Sunday 11th July,200411609العددالأحد 23 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

شيء من شيء من
إمام مسجد وتلبس عقالاً؟
محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ

الاهتمام بالشكليات والمظاهر, والارتقاء بها, وجعلها في مصاف الأمور الجوهرية من الدين، دلالة أكيدة -في رأيي- على خروجنا كأمة عن ممارسة دورنا الحضاري الرائد, يوم أن كان يجتمع في مساجد بغداد علماء يمثلون مشارب فكرية مختلفة ومدارس عقدية متعددة التوجهات فيختلفون في أمور كثيرة, غير أنهم يتفقون على حق الإنسان في الاختلاف مع الآخر.
هذا ما تنبه إليه الشاعر الفذ أبو الطيب المتنبي في لفتة عبقرية تدل على مدى قدرة هذا الإنسان على سبر أغوار مجتمعه, ونقده.. وفي الوقت ذاته فطنته إلى أن (التخلف) يأتي من تركيز المجتمعات في أثناء حرصها على الشكليات, والابتعاد, أو عدم الاكتراث, بالجوهريات.. عاصر المتنبي عصور الجمود الثقافي العربي, حيث شاعت ثقافة تقديس المتون, وشرح المتون, ثم شرح الشروح, والاكتفاء بثقافة الشروح على ثقافة التجديد والخلق والإبداع, فكان من الطبيعي أن تؤدي هذه الثقافة (الاجترارية) التي طغت على تلك العصور إلى ترسيخ قيم ثقافية جديدة, اختلطت فيها الأمور, وارتبكت فيها الأهداف, فكان من نتائج هذا الخلط أن اهتزت بدورها المقاييس, وظهر التعصب وشاع وتأصل, فأصبح الدين لدى البعض شكلاً قبل أن يكون قيماً ومحتوى, وتراجع الجوهر على حساب المظهر.
والتطرف, أو الغلو, أو الإرهاب, الذي يعاني منه المسلمون اليوم أشد المعاناة, هو في بُعْدٍ من أبعاده إرهاصة من إرهاصات التخلف، ودليل على عدم قدرتنا كأمة مسلمة على مواكبة - فضلاً عن منافسة- الآخرين في السباق الحضاري.. تماماً كما كان الوضع في زمن المتنبي.. فالتطرف اليوم, والتطرف بالأمس, هما تعبيران سلبيان رافضان ينبعان من (لا شعور) الإنسان, ويسيطران على تصرفاته, ويتحكمان في رؤاه, دون أن يعي أو يشعر, والعالم الإسلامي في بعض دوله - في تقديري - يعيش زمناً يشبه إلى حد بعيد زمن المتنبي, حيث التشرذم السياسي, والجمود الثقافي, والتعصب الديني, هي العناوين الرئيسية لتلك الحقبة من تاريخ الإسلام.
لقد أصبحت المظاهر والقضايا الشكلية اليوم مطلباً هاماً في حد ذاتها.. وليس غريباً البتة, وفي هذا السياق وفي ظل هذه الأوضاع، أن يتساءل أحد (الإرهابيين) الذين نفذوا عملية (الخبر) وهو يحاول أن يفرز المسلمين المحتجزين من غير المسلمين موجهاً حديثه لأحد المحتجزين المسلمين أثناء العملية: كيف تكون مسلماً وأنت غير ملتحٍ؟ كما أكد ذلك بعض الرهائن المسلمين ممن كانوا ضمن المحتجزين في العملية!! فاللحية في رؤية هذا الدعيّ الإرهابي هي (فريضة) وليست سُنّة, هكذا تشرب من محيطه المتخلف المتعصب الذي لا يفرق بين سُنّة وفريضة, وهذا المثال - أيضاً - ينطبق على تلك المسلمة الفرنسية التي لا تعرف من الإسلام إلا الحجاب, وتجهل بعد ذلك حتى كيف تؤدي الصلاة, فهي تصر على الحجاب الذي يُمثل لها الهوية الإسلامية كما كانت تقول, ثم لا تعنيها بعد ذلك كل تعاليم الإسلام, فالإسلام في عرفها هوية حضارية في مواجهة هوية حضارية أخرى، ليس إلا!!
ولا أدري حتى الآن لماذا يُصر أئمة المساجد على عدم ارتداء العقال, ولماذا لا يفسرون أسباب ذلك كي لا يختلط الأمر على الناس, فقد رفض أحد العوام في أحد مساجد الرياض أن يؤمهم إمام بحجة أنه (يلبس عقالاً)، وعلّق قائلاً: ما خبرنا.. إمام مسجد ويلبس عقالاً؟!!.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved