وهما في أرض بني كاهل من أسد قال الأسدي:


وليس إلى ما تعهدين لدي الحمى
ولا همل بالنائعين سبيلُ

ثم الجبال التي تلي النائعين في أرض بني عبس، منها جبل يقال له عمود العمود، مستقبل أبان الأبيض، بينهما أميال يسيرة، وفي أرض العمود مياه لبني عبس.
وأقول: عمود العمود يعرف الآن باسم (عمودان) وهو جبل أسود، لا يفصل بينه وبين أبان الأحمر سوى وادي (جرّار) وجرار هذا وادٍ تنطلق أعالي فروعه من الجهة الجنوبية لأبان، ومجرى سيله يكاد يكون ملاصقاً لجبل أبان من جهته الجنوبية، ثم ينحرف صوب الشرق بين سمراوين، يقال للشمالية منهما سمراء الجحفة؛ وهي جزء من سلسلة الحزام الأسود لأبان الأحمر، وللجنوبية سمراء جرار؛ وهي سلسلة منخفضة الارتفاع، تمتد من الغرب إلى الشرق حتى تنقطع عند (عمودان) لا يفصل بينهما غير ثنية، ثم ينحرف صوب الشمال حتى يحير في الجبهة الجنوبية من نفود محيوّة.
إن قبيلتي فزارة وعبس، وهما بطنان من غطفان كان بعضهم يساكن بعضاً في أبان في عهد أبي علي الهجري، وهو في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع الهجريين، وعليه يمكن القول: إن صلة القربى التي تجمعهما في النسب، وتفكك الروابط القبلية لهجرة فروع كثيرة لكل منهما أيام الفتوحات الإسلامية، واختلاط من بقي من فروعهما في المنازل قد أوجد بين هذه الفروع قاسماً مشتركاً في التلاحم والاتحاد في مجتمع واحد، وتحت اسم حديث وهذا موضوع آخر.
وقال ابن خلدون في سياق كلامه عن ديار فزارة نقلاً عن ابن سعيد، أبرق الحنّان وأباناً.. من معالم بلادهم.
وقال ياقوت: أبرق الحنّان: بفتح الحاء المهملة وتشديد النون وآخره نون: هو ماء لبني فزارة؛ قالوا: سُمِّي بذلك لأنه يُسمع فيه الحنين، فيقال: إنّ الجنِّ تحنُّ إلى من قفل عنها؛ قال كثير:


لمن الديار بأبرق الحنّان
فالبرق فالهضبات من أدمان
أقوتْ منازلها وغيّر رسمها
بعد الأُنيس تعاقُبُ الأزمان
فوقفت فيها صاحبّي، وما بها
يا عزَّ! من نَعَمٍ ولا إنسان

وأقول: يطلق اسم أبرق الحنّان على مواضع كثيرة في بلاد العرب، وكلها تشترك بسماع أصوات الجنِّ فيها، وأبرق الحنّان في بلاد فزارة قديماً يعرف الآن ب (أبرق الحنّاوِيَّة) بدليل أن ابن خلدون قرنه ب(أبان) وهو كذلك إذ يقع على أميال يسيرة جداً غرباً من أبان الأحمر، حيث يلامس أنفه الشمالي نفود عريق الدسم عند (دعص مرتفع) من كثبان الرّمل، يقال له في لغة أهل العصر (برخوص الإسلام)، ولاتزال العامة تنسج حوله جملة من المزاعم في سماعهم أصوات الجنِّ فيه، فالكثير منهم يعتقد بأنه موطن لجماعة من الجنِّ مسلمة، ولهذا كان البعض من أهل الأمراض المستعصية يذهب إليه، فيبيت عنده ليلاً طلباً للشفاء، ولهم في ذلك قصص وأقوال خرافية يطول الحديث فيها، وما أرى الشاعر في شعره الذي استشهد به ياقوت هنا أراد به أبرق الحنّان (الحناوية حالياً) هذا الذي في بلاد فزارة قديماً، بل أراد أبرق حنّان آخر بضواحي (بدر) حيث ديار عزّة صاحبته المشهورة.
وقال العلامة الشيخ محمد بن ناصر العبودي في بيانه لمنازل القبائل العربية القديمة: أمّا بنو عبس فإن أكثر بلادهم كان بالإضافة إلى ناحية الجواء - التي ذكرنا بعض أماكنها- في أبان الأبيض (الحمر في الوقت الحاضر) وأماكن قريبة منه من جهة الجنوب الغربي، ولهم قطن وثادق. وهم بذلك وغيره يشتركون في الحدود مع بني أسد، ثم قال في مكان آخر: نقلت العامة عن أحد شيوخ عنزة من آل هذال، وكانت تلك القبيلة تحل أبان وما حوله من عالية القصيم، فهاجرت وقصدت العراق، ولما سئل أحد شيوخها من آل هذّال عما إذا كان قد نسى (أبان) بعد أن وجد البلاد الخضراء الخصبة أجاب: والله إنني ما أنس - ما حييت- وقدة رمث بأبان.
ثم قال عن أهل العصر لأبان: وفي جبل (أبان) في الوقت الحاضر عدة هجر- أي: قرى للبادية- عليها عدد من الأُمراء، وأماكن زراعية كثيرة، ونخيل تستغني بقرب الماء في أرضها عن السقي؛ وهي من أجود النخل وأقواها في منطقة أعلى القصيم.
ثم قال: وتقطن في أبان في الوقت الحاضر أفخاذ من قبيلة بني رشيد وبخاصة المضابرة- جمع مضيبري.
ومما تقدم يتضح:
1- أبان في حقبة من الجاهلية عند الهمداني من ديار ربيعة، ولكن لا أحد من قدماء العلماء - حسب اطلاعي - يتفق معه في هذا القول، ولعله بذلك كان متأثراً بقول مهلهل بن ربيعة:


أنْكَحَها فَقَدها الأراقمُ في
جنبٍ وكان الحباءُ من أدمِ
لو بأبانين جاء يخطبّها
ضرِّح ما أنف خاطبِ بدمِ

فقد ذُكر أن حرب البسوس قد ألجأتْ مهلهلاً إلى جنب من مذجح وهناك خطبوا إليه ابنته (عبيده) فاستنكحوها كرهاً عنه، فدواعي القصيدة تدل على أن إشارته لأبان جاءت لكونه علماً واقعاً في أقصى الحدود الشمالية لديار ربيعة في زمانه، فيما هو وابنته يقيمان على مسافة غير بعيدة في أقصى الحدود الجنوبية من ديارهم؛ وعليه فالأمر يحتاج إلى تثبت.
2- أبان الأسمر كان في الجاهلية وصدر الإسلام من معالم ديار قبيلة بني أسد، وربما كان يشاركهم فيه بنو ذبيان، وبخاصة فزارة منهم.
3- أبان الأحمر كان في الجاهلية وصدر الإسلام من معالم ديار فزارة، وبخاصة بني جُرَيْد منهم، ولايزال بجانب واحة الشعب تلعة تسمّى تلعة جريد، ولا يوجد عندي أدنى شك بأن تسميتها تمتد إلى أولئك القدماء من فزارة، ثم ساكنهم فيه بنو عبس في القرن الرابع من الهجرة، فالمؤشرات التاريخية تشير إلى امتداد ذلك الوجود لهم في أبان حتى القرن الثامن للهجرة.
4- في القرن الثالث عشر من الهجرة بسطت قبيلة عنزة وجودها ونفوذها على (أبان) كغيره من ديار عالية القصيم، ومن الطبيعي أن وجود الكثرة في مكان ما يغيّب ما سواه من وجود القلّة، وبغياب وجود عنزة ظهر في أبان وجود المضابرة كقبيلة هم ملاك (أبانين) الوحيدون في هذا الزمان.
أبان والآثار
لاشك في أن وجود الآثار في مكان ما مثل: الآبار وجداول المياه والأطلال والوسوم والنقوش وصور الحيوانات المنحونة على الصخور تدل دلالة واضحة على أن هذه المنطقة قد شهدت في حقبة من الزمن نوعاً من تطور الحياة الإنسانية فيها، وإن تلك الحضارة قد دثر أمرها، ولم يبق منها إلا هذه الرموز من الآثار التي ترمز للدلالة على ثقافة ذات معنى لما ترمز إليه.
ولهذا لا يسعني إلا القول: إن منطقة (أبان) منطقة غنيّة بالآثار، وعسى أن تكون هذه الإشارة عنها رسالة لوكالة الوزارة للآثار والمتاحف.
أبان تحت مظلة الأمن
وازدهار الحضارة
مضى الكلام على (أبان) في مختلف العصور، وهي عصور اتسمّت بمظاهر العصبية القبلية وانفلات الأمن بين جماعات المجتمع الواحد، فالاحتكاك على الماء والكلأ بين قبائل لا تنقاد لأحد أشعل صراعاً اجتماعياً قاسياً، حتى قيّض الله لهم ابناً من أبنائهم صلباً ورحماً، استطاع أن يوحّد كلمتهم على مبدأ العدالة الاجتماعية، وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، ذلك هو الملك عبدالعزيز آل سعود -يرحمه الله- الذي كان لتوجيهاته الكريمة بتوطين البادية في الهجر أثر واضح في نمو أنشطتهم التجارية والزراعية والعمرانية وتنوع مصادر رزقهم في أكثر من مجال، وفي ظل هذا التحول شهد (أبان) نقلة نوعية في مركب الحضارة الإنسانية، تمثلت على أرض الواقع في تناثر القرى حول جبلي (أبان) بشكل مكثف مع ربطها بالمواصلات، والاتصالات الحديثة، وكذلك مدها بما تحتاج إليه من المرافق التعليمية والصحية، وغيرها من الخدمات الضرورية الأخرى، والموضوعية تقتضي أن نسلط الضوء على أهم المطالب التي أضحى الأهالي يعانون من عدم وجودها أشد المعاناة في حياتهم اليومية، وهي مطالب يمكن تخليصها على الوجه الآتي:
1- المستشفى: يوجد في أبان وتحديداً ب (ضليع رشيد) مستوصف واحد يستقبل يومياً من المراجعين ما يفوق إمكانياته الطبية، التي لا تستطيع عملياً استيعاب ثلاثة أضعاف طاقته من المراجعين يومياً، بل إن وضعاً كهذا أدى واقعاً إلى تدني مستوى الخدمات التي يقدمها لمراجعيه، وأخطر من هذا أن بعض الحالات الحرجة يتم تحويل أصحابها إلى مستشفى الرس الذي يبعد عنه أكثر من مائة كيلو، فأحياناً يتوفى من يعاني منهم من أزمة قلبية قبل أن يصل إلى مستشفى الرس، لبعد المسافة وحاجة السكان في أبان إلى مستشفى حاجة لا تحتمل الانتظار أكثر مما مضى.
2- مكتب الضمان الاجتماعي: لاشك في أن فتح مكتب للضمان الاجتماعي في أي مدينة أو قرية كان الهدف منه هو تسهيل الإجراءات النظامية على المعسرين من الفقراء، إلا أنه تبيّن أن بعض المسنين من الفقراء في الهجر والقرى والقرى البعيدة عن مقر المكتب غالباً لا تساعدهم أحوالهم على الاستمرار في مراجعة المكتب ذهاباً وإياباً لعدة أسابيع، وربما أشهر، وبالتالي لا يمكنهم الاستفادة من ذلك، لعجزهم عن متابعة إنهاء هذه الإجراءات صحياً ومادياً، وهذه حالة الكثير من أهل (أبان) الذين يتطلعون إلى اليوم الذي يرون فيه مكتباً للضمان الاجتماعي في بلدتهم (ضليع رشيد) قد أصبح حقيقة، حتى يتمكنوا من الاستفادة منه، وعسى أن يكون ذلك قريباً.
3- المستودع الخيري في أبان: شيء طيب أن يصل المستودع الخيري في أبان إلى المستوى الحسن الذي وصل إليه، بتوجيه وتشجيع من ولاة الأمر -أيدهم الله- ويستحق القائم عليه الشيخ إبراهيم المزيني الإشادة بحسن الأداء، فقد أُنشئ فيه حديثاً قسم للميكانيكا وآخر للحاسب الآلي، مع تقديم حوافز مالية للطلاب المتفوقين، وفي ذلك نظرة شمولية واعية، هي بالتأكيد ستنقل الشباب من حالة الخمول إلى حالة مليئة بالحيوية والعمل يستحق من أهل الخير الدعم المتواصل، ليستمر في أداء رسالة جديرة بأن تكون مثالاً يقتدى بها.
4- مياه الشر: بداية نسأل: هل تصبح المنازل القديمة في فوارع (أبان) سدوداً؟
الواقع أن ليس في فوارع الجبال أرض أكرم تربة، ولا أوسع حوضاً، ولا أكثر ترحيباً بزراعة أشجار النخيل في فوارع (أبان)، إلا أن ما يثير في النفس الألم والأسى معاً هو أن هذه المنازل قد هجرها أهلها اليوم لصعوبة الوصول إليها بالسيارات فأصبحت أثراً بعد عين، فهل تصبح سدوداً تفيض بنعم الحياة على من هجرها؟ نعم ولِمَ لا والطبيعة الجيولوجية لها ترشحها لتكون كذلك، فلنساهم هنا بذكر ما نراه منها جديراً بالدراسة لإقامة سدَّ عليه، فمن أهمها:
أ- الشِّعْبُ: واحة كثيرة النخيل، تحيط بها الجبال من جميع الجهات، ولا أحد يستطيع الدخول إليها أو الخروج منها إلا من خلال شعب ضيق لا يتجاوز عرضه عشرين متراً، ولا يزيد طوله عن ميل واحد تقريباً، ولذلك سُميّ الشعب، وعليه إنني أعتقد جازماً أن وزارة المياه لو قامت بدراسة جدوى إنشاء سدود ب (أبان) تحسباً لشحّ المياه في المستقبل لوجدت في (الشعب) خاصة في الجبل عامة ما يخفف عن كاهلها ثقل هذا العبء مستقبلاً ولوجدت -أيضاً- أن سحب المياه من سدود (أبان) لو قُدِر لها أن تقام إلى بعض المدن والقرى في منطقة القصيم عند اشتداد الحاجة أيسر وأوفر من جلبها لها من مكان آخر.
ب- أبا الهدّار: فارع ومنزل قديم كثير النخيل، يقع بالجهة الشمالية من أبان الأحمر، سُمي بذلك تشبيهاً لصوت السيول وهي تتطامى منحدرة بين جاليه بهدير البعير، حينما يخرج لهاته من حلقه وهي منفوخة كالكرة الحمراء، فيفرغها صوتاً هادراً وربما كانت لتسميته بذلك علاقة بوجود عين بجزء منه تسمَّى عين سعيد كانت جاريةً إلا أن ماءها اليوم أصبح وشلاً.
ج- مُحَيرقة: فارع كثير النخيل: وهي إحدى المنازل القديمة، يقع بالطرف الشرقي من الجهة الشمالية لأبان الأحمر، وقد أطلق عليه هذا الاسم لالتصاق (سمراء) ذات حجارة كأنها محروقة بالنار بطرف منه.
د- تلعة رشيد: مسيل رحيب، تلتقي فيه سيول الكثير من التلاع الواقعة في الجهة الشرقية من أبان، وأهميته تكمن في أهمية مكانه، فهو يفيض على قرية (ضليع رشيد) الآخذة في النمو والتوّسع العمراني، فوقوعها في متسع من الأرض، وكمحطة على الطريق الإسفلتي الذي يربط القصيم بأبان، وسوق يهبطه أهل البادية في يوم من الأسبوع من هجر وقرى وأماكن بعيدة عنها، لبيع منتوجاتهم الحيوانية وبعض الماشية فيه، وكذلك شراء ما يحتاجونه من مواد استهلاكية، ولذلك اشتهرت فأصبحت مقراً لإمارة (أبانات) ولمشروع الإسكان الخيري، وغير ذلك من المشاريع الخيرية الأخرى. وهو أمر بالتأكيد سينقلها من المنظور القريب لتصبح واحدة من المدن الأخرى التي تعج بكثافة السكان، وعلى هذا فإن الحاجة إلى إنشاء سد يؤمن للسكان احتياجاتهم من مياه الشرب بدلاً من اعتمادهم على مياه آبار أخذت اليوم تنضب بعامل الجفاف، باتت أكثر إلحاحاً من ذي قبل، ومن هنا تحسن الإشارة إلى التفريق بين رشيد المنسوبة إليه هذه التلعة ورشيد الذي أصبح اسمه مع المضاف له (الضليع) علماً لقرية تحفل بجمال الحضارة. فالأول من (الزهاميل) والآخر يقال أنه من (السحاويت) وهذا الأخير قد حات وفاته عند هذا الضليع وفيه دُفِن، فمن ذلك كان هذا الاسم (ضليع رشيد) والرجلان كلاهما من المضابرة.
هـ- فارع الغشوم: نخيل ومنزل قديم متعالٍ في وسق الجبل، يقع بالطرف الجنوبي من أبان الأحمر، ولا يقل أهمية عما سبقت الإشارة إليه من الأمكنة التي يمكن لأي منها أن يكون مكاناً ملائماً لإقامة سد عليه في المستقبل، فهو يعدّ من أهم الروافد لوادي جرار، فالهجر ومزارع النخيل المتناثرة على جانبيه وهو شاقٌ طريقه في الأرض بعد نزوله من الجبل تجاه وادي جرار، بالإضافة إلى القرى والهجر المجاورة له لم يكن سكانها في يوم من الأيام كانوا بحاجة إلى مياه الشرب أكثر مما هم فيه اليوم، والحل الأمثل لإبعاد شبح معضلة مياه الشرب مستقبلاً هو- في نظري- رهن بإقامة سد في هذا المكان أو في أي مكان آخر من الجبل، وبهذا القدر من الإشارات الموجزة عن السدود نكتفي ونخلص إلى القول: إن ما يقال في هذا الشأن بأبان الأحمر يقال مثله في أبان الأسمر.
قرى وهجر أبانين
* أبان الأحمر:
في الجهة الشرقة من أبان الأحمر عدد كبير من القرى والهجر منها ضلع رشيد، أبو طرفا، تلعة رشيد، أبا الحياص، عقلة العطشان، إضافة للعديد من القرى التي لا يتسع المجال لذكرها جميعاً.
* وفي الجهة الغربية العديد من القرى منها: الشعب، فيضة الشعب، فياضه، حجيره، أم فخذين، وفي الجهة الشمالية العديد من القرى منها: المرموثه الجنوبية، المرموثة الشمالية، فيضة السلمات، محرقه، محيرقه.
وفي الجنوب منه عدد كبير من القرى منها: الجرذاوية، جرار، قراضية، مهيضه، الجحفه، أبو صوير.
* أبان الأسمر:
وحوله العديد من القرى منها: الحبره، الناصفه، الصقره، الطبل، غرور.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved