Saturday 10th July,200411608العددالسبت 22 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

أشياء من (الحوار) عن المرأة.. أشياء من (الحوار) عن المرأة..
عبدالعزيز السماري

عندما نبدأ أي حوار عن حقوق المرأة، فلابد أن نعترف أن المرأة كانت لعقود عرضة لكثير من الاجتهادات الخاطئة، فالرجل هو من قرر في يوم ما عدم حاجة المرأة للعمل، ولم يكتف بذلك بل فرض البعض حصاراً من التجهيل للعقل الأنثوي في المجتمع، عندما منعها من الذهاب إلى المدرسة بحجة أن ذلك يعتبر خروجاً غير مبرر عن واجباتها الزوجية في المنزل، ولم يسقط ذلك الحصار إلا بذلك الموقف الحازم من الدولة الذي يعرفه الجميع. لذلك كان من المفترض مع البدء في حوار جديد عن المرأة وحاضرها ومستقبلها، واجباتها وحقوقها، محاولة إيجاد صيغة (تعويض) لهن ولذلك الجيل الذي مُنع من الخروج إلى المدرسة، ثم مراجعة العوامل الاجتماعية والثقافية التي أدت إلى ذلك بسبب الاجتهادات الخاطئة.
الفتيات هن الشريحة الأقل حظاً في التعليم في العالم العربي، إما بسبب صرامة التقاليد الاجتماعية أو بسبب الفقر أو التفرغ للعمل المنزلي، وهو ما أثر سلبياً في معدلات التنمية البشرية في المجتمع العربي.
والمرأة حسب توصيات المنظمات الإنسانية والتنموية، تعد العنصر الأهم في برامج رفع معدلات الوعي والتعليم ومشاريع التنمية الإنسانية، فعندما ترتفع مستويات الوعي عند المرأة، من خلال منحها مزيداً من فرص التعليم والمشاركة، تنخفض معدلات الأمية في الأجيال الجديدة، وتتراجع الجريمة، وتنتشر ثقافة العمل، لِمَ لا وهي أقدم عامل على الأرض، فبدونها تنتهي الأسرة، ويتفرق الشمل بين الأب والأبناء، والدين الإسلامي ضمن حقوقاً للمرأة، لكن لم يُعرف في تاريخ المسلمين، على مدى عمر أمة الإسلام، مشكلة اسمها (قضية المرأة)، سواء أكان ذلك في أوج عزتهم وتمكنهم، أو في أزمنة ضعفهم وهزيمتهم، وقصة هضم حقوق المرأة لا تحمل على الإطلاق خصوصية شرقية، فقد تعرضت على مر العصور، وفي مختلف المجتمعات لسوء المعاملة والظلم والضرب والاغتصاب والاستغلال وهذا يخالف تعاليم الإسلام..
والعنف ضد المرأة على مستوى العالم ظاهرة مزمنة، وهو أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان شيوعاً وانتشاراً، وهو يخترق الحدود الثقافية والإقليمية والدينية والاقتصادية، كما أن الانتهاكات ضد المرأة تحدث في دول غربية تتغنى بالديمقراطية، لكن حجم تلك الانتهاكات يصعب تقديرها على السطح في الشرق المسلم، عندما تتوارى حقائقها وأرقامها ومعدلاتها خلف الأسوار العالية والأبواب المغلقة ضد التحقيقات والدراسات والبحوث الاجتماعية، وهذا لا يعني أنها متحررة من سلطة الرجل في الغرب، والتي تظهر هناك في صور مغايرة عنها في الشرق، ومختلفة في مظاهرها، فسلطة المال والإعلام والسياسة والثقافة في الغرب يكتسحها أيضاً الرجل ويسيطر عليها تماماً..
وبالرغم من التقدم الحضاري في العالم إلا أنها لا تزال في كثير من المحافل الإعلامية أداة جذب للترويج السياحي والكسب المادي، ولهذا السبب يربط البعض في الشرق قضية حقوق المرأة بحركات الماسونية والعلمانية والرأسمالية، ويصور الرجل كذئب يود التلذذ بنهش جسد فريسته الضعيف كلما تهيأت له فرصة، لذلك يرفض التنازل عن دوره القيادي ويتجاهل وظيفة المرأة في المجتمع، ومدى مساحة حركتها في الحياة العامة..
لعل العلاقات غير المتكافئة تاريخياً بين الرجل والمرأة العامل المشترك في قضية المرأة: فقد أدت العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تطورت لعدة قرون إلى احتفاظ الرجل بموقع السلطة كاملاً، وبدور المتحدث الرسمي عن حقوقها، وجعلت من المرأة فعلياً عقلاً من الدرجة الثانية ببعض المجتمعات في ساحات الحوار وميادين اتخاذ القرارات التي تتعلق بها، ونتج عن ذلك التراتب الاجتماعي قوانين وممارسات تؤدي إلى استضعاف المرأة سياسياً واقتصادياً، وكثيراً ما يستخدم الرجل العنف ضد المرأة لتعزيز سلطته ضدها في الحياة الخاصة والعامة..
وعدد النساء يقل أو يكاد لا يسمع في بعض المجتمعات، كذلك لا يذكر تاريخ الفلسفة الغربية نساء فلاسفة، فالرجل كان ولا يزال يسيطر على ميادين القرار والفكر في تاريخ البشرية، ويعطي نفسه الحق كاملاً في اتخاذ القرارات التي تحدد أدوار المرأة في المجتمع، وتختلف ماهية التحكم بمصيرها في الشرق عنها في الغرب، فإذا كان رجل الشرق يشدد قبضته على مستقبل وخيارات المرأة من خلال تفسيره وفهمه لبعض الأمور، فإن رجل الغرب يفرض هيمنته من خلال استغلال ضعفها الاقتصادي والسياسي والفكري أيضاً..!
وفي المملكة، وكما ظهر للجميع في جولات الحوار الوطني، فالحوار كان بين تيارين من الرجال، لم يكن فيه دور مميز لصوت المرأة إلا كخلفية حزينة لمشاهد الاختلاف والخلاف والصراع بين رجال، أحدهم أدار باقتدار دفة الحوار بين من كان يحمل لواء الحفاظ عليها داخل المنزل كربة بيت، وبين من يدعو إلى تحررها من أقدم وظيفة لها في التاريخ، ثم الانطلاق في ميادين أخرى، ليست بالضرورة متحررة فيها من سلطة الرجل ورغباته وإرادته..
لقد كان حواراً ساخناً انتهى بانتصار أصحاب الأرض من الذكور..، وربما لن يُحدِث تغييراً كبيراً في مفاهيم قضية حقوق (المرأة) في المستقبل القريب.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved