Saturday 10th July,200411608العددالسبت 22 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

كارثة التدخين ودائرة الدمار كارثة التدخين ودائرة الدمار
مندل بن عبدالله القباع

كان موقفنا من التدخين ومازال واضحاً بأن آثار التدخين هي كارثة مدمرة لصحة المدخن وأفراد أسرته المقيمين معه ومدمرة لدخله واقتصاديات أسرته، بل وإن هذه الآثار تنال المحيطين به في بيئة العمل كما تنال من ميزانية الأسرة.
وقد سبق لنا أن تناولنا هذا الموضوع من قبل حيث عرضنا نتائج دراسة تحليلية سسيولوجية كان قد أعدها د. محمد شمس الدين آنذاك وخرجت بنتائج تثير الهلع والفزع الصحي والاجتماعي والنفسي للمدخن - الفرد - والمحيطين به- الجماعة - وكانت تتعرض الدراسة للرجل المدخن والمرأة المدخنة، وإن كانت تتعلق بمجتمع غير مجتمعنا إلا أن الظاهرة ممتدة لدينا بدواعيها وآثارها، فنتائج التدخين الذاتية والسلبية أي التي تتثمل فيما يناله مرافقو المدخن من تدمير خاصة النساء والأطفال فسحابات الدخان تخترق صدورهم للانبعاثات السمية التي ينفثها المدخن عند حرقه لفافة التبغ ممايصيبهم في الغالب بسرطانات الدم وعنق الرحم والمعدة وأمراض العيون.
إنها حقا لكارثة لا محال منها طالما لم نعِها ونحيطها بالاهتمام ولم نتحرز من قبل أن يدهمنا قطار النكبات في الأسرة والمجتمع.
إن الحديث في مثل هذه القضية عزيزي القارئ لا نمله أبداً طالما أن الظاهرة لازالت قائمة ويستفحل أمرها وهي تنمو وتنتشر - والعياذ بالله، ويتفرع عنها ظواهر سلوكية مرضية أخرى خطيرة منها: الإدمان والعدوان، وتدهور الصحة، واضطراب اللياقة النفسية والعقلية والوجدانية، واستباحة النيل من الآخرين والاعتداء عليهم أيا كان شكل الاعتداء فمنهم من يلجأ إلى الإغواء أو الاعتداء على ممتلكات الآخرين أو التهكم والسخرية منهم، يضاف إلى ذلك التمرد على القيم والنظم وما يصدر إليه من توجيهات، مع عدم الطاعة أو الامتثال للمعايير.
انظر حولك عزيزي القارئ للتثبت .. دليل ما نقول لدى من يدخنون. وكارثة الكوارث هي امتداد الظاهرة - ظاهرة التدخين - وتوابعها إلى الأطفال والأحداث حسبما ورد بتقرير أصدرته منظمة الصحة العالمية أن نسبة المدخنين من الأطفال في المتوسط من الذين تقل أعمارهم عن 20 عاما تناهز الـ12.5% (ذكور وإناث) هذا هو الوارد في التقرير المشار إليه.. فكيف؟
هل نلتفت حولنا عزيزي القارئ (أسرة، مجتمع، وأجهزة مسؤولة) لنجد ثُمن المدخنين أطفالا يمارسون التدخين بشراهة، وقد تكون ممارستهم وتعاطيهم للتدخين بعيدا عن عيون الأسرة، والأدهى والأمرّ أن الأسرة قد تعلم بهذا لكنها تغض البصر كأن شيئا لم يكن خاصة إذا كان أحد الوالدين أو كلاهما يدخن، ويظل الأمر هكذا إلى أن تتمكن منهم الظاهرة وحينئذ لا يستطيعون التصدي لها فيستفحل الأمر.
كيف نرضى أن ينشتر التدخين في مجتمعنا كانتشار النار في الهشيم؟، وكيف نضحي بالشباب وهم عماد المستقبل الذين يحملون على أعناقهم رايات التنمية والنهوض بالمجتمع وإحراز تقدمه وتطوره.
فإذا أدركنا ذلك فهل في إمكاننا أن نتصدى لهذا التوغل في جنبات كتائب التعمير والبناء المستقبلي.
نعم يمكننا ذلك طالما أحسنا التحليل والتشخيص، ولم نهمل رأي المختصين وواجهنا أنفسنا بصراحة، وتحملنا مسؤولياتنا بجسارة خاصة الأسرة فنحن لن نحاسبها عن تدني متطلبات المسؤولية لكننا نأمل منها ألا تهمل في شؤون متابعة أحوال أبنائها، وملاحظة أمورها وما قد يطرأ عليها من متغيرات فربما تنتمي لحالات التدخين، فلربما يكون تقليدا أو سببا لتأكيد الذات، أو استسلاما لدعوة الرفاق عن قصد أو غير قصد، أو تمردا على سلطة القهر من الكبار، أو بسبب ضغوط الميديا بتأثير الإعلان والنجومية الزائفة، أو جعلها قرينة لمشاعر الحزن أو الفرح أو اعتبارها مثالا كما في أيدي بعض من الأطباء والمدرسين بينما هم يمثلون الصفوة المسؤولة، أو جعلها ملئا للفراغ وضياعا للوقت في عالم الخواء العقلي والوجداني، أو إنفاقا لمصروف مبالغ في زيادته، أو زيادة حجم التدلل غير المرشد مما يوجهها لمسالك غير مرغوبة دون متابعة تربوية من الأسرة فيجنح الأبناء إزاء ذلك لتصرفات خاطئة طالما أحد لم يسأل أو يهتم أو يخف لنجدة الأبناء فإذا اعترفنا بهذا التحليل التشخيصي فكيف تكون المعالجة والتصدي لهذه الكارثة؟
يرى البعض أن العلاج يكمن في القوة واستخدام العصا، ويرى البعض بمنع السبب والتعامل معه فإذا كان تدليلاً تُنهر الأم، وإذا كان زيادة المصروف يمنع المصروف.. الخ، من عدم الوفاء بالضرورات الحياتية.
بينما يرى المختصون ونحن معهم أن التصدي للكارثة تضامني جماعي بحيث تكون نقطة البدء فيها الأسرة (الأب والأم) فإن كان أحدهم يدخن عليه أن يتوقف فوراً عن التدخين وأجهزة الدولة ومنها الإعلام، والصحة، والتعليم، والدعوة والإرشاد والشؤون الاجتماعية ورعاية الشباب.. الخ.
هذا التحرك التضامني يحتاج ويتطلب وضع استراتيجية تكاملية هادفة ومخطط للتحرك الواعي غايته الخروج من سجن الكارثة المدمرة والتوجه بأبنائنا لمرفأ السلامة الصحية والاجتماعية والنفسية لينضموا لقافلة الحياة الزاهية الثرية، ويواكبوا ركب النمو والتقدم الحضاري، وينضووا تحت لواء المستقبل الواعد بصحة وعافية وعلم مستنير وعزم أكيد.
إذن إذا اتفق المعتقد على ضرورة الإسراع في وضع هذه الاستراتيجية المتكاملة وطلب تحريك الجهات المسؤولة لإعداد منهجية شاملة توضح دورها العملي إزاء التصدي لكارثة التدخين على أن يكون ذلك خلال وضع برنامج زمني محدد، وتوزيع المهام ودعمها بالكفاءات البشرية على أن يتوضح لها تحديد الأهداف بدقة متناهية تتناسب مع طبيعة الظاهرة، فمن المسؤول عن تشكيل هذا الجهاز الريادي؟ أقترح أن يسند هذا العمل للجنة تنبثق عن مجلس الشورى والله الموفق.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved