كوارث دولية وإرهاب سياسي

كانت اعتداءات 11 سبتمبر كارثة في كل جوانبها، غير أنه كان من الممكن تجاوز مصاعب عدة من تداعيات هذه الكارثة المهولة لو تم التمهل في إصدار الأحكام الجائرة التي طالت دولاً عدة جرى تحميلها مسؤولية ما حدث ومن ذلك ما لحق بهذه البلاد وما دار من لغط حول تمويلات سعودية لمنفذي العمل الإرهابي وهو أمر ثبت في نهاية المطاف أنه لا أساس له باعتراف الجهات الرسمية الأمريكية بل واللجنة التي تم تشكيلها للنظر في مختلف جوانب الاعتداء.
ويبدو من الصعب إصلاح الخلل الذي حدث، فقد تسرّبت إفرازات الخطأ عميقا في النفوس ولم تعانِ المملكة وحدها من هذه الإفرازات المقيتة بل إن أجزاء كبيرة من العالم الإسلامي - إن لم نقل المسلمين كافة - قد باتوا في دائرة الاتهام.
وقد شكلت ملابسات الحادث الإرهابي في 11 سبتمبر وتداعياته فرصة كان الكثيرون ينتظرونها لتوجيه ضربة للإسلام والدول الاسلامية الفاعلة، ولو لم تحدث تلك الاعتداءات لسعى أولئك لتنفيذها بشكل أو آخر من أجل تجريم الإسلام وضرب الرموز والدول الإسلامية المؤثرة.
وسيتعين الآن على الذين أطلقوا تلك الاتهامات أن يتحلوا بقدر من الشجاعة وأن يعتذروا عن فداحة ما أقدموا عليه وأن يوضحوا كيف أنهم أسهموا بطريقة مقصودة في إحداث خلل كبير في العلاقات الدولية من الصعب محو آثاره.
إن التعامل باستعلاء مع مثل هذه الوقائع، يعني أن هناك من هو غير مستعد لإصلاح الخلل الذي حدث وأن ذلك يظهر فقط النية المبيتة مسبقا لتوجيه اتهامات بالإرهاب حتى وإن انعدمت الدلائل لمثل هذا الاتهام، وهذا أمر واقع حيث إنه ثبت منذ مدة وقبل ظهور تقرير اللجنة الأمريكية للتحقيق في حوادث سبتمبر ضعف الاتهامات بالإرهاب ضد جهات معينة ومع ذلك استمرت الحملات ضدها من قبل الذين لهم مصلحة في تجريم تلك الجهات.
مثل هؤلاء لا يمكن تصنيفهم إلا تحت دائرة التعنت الذي يفضي إلى المواقف المتشددة بل والأعمال الإرهابية.. فهذا نوع من الإرهاب السياسي الذي يرتبط بالهيمنة.
وإذا كانت هناك رغبة صادقة لدى معظم دول العالم واستعداد عملي للتعاون المشترك في محاربة الإرهاب والتقليل من أخطاره فان وجود مثل أولئك الأشخاص في مواقع المسؤولية في الكثير من الدول يمكن أن يجعل من العمل المشترك في التصدي للإرهاب أمراً صعب التحقق خصوصا مع غياب التحديد الدقيق لمفهوم الإرهاب ووجود مواقف سياسية تضع دولة مثل إسرائيل في قائمة الدول الواقعة ضحية للإرهاب بينما هي تمارس الإرهاب صباح مساء وتقمع بشكل يومي ومنتظم الشعب الفلسطيني الذي تحتل أراضيه.
ومن الواضح أن إسرائيل وأعوانها في الدول الغربية لا يمكن أن يتفقوا مع أغلبية دول العالم التي تسعى لاستئصال الإرهاب طالما أن إسرائيل وأعوانها، المؤثرين في دوائر القرار السياسي في العالم الغربي يحاولون، بطريقة قسرية، تصنيف أعمال المقاومة ضد الاحتلال ضمن قائمة الإرهاب، بينما ينظرون إلى احتلال الأراضي الفلسطينية والقمع اليومي والاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة باعتبارها إجراءات ضرورية لحماية أمن إسرائيل.