Sunday 20th June,200411588العددالأحد 2 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

دفق قلم دفق قلم
نظرات في فقه الخطاب
عبدالرحمن صالح العشماوي

إن عمليّة معاودة إخراج الأمة، ونهوضها، وبنائها الحضاري، ومن ثمّ تحقيق شهودها الحضاري استجابة لقوله تعالى { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ } وهي مهمة النبوَّات الأولى والآخرة. إنّ هذه المهمة تتطلّب الكثير من الإدراك والفهم والوضوح والإفادة من التجارب على مستوى الذات (والآخر) والقدرة على استلهام القيم، ووضع الآليات والبرامج لكيفية تنزيلها على واقع الناس.
فالسبيل الوحيد لإخراج الأمة، أو لمعاودة نهوضها، هو الثقافة والتربية والتعليم، واكتساب المهارات المعرفية والسلوكية والنفسية، فالله تعالى يقول: { يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ }.
فالتلاوة والخطاب العام والجماهيري، والنقل الثقافي، مهما طُرِح من الآيات والدلائل والبراهين، وحُقّق من القناعات، فلا يغني في الحقيقة عن التربية للشخصية، والتربية النفسية، وبناء العقلية السليمة، وتنمية المشاعر، وصقل المواهب وتزكية النفس، وتأهيل دوافع الخير عند الإنسان، والحيلولة دون نوازع الشر، وإكساب المهارات، والتدريب على الوظائف التي تنمِّي العقل بتدريبه على التفكير والمقارنة والقياس والاستنتاج والاستقراء، والتدريب على المعاني الخيِّرة لتصبح سجيّة في الإنسان وطبعا.
إن هدف الدعوة والتربية والتعليم في نهاية المطاف: الإنقاذ من الضلال وتنمية خصائص الإنسان، وإلحاق الرحمة به {وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} كما ان الغاية من ابتعاث الرسول- صلى الله عليه وسلم - الرحمة بالعالمين {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } لذلك كان يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الله لم يبعثني معنِّتاً ولا متعنِّتاً، ولكن بعثني معلِّماً ميسِّراً)، وكان من دعائه المأثور (اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفسٍ لا تشبع، ومن دعوة لا يُستجاب لها).
فالعَنَتُ والتعنُّتُ، والإرهاق والشدَّة، والمشقّة، والتنطّع، والتشدّد، والإكراه، والعجز عن تيسير المعلومة وإيصالها، وتقويمها، واختبار اكتسابها، وتحويلها إلى خبرة علمية، ومهارة معرفية، تنمّي العقل، وتذكي الطاقة، وترتقي بالخصائص، وتعود على التفكير بالنمو، وعلى الوسائل بالتطوير، إنّ هذا العَنَت، ينتهي بالإنسان إلى الإعاقة، ويكسبه العجز والتخلُّف، وتكريس الواقع المؤلم.
إن مهمة النبوّة تتطلّب من أتباعها اليوم العمل الجاد لاستلهام القيم الضابطة للمسيرة، وتحريك الاجتهاد في مساره الصحيح، وإعمال العقل في وضع البرامج الملائمة المدروسة لإعادة بناء الإنسان بعيداً عن العُقَد التي تهدر الطاقات ولا بد من وضع الأمور في نصابها الصحيح، ومن إنزال النصوص من الكتاب والسنة إلى مواقعها الصحيحة.
فكم نكون مخطئين إذا تطاولنا للقتال حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله، ونحن لا نأمن من الفتن على أنفسنا، ولا نضمن ان يتحول قتالنا إلى وسيلة لصناعة الفتن علينا، فما يرويه نافع عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما انه أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير رضي الله عنهما، فقالا: إن الناس صنعوا - أي شاركوا - وأنت ابن عمر وصاحب النبي- صلى الله عليه وسلم - فما يمنعك ان تخرج، فقال: يمنعني أنّ الله حرّم دم أخي.. فقالا: ألم يقل الله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ}؟ فقال: (قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله، وأنتم تريدون ان تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله). أخرجه البخاري في التفسير.
وكم نكون بائسين إذا نزلنا خطاب وقيم النصر على ساحة الهزيمة، وقيم الدعوة على مجال الدولة، وأحكام فترة الاستضعاف والتعايش في مكة على لحظة الانتصار والتمكين في فتح مكة.
هذا مقطع نقلته بتصرف من كتاب صغير الحجم كبير المنزلة والقدر بعنوان (نظرات في فقه الخطاب) للكاتب عمر عبيد حسنة، تحت عنوان (نحو فَهْمٍ متجدّد) ، كم نحن بحاجة إلى خطاب دعوي، ثقافي، إعلامي يعرف كيف يعالج المشكلات بدلا من تأجيجها، وما أعظم ما نملك من كنوز القرآن والسنة!.
إشارة:


دروس من الإيمان فيها مواعظ
فيا ليتها تُجلَى، ويا ليتها تُجدِي


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved