Sunday 20th June,200411588العددالأحد 2 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

صورة الملك فيصل في الشعر العربي صورة الملك فيصل في الشعر العربي
د. موسى بن عيسى العويس*

ألحَّت عليَّ عوامل كثيرة للكتابة في هذا الموضوع، الواحد منها لا يقل أهمية عن الآخر، أولها: ولاءٌ يتجدد لقادة هذه البلاد المباركة، وانتماء لهذا الوطن الشامخ، وثانيها: وفاءٌ واجب، لإمام عظيم، وقائد نادر، وسياسيٌ محنك، ومدرسةٌ عريقة في تاريخ الملوك، وأصحاب العروش، وثالثها: تقديرٌ لباحثٍ قدير، ومشرف جليل ربطتني بهما أكثر من آصرة. إنه الباحث الأستاذ فهد الملحم، والأستاذ الدكتور محمد بن سعد بن حسين مقترح هذه الدراسة، واللذان أكبر فيهما، ولا أستكثر قدرتهما على تشكيل بحث متكامل، عن شخصية فذّة، اكتمل فيها قول البشر، و قصروا في الإحاطة بكل همومها وآمالها.
* شخصيةٌ تناولها الشعراء، والكتاب، والمفكرون، وأساطين السياسة، مادحين، وواصفين.. مهنئين، ومرحبين، ومستنجدين، وعلى جثمانه المسجّى، راثين ونادبين، ودارسين ومتأملين، فوفوا ولو ببعض حقها؛ إذ أرشدوا بأعمالهم الأدبية خالي الذهن ممن لم يعاصر الملك فيصل أو يقرأ عنه جوانب من وعن حياته، ومواقفه وأعماله.
* شخصية جعلت الشعراء، وهم جزءٌ من العالم، ينظرون إلى حقيقة العربي، ومدى عظمته، ومكانته وامكاناته، يوم أن أوشكت أن تطمس هويته، وتصادر حريته، وتسلب حقوقه، وتنتهك حدوده .
* شخصيةٌ، تبوأت المملكة العربية السعودية في عهده، ولازالت، منزلة سامقة مرموقة، أمّها الروحانيون المتعبدون، قبل الماديين المنتفعين.
* شخصيةٌ عظيمة، في الميزان الديني، وفي الميزان الاجتماعي، وفي الميزان السياسي، وفي الميزان الإنساني، وفي الميزان الحضاري، وفي الميزان الاقتصادي؛ لأنها شخصيةٌ -كما يقول أحد الكتاب- نشأت في عزة الإيمان.. خرجت من مضارب العز، واستشهدت في معركة الرهان.. الرهان على الحياة أو الموت، بل الوجود أو العدم، فكانت -بحق- خاتمة جيل، ونهاية رعيل؛ لأنه رحل ولم يحمل من أختام الملك، غير أعباء الملك الجسام وأهواله العظام.. حمل روح التضامن والألفة، والمحبة والتسامح، بل روح الصبر والصمت، والعمل والأمل.
* نستقرىء الأشعار والمكاتبات التي رصدت سيرته الخاصة والعامة، وما تحمله من إيحاءات ذات دلالات مختلفة المعاني، فنستنتج منها خمسة رموز تجسدت فيه: رمز القوة والمهابة، ورمز الحكمة والحنكة، ورمز الوحدة والاستقلال، ورمز الصلابة والإباء، ورمز الثروة العطاء.. تآلفت هذه الصور، لترسم تلك الشخصية المشرقة في ظلمة الأزمات التي وسمت عصره، والنكبات التي مرّ بها تاريخ بلاده، وعوامل التمزق والضياع، والانهيارات التي أحاطت بنشأته، وأكلت من جوارحه، فلا غرابة والحالة هذه أن تتجمع في شخصه الشامخ عصورٌ من الحكمة القديمة والحديثة.. تجلت في صورة عفوية في وجهه النبيل، وخفقت بقوة ملامح من الكرامة في قلبه الكبير، فأنعم بها من بيئة أنجبت هذا الطراز الذي تغنى به الشاعر (بدوي الجبل) حين قال:
وما أكرم الصحراء تصدى ونمنمت لنا بردُ ظلٍ كالنعيم رطيبِ
ويغفو بها التاريخ حتى ترجه بداهية صلب القناة أريب
وتعتز من عبد العزيز بمنجبٍ ومن فيصلٍ حامي الحمى بنجيب
* ملامح عظيمة، وسمات جليلة، ومبادىء قوية، نادرة في زمانها، بوأت الإنسان الملك، أو الملك الإنسان مكانة كبيرة في النفوس، وأنزلته منزلة عظيمة في قلوب القاصين قبل الدانين، فأصبح العالم أجمع ينظر إليه في أوقات الضيق والشدة، والمحنة والكربة، ليعرف رأيه وقراره، وتوجهاته وتصرفاته، واثقة كل الثقة في أقواله وأفعاله تجاه كل موقف عصيب.
ومن هنا كان من الطبيعي أن يوقظ الأمة من سباتها، ويجعلها تدرك قيمتها وعظمتها، بعد أن حداها (الفيصل) بحادي الإيمان، لتشق طريقها على يده في أحلك الظروف، وأمر المواقف. ودونك هذه المقطوعة الشعرية التي يتجاوب فيها الشاعر الخليجي (أحمد بن محمد الخليفة) بعواطفه مع (الفيصل )، وهو يحمل راية الدفاع عن الإسلام، والذود عنه، (يقول الشاعر):


حدوت قافلة الإسلام تدفعها إلى الأعالي ومنك العزم ما هانا
وسرت في الليل والأنوار عاصفة والليل يخفي من الأهوال غيلانا
سفينة الحق قد جنبتها لججاً حتى وجدت لها في الأرض شطآنا

* لا أجانب الحقيقة إذا قلت إن أصدق العواطف، وأشدها التهابا تجاه الفيصل تلك التي انبثقت من شعراء القطر الفلسطيني، وقد يكونون استوحوا عواطفه ومشاعره الصادقة تجاه القضية الفلسطينية، بعد أن اقسم أن يصلي في بيت المقدس، أو يموت شهيدا، فكانت الأخيرة الخيار الإلهي، والقدر الرباني. ويبدو أن الملك فيصل كان يعد القضية الفلسطينية جزءا لا يمكن التنازل عنه في أي موقف من المواقف التي يتبناها، فحظيت بالنصيب الأوفر من اهتمامات المملكة العربية السعودية على المستوى الخارجي والداخلي، ومن هنا لم يترك الشاعر الفلسطيني أي مناسبة تمر دون أن يصوّر للفيصل حال القدس والأقصى، بقبابه ومنابره، وصخرته ومحرابه، وأروقته وخلواته، ملتفتاً بصورة أو أخرى إلى ما ينشدونه من هذا البطل الفذّ، وما يؤملونه منه تجاه القضيّة، وتجاه الشعب. ولعلّ (راضي صدوق) أوفر الشعراء نصيباً، ربما لما ناله من ويلات التشريد والغربة، والأسى والنكد، فكانت صورة (الفيصل) في كل بيت من أبياته، بل في كل شطر من أشطر قصيدة تتجلى صفات (الفيصل)، يرسم من خلالها آماله، ويسطر منهاجه؛ إذ ترك أعماله تملي على الآخرين أقوالهم، ففي ذلك يقول الشاعر:


يا فيصل الحق قد أرخى الدجى
حبكاً على العروبة قاصيها ودانيها
تساءل الليل عن فجرٍ يضيء لها
مسالك الدرب عن نطس يواسيها
أغفت على الجرح في ذلٍّ وفي كمدٍ
كأنها يئست ممن يواسيها
فرنّ صوتك في الأرجاء مؤتلقاً
يمزّق الليل عن أمجاد ماضيها
فكان صوتك صوت الحق منطلقاً
كفلقة الصبح، يصحو من دياجيها
طلعت كالنور قلباً مؤمناً ويداً
تأسو قلوباً صروف الدهر تدميها
عالجتها بكتاب الله فالتأمت
وليس غير كتاب الله يحييها
دعوتها كالأب الحاني لعزتها
والعزّ بالله دعوى لست تخفيها
من كان يعرف أن الحق شرعته
لايعرف العمر تزييفا وتمويها
رأت بطلعتك البشرى محجلةً
فاسترسلت تتهادى في أغانيها
ورحت تذرع آفاق الدنى أملاً
أن تجمع الشمل في أفياء ناديها
شريعة الله في عينيك رايتها
بالعزّ بالحكمة الغراء تعليها
جردتها من قراب الليل معلمةً
سيفاً من النور لا يرتاب داعيها
قد جاءها (فيصلٌ) بالخير فانتفضت
كأنما الفجر يصحو من مآقيها
يافيصل القدس هذي قدسنا شرقت
بدمعة الذل، والبلوى حواشيها

* وأي قارىء للشعر الذي يرصد مسيرة الفيصل في حياته، سيتبين له بجلاء موقف (الفيصل) وهاجسه من قضايا عدة: في التضامن الإسلامي، ومستقبل الأمة الإسلامية، وقضية فلسطين، ومناصرة القضايا العربية، كما سيرتسم في مخيلة الإنسان صورة من التكافل الاجتماعي الذي نهض به (الفيصل) ودعا إليه في هذه البلاد، بوصفها قبلة الإسلام، ومهبط الوحي، ومنبع النور، ومنطلق الرسالة، ومهوى الأفئدة، ومحط الأنظار.
* ولم يكن ممات البطل القائد من منظور الشعراء والكتاب أقل عظمة من أسطورة حياته، ففي كل صورة من صور الحدث المؤلم، والخطب الجسيم، في يوم (الثلاثاء الحزين) تشكلت على إثرها في خيالات الشعراء لوحات فنية أخّاذة، تغريك بالتأمل والتبصر، وتدعوك للعجب والتعجب، كيف لا وقد جمعت بين الحركة والتجسيد، والتلوين والامتزاج، حتى أصبحت هذه الصور الفنية مجتمعة من أبدع الطرق الفنية في التعبير عن المعاني العظيمة التي كونها هول المشهد، ولوعة الفقد، فصار لها من الخصوصية والتأثير الشيء الكبير، وذلك على نحوٍ مما نجده في قول (الشاعر):


خرجت للناس، والأبصار خاشعةٌ
على أساي، أبكيه وأرثيه
والخلق في شغلٍ عني بجرحهم
يامن رأى أمة ثكلى كأهليه
وعدتُ للساح في ظني لأرصده
علّي مع الحشد عن بعد أحييه
فأقبل النعش محمولاً على مهجٍ
تودّ لو أنها كانت تفدّيه
يسير متئداً، يختال معتمداً
على أيادٍ سقاها من أياديه
يا ساكن الخلد هل أوفت مواكبه
على الجنان، وهل ألقى مراسيه
وطاف بالملأ الأعلى مبشرة
وضجّ بالمقبل الآتي يسميه
فالخلد في نشوة اللقيا يهش له
والأرض في غمرة الأحزان تبكيه
والخطب أفدح من عقلٍ يلمُّ به
فالحسّ يثبته، والعقل ينفيه
أغصّ بالشعر والأوزان موحيةٌ
فالأه تعثر في صدري بها (إيه)

* عواطف صادقة انبعثت عن سبب صحيح، غير زائف ولامصطنع، لأنها أشادت بالبطولة، وتعلم الناس منها كيف تنمو الأمجاد علىآثار الأبطال، وبعثت الغيرة الدينية والوطنية، والإنصاف والإيثار في نفوس القارئين، في عصر أحوج مايكونون إليها، وفاء وعرفاناً لقادة هذه البلاد وأئمتهم، وإسهاماً بالخروج بالأمة من مأزقها.
* الإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة الرياض


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved