Saturday 10th July,200411608العددالسبت 22 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "عزيزتـي الجزيرة"

وإنها لهجمة علقمية وإنها لهجمة علقمية

سعادة الأستاذ- خالد المالك حفظه الله
رئيس تحرير جريدة الجزيرة
الرياض - المملكة العربية السعودية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:-
طالعتنا الجزيرة الغراء وفي عددها (1602) ليوم الأحد 16-5- 1425هـ الموافق 4-7-2004م وتحت عنوان (فك الارتباط بين العرب والقضية الفلسطينية) بقلم الأستاذ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ .هذا العنوان الذي يحمل في ثناياه الشيء الكثير الكثير والخطير والذي لم نعهده من قبل وخاصة من أبناء هذا البلد المعطاء. فالأمر غريب كل الغرابة أولاً، وجدي كل الجد ثانياً، ويتطلب الوقوف لعدة أسباب:
فأولاً: كونه صادراً عن ابن بلد احتضن هذه القضية ومنذ بدايتها وحتى يومنا هذا، وأبناء هذا البلد اعتبروها وما زالوا يعتبرونها قضيتهم المركزية الأولى ودعموها في كل المحافل، دولية كانت أو عربية أو إسلامية ولم يبخلوا عليها ولا على شعبها بأي شيء ومن دون تمنن.
وثانياً: الجدية في الأمر تناسي الكاتب الذي يبدو بأنه غير مغرم بقراءة التاريخ أو أنه يتناساه وخاصة ما كتب ويكتب عن الدور السعودي في دعم هذه القضية وعن الدور النضالي الذي يقوم به ولاة الأمر في هذا البلد والشعب السعودي الشقيق والذي لم ننس له وقفته النوعية والفريدة منذ بداية انتفاضتنا حتى اليوم ولن ننسى أن المملكة العربية السعودية تبقى دائماً على رأس المخلصين من الأمة العربية والإسلامية في دعم الشعب الفلسطيني الذي ما زال يقدم من الشهداء والجرحى ما لم يقدمه شعب في العالم دفاعاً عن أرضه وعرضه ودينه ومقدساته ودفاعاً عن شرف الأمتين العربية والإسلامية.
فظلمك يا (أستاذ محمد) فعلاً وبنظر القريب والبعيد فاق كل شيء وكل تصور لا بل تعداه وأنساك المقولة المشهورة لمؤسس هذه البلاد العظيمة المغفور له الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه- والتي كانت درساً لقادة أمتنا العربية من محيطها إلى خليجها عندما وجه كلامه لوفود عربية زارته في العام 1948م جاءوا يطالبونه أن يبدي رأيه وموافقته على دخول جيوشهم الحرب، فأصر هذا الرجل العظيم على رأي كان يردده وباستمرار بأن تكون الحرب بين الشعب الفلسطيني واليهود حرب عصابات وحرباً شعبية، والنص لهذه المقولة هو كالتالي:-
(إذا صارت الحرب حرباً شعبية بين الشعب الفلسطيني وبين اليهود، ثم سلمنا جدلاً أن اليهود انتصروا على الشعب الفلسطيني، وإن كان ذلك بعيد الاحتمال إذا أمددنا الفلسطينيين بالمال وبالمتطوعين .
ولكن إذا وقع هذا المستحيل فإن عار الهزيمة يكون محصوراً على الشعب الفلسطيني فقط، أما إذا انتصر الشعب الفلسطيني على اليهود وطردهم مدحورين، وهذا الذي سيتم بعون الله تعالى فإنه لم يكن للدول الأجنبية أي مبرر للتدخل.
لكن إذا دخلت الدول العربية بجيوشها، فإن انتصرت هذه الدول على شرذمة مشردين من اليهود، فإنه لا فخر للعرب بهذا الانتصار بل سوف تتدخل الدول الكبرى بفرض أمر تمنع به الدول العربية من مواصلة انتصاراتها (وهذا ما حصل فعلاً بالهدنة الأولى).
أما إذا انتصر اليهود المشردون المنبوذون على كل الدول العربية مجتمعة فإن ذلك سوف يكون خزياً أبدياً على الأمة العربية).
فما بالك يا (أستاذ محمد) رغم كل هذه الحجج الدامغة والبراهين النيرة التي قدمها وأدلى بها مؤسس هذه الجزيرة كلها لم تجد أُذناً صاغية ولا قلوباً واعية، وإنما رفضت من قادة هذه الأمة جملة وتفصيلاً، بل زادوا وقالوا إن الملك عبدالعزيز لا يريد دخول الحرب رغم علم من اتهموه بأنهم كانوا على خطأ وأن عبدالعزيز على صواب، ولقد أكد الكثير منهم أن مقلتيه ذرفتا دمعاً وقال (ضاعت فلسطين).
يا (أستاذ محمد) إن ما قاله المغفور له الملك عبدالعزيزم -رحمه الله- صاحب البصيرة والنظرة الشمولية الواعية والثاقبة، لا أعتقد أن عربياً واعياً يجهله فهو حقيقة معروفة لدى الجميع، ولو أن من عايش هذا الملك العظيم من ملوك ورؤساء كانوا مخلصين في نياتهم وغير مسيرين لما أدخلوا جيوشهم السبعة الحرب على الشكل والأسلوب الذي دخلوا به الحرب، وكم كنت أتمنى أن يكون موطن هذا الرجل بدلاً من إحدى الدول العربية المتاخمة لفلسطين، إذ لو كان الأمر كذلك لتغير مجرى التاريخ العربي الحديث رأساً على عقب ولما كانت إسرائيل ولما انهك العرب، وبقوا على إصرارهم على نسيان أنفسهم كما أشرتم في دعوتكم.
فنعم وألف نعم لقد قالها عبدالعزيز قبل مولدك وبطرحك هذا وبهجمتك العلقمية تلك أضعت الكثير الذي كان من الواجب عليك أن تحتفظ به لنفسك بدلاً من الهرولة خلف من يفكرون بتفكيرك ودعوتك للعرب بفك ارتباطهم بالقضية الفلسطينية، قضية الأرض والمقدسات والشعب، والتي عززها رب العزة والجلال في محكم كتابه بأن ربط بين مكة وحرمها والقدس ومسجدها، وستبقى قضية فلسطين القضية المركزية الأولى لكل الأمناء عليها ولن يرحم التاريخ كل من يفكر بما فكرت به.
لقد قدر لنا أن نعيش هذه القضية كما عاشها الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بآلامها وآمالها، ولو أن المجال يسمح لعددت لك وفندت الكثير من هذه القضية التي ما زال شعبها يقصف ويدمر تحت بصر العالم أجمع ولا مغيث إلا الله والمخلصين القليلين من هذه الأمة وبعض الشرفاء في هذا العالم.
ثم أين كان هؤلاء من يطلبون فك الارتباط بهذه القضية المصيرية عندما دمرت رفح على رأس ساكنيها واستباحت إسرائيل كل شيء حتى الشجر والحجر والكل يتفرج، أين كان هؤلاء وهم يسمعون صيحات النساء المستغيثات ولا من مجيب، فأين أنت يا معتصم يامن أيقظك صوت ابنة عمورية وسيرت لها الجيوش، يا ليت عهدك يعود لتسمع وتنظر وتقرأ ما يكتب، فأين نحن من عهد المعتصم أين نحن من عهد الخلفاء الراشدين أين نحن من عهد عبدالعزيز وأمناء هذه الأمة، وكم كنت أتمنى عليك الحفاظ على مصروف إفطارك في المدرسة والذي كنت تدفعه لإدارتها وليس للجابي الفلسطيني لكان والله خيراً لك. أما فيما يخص دفاعك عن الأمة العربية ودعوتك لها بفك الارتباط أقسم لك بأن هذه الأمة غير راضية وغير مقتنعة بما كتبت ودعوت ومن يضحي بمصروف افطاره ليقدم إلى المجاهدين الفلسطينيين لا يمنن ويحتسب ذلك عند خالق الخلائق، فالشعب الفلسطيني بفطرته وتعلقه بأمته لم ينكر على هذه الأمة وغيرها ما أسهمت به حيث قدمت أغلى ما عندها من دم أبنائها ومدخرات شعبها وتضحيات كانت وكما ذكرت على حساب الأوطان ونمائها وحساب الأرباح والخسائر أمر متروك لشعوب هذه الأمة والتي لا ولن ينسى لها شعبنا الصامد وعلى مر التاريخ ما قدمت وتقدم من أجل أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. ولتتذكر يا (أستاذ محمد) إن أبناء فلسطين هم إخوة لكم في العقيدة.
إن ما دعوت به تستنكره كل التقاليد والأعراف المعمول بها والتي توارثناها عن الآباء والأجداد والعمل بهذه الإرث لا يعيب أحداً، وهو أيضاً مخالف لكل رأي في هذا البلد المعطاء، ملكاً وحكومة وشعباً، وأن الفشل الذي تواجهه البلاد العربية وتُحمله لهذه القضية سواء النقص في الاستقلالية أو السيادة أو النمو الاقتصادي، لم تكن القضية الفلسطينية يوماً من الأيام سبباً فيما ذكر والعارف لا يعرف.
وإما ما يحاك لهذه الأمة من مؤامرات هو السبب المباشر والذي لن يقف عند فلسطين وقضيتها بل سيطال الكثير من الأرض العربية والتي حددتها الصهيونية العالمية، ستكون من الفرات إلى النيل وامتداداتها شمالاً وجنوباً بأطماع دفينة لتصل إلى خيبر ونجران -لا قدر الله-.
وكن على يقين أن الدفاع عن فلسطين ومقدساتها وشعبها شرف عظيم لكل عربي ومسلم ولا يدرك هذا الشرف إلا من كان إيمانه مستمداً من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
أما فيما يخص العقود الأربعة التي ذكرتها واثرت على أبناء أمتك العربية سواء بالمال والجهد والاستقرار والتضحيات وعلاقات هذه الأمة بدول العالم في سبيل هذه القضية احتسبها عند نفسك ديناً على هذه القضية وشعبها، ولكن لا أعتقد أن هناك من يساندك في هذا الرأي، أما فيما يتعلق بفاتورة السلام والتي ذكرت بأنها أوصلت الشعوب العربية بفضل هذه القضية إلى الفقر والجوع وغياب التنمية والحضارة، فلقد سبق وأن ذكرت لك بأن العارف لا يعرف بمثل هذه الأمور ومن هو السبب في تأخر الأمة العربية وخراب مالطا، ولو سألت نفسك قبل الكتابة واستشرت من كانوا السبب في هذا الأمر لهان عليك الجواب ولاحتفظت بشيء مما تعودنا عليه وتوارثناه من الآباء والأجداد، وها أنت تجزم وتقول ولكن للأسف بعد فوات الأوان أن بني يعرب لو رفعوا أيديهم عن الشأن الفلسطيني وكفوا عن محاولاتهم لعلاجه وتركوا قضية فلسطين للفلسطينيين، لواجه الفلسطينيون واقعهم المرير، الذي تحملون فيه قيادة هذا الشعب كل الأخطاء لهان الأمر وسمح لكم انشغالكم بهذه القضية التفرغ لحل مشاكل الأمة العربية الحضارية التي تريدونها وتدعون لها.
وختاماً:-
لتعلم أنت وغيرك علم اليقين بأنه ما دام هناك رب يعبد وشرفاء يعملون في الليل والنهار من أجل هذه القضية، فلن يخيب الله ظنهم وسيكون الله معهم مهما أطلق من دعوات هدامة يستنكرها القريب والبعيد وفلسطين وقضيتها أمانة في أعناق أبناء الأمة العربية والإسلامية وأمانة في يد من أسس هذه المملكة وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وإخوانه البررة وحكومة وشعب المملكة العربية السعودية الشقيق الذي أعطى وما زال يعطي ويقدم لهذه القضية، والتي لا يخلون بيان من بيانات مجلس الوزراء فيها ولا تصريحات لأي مسؤول في هذا البلد من الإشارة إلى ضرورة دعم هذه القضية والوقوف على هموم شعبها المرابط والذي يكن للمملكة العربية السعودية قيادة وحكومة وشعباً كل الاحترام والتقدير لأنه ما يضير هذا البلد يضير فلسطين وأبناء فلسطين والقيادة الفلسطينية الذين يقفون مع المملكة بكل ثقلهم ويشجبون ويستنكرون أي إساءة لهذا البلد وخاصة ما أعلن في الآونة الأخيرة من استهداف لحياة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز من ذوي القربى، سبق لفلسطين وشعبها وقيادتها أن تعرضت له.
إن المواقف المشرفة للمملكة والداعمة للشعب الفلسطيني وقضيته تجاوزت كل الحدود وأن لنا في مبادرة خادم الحرمين الشريفين لحل القضية الفلسطينية والتي سميت بمشروع فاس ومبادرة صاحب السمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز واللتان أصبحتا مشاريع عربية وإسلامية ودولية لخير دليل على ثبات المواقف المشرفة للمملكة العربية السعودية والتي لن ينساها شعبنا لهذه المملكة ملكاً وحكومة وشعباً، فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يعيننا على رد هذا الجميل في قدسنا الشريف عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة وهذا ليس ببعيد على الله وأن يحفظ على هذه البلاد أمنها واستقرارها وعزها ومجدها في ظل خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وكافة الاخوة الأمراء وحكومة وشعب المملكة الشقيق إنه سميع مجيب.
والله من وراء القصد

مصطفى هاشم الشيخ ديب
سفير دولة فلسطين
ممثل السلطة الوطنية الفلسطينية لدى المملكة العربية السعودية


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved