Sunday 11th July,200411609العددالأحد 23 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الثقافية"

خيمة الثقافة بالجمعية تشعل قناديل (الشقراوي): خيمة الثقافة بالجمعية تشعل قناديل (الشقراوي):
سعد البواردي يصف مسيرة نصف قرن بين الشعر والوظيفة

* المجلة الثقافية - عبدالحفيظ الشمري:
سامر الشاعر سعد بن عبدالرحمن البواردي رواد خيمة الثقافة بجمعية الثقافة والفنون مساء يم الاثنين 5-4-1425هـ لتأتي رواية الشاعر عاصفة في المواقف، ثرية في التجربة حتى أنه قدمها مكتوبة بشكل مميز، وبالقاء جذاب كعادة أبي عبدالرحمن على المنبر، لتأتي تفاصيل هذه الرحلة مشتملة على العديد من النقاط، ومتجاوزة للكم الهائل من المواقف فما كان من حضور هذه المحاضرة إلا أن تداخلوا مع هذه الرواية الشعرية فمنهم على سبيل المثال الأديب عبدالمحسن التويجري، والأستاذ محمد الشدي والدكتور سعد البازعي والشاعر عبدالله السميح، والأخير أدار هذه الأمسية ببراعة وتميز.
ها نحن في (الجزيرة الثقافية) نقدم النص الكامل للورقة التي قدمها شاعرنا سعد بن عبدالرحمن البواردي حيث جاءت على هذا النحو:
أساتذتي.. زملائي.. وأبنائي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
اسمحوا لي بادئ ذي بدء أن ألخص تجربتي الفكرية المتواضعة بهذه العبارة الموجزة المقتضبة التي مفادها انني مجرد طالب مجتهد في مدرسة الحياة بقدر ما أعرف أزداد معرفة بجهلي فيما لا أعرف.. أنه واقع لا مكان فيه لتواضع.
الشكر لمن دعا وبارك والتحية لمن دعي وشارك بحضوره في هذه الدعوة..
ماذا عن التجربة الحياتية التي عشتها. كيف بدأت؟ والى أين وصلت؟
بداية من البداية.. تقول عني أمي.. والقول ما قالت حذام.. إنني ولدت في العاشر من شهر شعبان عام 1348هـ.. اي انني اكثر من الأربعين وأقل من المائة وعليكم الحساب.
المكان شقراء.. أخذت عن الكتاتيب أولى مفردات الألف..والباء. ابي كان أميراً لمنطقة الوشم في عهد اللك عبدالعزيز طيب الله ثراه.. عشت في كنفه غبياً لا شقياً.. آثرت وانا الطفل ان اصطفي اكل التراب على ما لذ وطاب من طعام وشراب.
لحظة فراق بين ابي وامي يرحمهما الله اختار والدي ان اكون بعيدا.. الى عنيزة الطيبة كانت رحلتي الطفولية الأولى.. عامان وشهور امضيتها طالبا في مدرستها الأولى الابتدائية عُرِفت بين زملائي بالشقراوي.. وبعد أن عادت المياه المقطوعة بين الابوين الى مجاريها عدت والعود أحمد..
في شقراء افتتحت اول مدرسة حكومية عام 1361.. التحقت بها حتى نهاية الصف الدراسي الخامس.. ثم في مدرسة دار التوحيد بالطائف حيث حصلت مع زملائي على الشهادة الابتدائية نهاية الى الفصل الثاني متوسط الذي توقفت عنده المسيرة فالعين بصيرة.. واليد قصيرة.. لماذا؟
مات أبي.. لم يورث مالاً.. وانما عيالاً وأسرة كبيرة، أنا عائلها بعد الله.. واذا كان المثل العامي يقول: ما مع الفقر عيشة.. فأيضا أقول..( ما مع الفقر فكر لمواصلة رحلة العمر).
بحثت عن عمل.. فشلت في تجربتي الأولى وطردت شر طردة.. وفي الثانية نصف نجاح ونصف فشل.. وفي الثالثة كانت الأمثل نسبياً خلالها أصدرت مجلة الاشعاع في مدينة الخبر بالمنطقة الشرقية ويبدو أن براقش جنت على نفسها لطول لسانها فصمتت عن الكلام المباح ولم تفق على صياح ديك الصباح.. لقد أراحت واستراحت، بعد عمر يناهز العامين بداية من عام 1375هـ حتى نهاية شهر القعدة عام 1376هـ.
عدت الى مسقط رأسي.. ثم الرياض حيث عملت موظفاً حكوميا بوزارة المعارف شغلت خلالها عدة وظائف.. هي على التوالي:
ناموس التعليم الثانوي، اي سكرتير ثم مساعد مدير البعثات الخارجية ثم مسؤولية الوظائف التالية:
إدارة العلاقات العامة اضافة إلى إدارة مجلة المعرفة وسكرتارية المجلس الاعلى للتعليم والمجلس الأعلى للعلوم والفنون والآداب برئاسة خادم الحرمين الشريفين الذي كان وقتها وزيراً للمعارف.
ومن الرياض الى بيروت ملحقا ثقافياً للشؤون الإعلامية من بيروت الى القاهرة لنفس المهمة.. وفي الستين من العمر منذ قرابة الثمانية عشر عاما تقاعدت وانا اتمتم:


أعطني حريتي أطلق يديَّ
إنني أعطيت ما استبقيت شيا

وجدتها.. كما قال ارخميدس.. وجدت ان الستين ازهى ايام العمر شريطة المحافظة عليه من صدمات الواقع.. وخمول الحركة.. واجهاد النفس..
الصدف في حياة الإنسان تغير مجرى حياته، وتلعب لعبتها دون تقدير ولا تفكير منه.. في خط حياتي البياني المقروء لا وجود لشيء اسمه مهنة الفكر.. آخر نقطة في دائرة الارتكاز الوظيفي تشير إلى ثقافة لا تقرأ.. ولا تفكر.. ولا تتعامل مع الخيال.. كانت ثقافة قطع الغيار حيث كنت اتعامل في عملي مع البواجي. والبليتين، والدينمو، والديلكو والكاربريتر.. كان هذا هو الحلم. والعلم الذي يمنحني مرتباً أكدُّ منه على أسرتي الكبيرة.. وتدخلت الظروف الطارئة لتأخذني معها في نقلة أحسبها التحول التاريخي في حياتي.. فمن ثقافة قطع غيار السيارات الى ثقافة المعرفة والمعارف.. وسبحان مغير الاحوال.
ما بين غمضة عين وانتباهتها
يغير الله من حال إلى حال
شكراً لمن جاء ضرره نفعاً من حيث لا يدري
لقطات من الرحلة على درب الكلمة:
1 - في مدرسة دار التوحيد بالطائف كانت لدي شهية ليس فيها عافية.. شهية القراءة لا من اجل المعلومة وانما لاختلاس الجمل الرومانسية الجميلة وتوظيفها في مادة الإنشاء الى درجة اعجاب مدرس المادة والاشادة بأسلوبي الجيد.. ولو كان يدري لأشبعني ضرباً..
2 - اول تجربة لي في الكتابة الصحفية كانت عام 1364هـ يوم ان اعلنت صحيفة البلاد السعودية عن مسابقة في القصة القصيرة للشباب.. حينها كتبت قصة قصيرة تحت عنوان (على قارعة الطريق) تتحدث عن انسانة بائسة مشردة لفظتها الحياة ورفضها الأحياء.. ولحسن الحظ فازت بالجائزة الاخيرة وقدرها عشرون ريالاً.. ربما لأنني ثالث ثلاثة تقدموا..
3 - الاشعاع والولادة القيصرية:
لم تكن يوم أن ولدت بالصدفة المحضة مؤهلة للبقاء لا ماديا، ولا أدبياً.. كيف لها أن يكتمل نموها وميزانيتها الشهرية ثلاثمائة ريال اقتطعها من كامل مرتباتي البالغ ستمائة ريال وكيف لها أن تطل على الحياة بفم مملوء بالكلمات من غير أدوات وخبرات تغطي بعطاءاتها الصفحات.. كانت مغامرة غير مأمونة الجانب يوم ان تقدمت الى الجهات المعنية طالبا اصدار مجلة ادبية اجتماعية شهرية تحت مظلة هذا الاسم.. كان هذا على ما أعتقد في الشهر الثامن من عام 1374 بعد ان احتجبت صحيفة الفجر الجديد التي كانت تصدر في مدينة الخبر.
جاءت الموافقة مبكرة وصاعقة لابد لرحلة السفر من زاد.. ولابد لمرحلة الإعداد من استعداد ولكن..!! يظل الممكن غير ممكن الا في حدوده الدنيا والمتاحة.. استجمعت ما أمكن استجماعه.. استنجدت بمن اقدر على استنجاده.. وصدر العدد.. ولأني مرغم لابطل هومت في كل اتجاه فرضت نفسي كاتباً. وشاعراً. وقاصاً. وناقداً تحت هذه الاسماء:
سعد البواردي، س ب. فتى الوشم، ابوسمير، ابو نازك.. المهم ملء بياض الصفحات بمداد أسود.. وبمادة لا يطرب لإيقاعها المداد.. بدأت حبواً.. ثم تحركت خطواً.. ثم عاجلها الشلل ولما تكمل عامها الثاني.. وتوقف نبض قلبها المعتل.. عاجلها الأجل قبل ان تحقق الأمل..
وفي الرياض ألفيت باب أخي وأستاذي الشيخ الجاسر مفتوحاً على مصراعيه. في صحيفة اليمامة بدأت من زاوية (من النافذة.. تدرجت من النافدة نحو الباب المفتوح) والباب المفتوح أوصلني الى الناس في زاوية (مع الناس) وتوقفت بتوقف الصحافة الفردية.
ومن يمامة الجزيرة الى صحيفة (الجزيرة) برئاسة تحريرها الأستاذ خالد المالك حيث زاوية (السلام عليكم) اليومية وزاوية (عالم فوق صفيح ساخن) في مسائيتها.. ثم احتجبتا وعادت في ثقافية الجزيرة الأسبوعية زاوية استراحة داخل صومعة الفكر وفي صحيفة (اليوم) التي تصدر في الدمام زاوية لم تكن احسن حظاً تحت عنوان (نافذة على عالمنا العجيب) وفي المجلة العربية زاوية شهرية عنوانها (ما قل. ودل) ما زالت قائمة.
وأخرى في مجلة الحرس الوطني بعنوان (أفكار مضغوطة) ما برحت تنبض بالحياة. إلى جانب مشاركات متواضعة في قريش السباعي ورائد أبي مدين وأضواء باعشن، ومنهل الأنصاري. ومجلة الفيصل، والجيل، والمعرفة، وأهلاً وسهلاً.. هذا عن الصحافة.
أما التأليف فقد صدر لي عشرة دواوين شعرية، وسبعة نثرية، وكتيب قصة قصيرة.. وما لم يطبع بعد تسعة وعشرون مؤلفاً.. ليس العبرة بالكم فالكم كثير، وانما بالكيف والكيف ضعيف.. تلك هي الحقيقة.. وأهل مكة أدرى بشعابها كما يقول المثل.
ماذا عن مهنة المتاعب..!!
في حياة كل كاتب عثرات، وعبرات، وعبر، وأحياناً صدمات لا تقتل وإنما تبطِّئ من حركة تطلعاته الى الأفضل..
خمس تجارب مرت بمسيرتي دون أن تتعثر.. أولى هذه التجارب يوم أن فاز فريق المملكة لكرة القدم للشباب في شرق آسيا. قامت دنيانا ولم تقعد فرحاً.. ومن حقنا أن نحتفل ونفرح. بفوز حقق لنا كسبا اعلاميا لا يمكن تجاهله.. كان هذا هو المدخل لكلمتي وصولاً إلى ما هو أهم.. قلت: جميل ان نحقق الأهداف الكروية في مرمى الفرق المنافسة.. وذكرت أنه ما زال في شباكنا ثلاثة أهداف سددتها اسرائيل هي الاخطر.. هدف في سيناء. وآخر في الجولان، وثالث في فلسطين علينا تسديدها في مرمى العدو وكي تكون فرحتنا اكبر..
نشرت المقالة منقوصة بعد أن تعرضت لعملية المسخ والسلخ والفسخ. نشر منها ما يتعلق بالكرة وأسقط منها ما يتعلق بالكره.. كنت حينها في القاهرة هاتفت رئيس تحريرها وهو غير أخي خالد المالك.. عاتبته.. ومن يومها لم أعد أتعامل مع صحيفته إلى أن عادت المياه إلى مجاريها.. هذه واحدة.
الثانية :أذكر انني كتبت كلمة تحت عنوان مي تعشق وانا أتزوج.. منذ قرابة نصف قرن أتحدث فيها عن مشاكل ما قبل الزواج اتبعتها بكلمة اقترحت فيها فتح فصول ابتدائية مشتركة للبنين والبنات وفي سن مبكر لاخشية معه.. هذه الزمالة المبكرة قد تساعد الشاب بعد ان يكبر اختيار شريكة حياته من بين زميلاته في المدرسة ومن خلال ما ارتسم في ذاكرته عنها شكلا وموضوعاً.. ما إن نشرت الكلمة حتى ثارت ثائرة البعض مستهجنة ورافضة.. هذه الثانية.
الثالثة: تحدثت فيها عن الفراغ وأخطاره على السلوك الاجتماعي بالنسبة للمواطنين وغير المواطنين على حد سواء.. كان هذا قبل أن تفتح قنوات التلفزة الفضائية بثها.. اي منذ اكثر من اربعين عاما اقترحت فتح دور عرض سينمائي ومسرحي تشرف عليها الدولة يقدم وجبات اجتماعية. وتاريخية هادفة تساعد على امتصاص الوقت الضائع.. يومها قامت الدنيا ولم تقعد.. تسعة وعشرون من صحيفة الجزيرة في صفحتها قبل الأخيرة كان الهجوم والاتهام إلى درجة التفكير من أناس لا يفرقون بين المسرح والبار.. أو الكباريه.. الصورة تغيرت الى الأحسن.. هذه ثالثة.. أصدرت منذ ربع قرن مؤلفا تحت عنوان (رسائل إلى نازك) حملتها العظة.. جعلت من نفسي كبش فداء حتى لا يعتقد أحد انني أعنيه.. قلت لابنتي نازك في الكتاب الذي جاء على شكل رسائل موجهة إليها. (كنت يا بنيتي انتهل الكذب كي احذرها منه.. كنت يا بنيتي اغتاب الآخرين كي لا تغتاب.. على هذا النسق من الخطاب التوجيهي الارشادي كانت محصلته.. فوجئت بأن احد الشباب يشن علي هجوماً شرسا في صحيفة يتولى والده رئاسة تحريرها. اتهمني بالجنون.. وطالب بمحاكمتي وادانتي.. وحين بعثت الى صحيفة والده الرد تصحيحاً لفهمه لم ينشر الرد. هذه رابعة.. اما الخامسة والأخيرة فعمرها لا يتجاوز السنوات العشر يوم ان انعقد مؤتمر مشبوه النوايا والأهداف في الدوحة بقطر كتبت كلمة في مجلة اسبوعية وفي صفحتها الأخيرة كلمة تحت عنوان (حوار بين حمار وحمار) تحدث فيه هيهان إلى زميله جحشان عن هموم عصره.. والغيوم التي تطبق على سماء المنطقة مطرها دماء لا ماء.. جحشان الغاضب من واقعه وصف مؤتمر الدوحة الاقتصادي المشبوه الذي لم يشارك فيه بمؤتمر الدوحة.. واشار بشكل رمزي إلى بعض الوجوه التي تتحرك على المسرح السياسي العالمي على انها مجرد أدوات ظاهرة لخدمة الصهيونية العالمية.. وبالتالي الكيان الاحتلالي المزروع في خاصرة جسدنا العربي على ارض فلسطين.. نشرت الكلمة في حينها.. وكانت الأخيرة التي تنشرها لي تلك المجلة التي اعتز باسمها.
وأخيراً.. وقد ولجت دون أن أدري إلى عالم مهنة المتاعب.. وبالذات ما له صلة بالأحداث من حولنا تذكرت حكاية الغزو الذي كنا صغاراً نعد له ونستعد له بإقدامنا وأقدامنا التي لا تقتل وانما ترمح دون ان تجرح.. كل منطقة تغزو مثيلتها تحتل منطقتها ثم تنسحب بعد أن تظفر بالنصر.. وفي قاموس ادبياتنا مثل يقول (من بغى الدح ما قال أح). كنت الوحيد من بين شباب البلدة الذي يتمتع دون غيره بحصانة السفراء.. وفيتو الكبار.. كنت أَرمح ولا أُرمح لأنني ولد أمير المنطقة.. صورة مصغرة لما هي عليه حال الدول الكبرى التي تضرب بآلة الموت ولا تضرب لأن سلاح الفيتو في يدها.. وحصانة حق القوة تحصد دون مبالاة قوة الحق..
كلنا في الغزو سواء.. غزونا شقاوة صغار. وغزوهم جريمة كبار.. انه الاستبداد الذي يولد صغيرا ثم يكبر.. إنما العاجز من لا يستبد.
حفظ الله لوطننا أمنه وإيمانه.. ووقاه غدر المتربصين بسلامه وإسلامه من داخله ومن خارجه.. فلا أمان دون إيمان.. ولا أمان دون حب.. ولا حب دون انتماء.. ولا انتماء دون ولاء ولا عمل دون عطاء.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved