Sunday 11th July,200411609العددالأحد 23 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "تحقيقات"

( الجزيرة ) تناقش نظافة جدة.. الحالة المزمنة ( الجزيرة ) تناقش نظافة جدة.. الحالة المزمنة
إهمال معتاد ونبش للحاويات والأخطاء تتكرر

  تحقيق - عبد الرحمن إدريس
** عودة أخرى لمناقشة أوضاع مدينة جدة مع النظافة باستمرار (ظاهرة) الاساءة للنظافة وتتداخل عوامل كثيرة بين تقصير، ولا مبالاة وتعمُّد وغيرها من الاسباب التي يدور حولها النقاش العلمي والحوار العملي في غرفة العناية المحددة والرؤى المختلفة للحالة مع اقتراب صيف (لزج) تهرب فيه الكائنات البحرية بعيداً عن الشواطئ.. وانتظار لا يزال متفائلاً بموسم سياحي يستفيد من تجربة مهرجانات الصيف الماضية.. وتطلعات إلى الافضل وقد بدأت الاجازة ومازال المشهد يرسم المشهد امتداداًَ واستمراراً لعقدة قد تحتاج لمنشار أكثر فعالية يلغي العجز والمبررات بمقولات ابطاء الحلول وتأجيلها.
** (الجزيرة) تناقش المقترحات والحلول من خلال اطراف وجهات الاختصاص واصحاب الرؤية التي حاولت الاقتراب من الظاهرة في جميع جوانبها..
******
عائلات تمتهن النبش
* تتحدث بعض اللقاءات المصورة في هذا الموضوع عن النماذج المتكررة في الاساءة لنظافة الشارع العام وقد يغني بعضها عن الوصف إذا امعن النظر في مشهد عائلات من ساكني المناطق الشعبية.. نساء واطفال وهم يتجمعون حول صناديق النفايات بجوار الاسواق الكبرى وفي اوقات معروفة صباحا حيث تُلقى المخلفات من مواد متعددة الاصناف وأغذية منتهية الصلاحية وهم في الانتظار يوميا مع مؤشر الوقت بجوار الحاويات للفوز بما يناسب طلبات محددة من تجار الخردة.
** المنظر اكثر من بائس ولكنها اوضاع تقاوم الاجتثاث لصعوبتها في هذه الكثرة والكثافة القادمة بالنساء والأطفال وهم يمارسون المهنة المزدوجة في الاساءة للنظافة ببعثرة البقايا وحمل تلك البضائع في عربات الأطفال يسيرون بها في الشوارع العامة حتى الوصول الى تلك الاحياء والمناطق التي تؤويهم أو التجمع في احواش ونقاط مشتركة للتجميع ثم اختصار المسافة الى المتاجرين في نوعيات محددة من هذه المخلفات.
** المستنقعات والمياه الراكدة في احياء كثيرة ولم تكن العشوائية وحدها في هذه الحال قد تعني الكثافة المضاعفة لعدد السكان في سنوات قليلة.. وبالرجوع إلى عدم الاحساس بالمسؤولية تجاه البيئة من اغلبية السكان يتضح الإهمال واللامبالاة ثم تعلو اصوات المعاناة حيث تظهر المشكلات الصحية من انتشار الحشرات وخاصة البعوض وبعد ظهور حالات (حمى الضنك) والصيف قادم فهل يعني ما هو أكثر؟! هذا مدخل لواجهة أولى من الظاهرة.
* (هاني عبدالمجيد أحمد) مهندس مدني يشارك فيقول:
قبل ان ننظر الى امكانية قريبة في التخلص من المجموعات التي تنبش الحاويات من نساء متخلفات وغيرهن لا بد من معرفة حقيقة الاعداد الكبيرة والتعداد السكاني بالمناطق العشوائية والاحياء الشعبية التي يقطنها الكثير من العائلات على نفس الشاكلة وبالتالي فهي عملية تكاثر ومهما قيل عن القبض على مجموعات تمارس هذه المخالفات فان طبيعة الخارجين الجدد من نفس البيئة حيث لا تعليم ولا وعي هو ما يعني استمرار الظاهرة بالتكرار..
وجهة نظري حيال ذلك ان تكون الحلول غير آنية وعمل دراسات والقيام بجولات ميدانية لاماكن معيشة هذه الشرائح والبحث عن طرق منها التوعية وتصحيح الاوضاع نظامياً فلا يمكن ان نتوقع من امهات يمتهن نبش الحاويات اي اهتمام بتربية ابنائهن على غير هذا الاتجاه وتأكيداً عليه نرى الاطفال يكبرون ويرافقون امهاتهم في مهنة تسيء لحضارية هذه المدينة شكلاً ومضموناً.
دراسة اوضاع هذه العائلات في الحارات العشوائية تعنينا على كل حال وتركيز الجهود من جهات كثيرة ودور الجمعيات الخيرية النسائية وغيرها لمعالجة استمرار حالة التخلف وما ينتج عنه من سلبيات نراها عياناً بياناً وكأننا عاجزون عن بترها من الجذور.
وفي هذا الشأن يتوقف (هاني) عند دراسة ميدانية اكاديمية قامت بها الدكتورة عبلة جميل حسنين رئيسة القسم النسائي بإدارة مكافحة المخدرات بجدة فهي تحذر من تنامي الانحرافات السلوكية والاجرامية في نفس الوقت الذي يتنامى فيه بقاء وتنامي المناطق العشوائية..
ويقول ان الواقع الذي تشير إليه هذه الدراسة يسلط الضوء الكاشف على سلبيات لا تنتهي في حدود النمط المعيشي المتدني واهمال النظافة ومن ثم انتشار الامراض وما هو ابعد من ذلك صلاحية بيئة كهذه وهو الذي يحدث فعلا لانتشار الجرائم من مخدرات وشعوذة وحيازة اسلحة وجرائم أخلاقية ومأوى للمتخلفين الهاربين والمثال عليها حي غليل والذي يأتي في مقدمة المناطق العشوائية لارتفاع نسبة المشكلات المتعلقة بالجرائم المختلفة.
فاذا اخذنا مثلاً اكثر من حي عشوائي بجدة فيجب التركيز من وجهة نظري على ما تعنيه هذه الدراسة كمثال وتفاصيلها والبدء في تفعيل الحلول المناسبة اذ لا يكفي ان نقول بسلوكيات لا مسؤولة حيال النظافة فقط وذلك لان المعالجة الظاهرة تحتاج الى خطة شاملة وبخطوات حاسمة.
التعاطف والتوعية
* ويتناول الاستاذ (شريف صحفان) المتخصص في المتاحف والآثار جانباً آخر من الظاهرة فيقول:
** ان الظاهرة موجودة فعلا ونمر عليها مرور الكرام وقد لا نعيرها أي اهتمام لانها انطبعت في الاذهان كالاشياء المألوفة.. والعكس يحدث اذا وجدت صندوق قمامة ليس حوله بقايا متناثرة من نسوة متخلفات يبحثن عن اغراض داخل هذا الصندوق.
وجهة نظري -يقول الصحفان- المرجعية الى الاسباب والدوافع التي تجعلنا سلبيين امام هذه المناظر في الوقت الذي نحن على يقين باضرارها وذلك لأن الإحساس بالغير في عاطفة الإنسان السعودي تجعله في حالة الشفقة بهؤلاء باعتبارهم فئة لا تجد قوتها.. وكثيرا ما تنامى هذا الاحساس الذي يتجسد بألم وحسرة امام هؤلاء النساء في بحثهن عن فضلات الطعام الذي نحن نسرف ونشبع ثم نلقيه في القمامة.
وان تغير الحال فعلا ببعثرة الحاويات واخذ علب الالمنيوم والاخشاب والكراتين وقطع الالمنيوم وهو ما يمارس فعلا بمعنى ان الهدف ليس البحث عن لقمة وفضلات تسد رمق الجوع.. فهو ايضا لا يعفينا من المسؤولية ولن يتغير الحال في التعاطف الإنساني.
توضيحا اقول: إنها حاويات للفضلات المنزلية من بقايا الاطعمة وقد نعالج الموضوع بتخصيص حاويات للمخلفات الاخرى الى جانبها مثلا ولا اعني تشجيع النبش فيها ايضا فهي فكرة معمول بها في بلدان كثيرة وكمواد خام تجمع من قبل البلديات او شركات متخصصة للاستفادة منها.
اما اذا اردنا لعواطفنا شيئاً من الايجابية مع هذه الفئة فإن الموضوع سهل جدا والافكار كثيرة للتخلص من المشكلة وذلك بجولات تقوم بها لجان أو جمعيات خيرية على مناطق سكن هؤلاء النسوة وعائلاتهن وتُقدم لهن المساعدة اللازمة في مقدمتها النوعية بأن نبش الحاويات يسيء للشارع العام وقد لا يوفر مالا كثيرا في مقابل عمل الليل والنهار والتعرض للمساءلة، فإذا قضينا على الاسباب بهذه الطريقة لا شك بأن الظاهرة سوف تختفي بمقدار النصف.
ولابد هنا من تحميل المسئولية لاطراف اخرى مثل العاملين في العمارات بمسمى (حارس) او (بواب) وخادمات المنازل لان عملية القاء القمائم لا تتم دائما داخل هذه الحاويات، ناهيك عن السلوكيات السلبية من الكثيرين بالقاء كل المخلفات من اجهزة منزلية تالفة او اثاث وغيره داخل وحول هذه الحاويات فتتراكم مختلطة ولا تجد لها سيارات النظافة حلولا عاجلة.
اعتقد اخيراً بأن التوعية في هذه النواحي لم تعد مجدية ولا بد من غرامات مالية وكذلك فان استمرار الحالة يستدعي السؤال عن الجهات التي تستوعب هذه المخلفات وتشتريها فيكون الاغراء باعتبارها مادة خاماً مربحة..
*كيف نعالج الاستهتار بالقيم؟!
- رؤية لأحوال المجتمع تثقب جداراً من سلبية هذه الغفلة.. وجاءت امتداداً لهذا الحوار عن (الظاهرة) من خلال الدكتور بكر باقادر استاذ علم الاجتماع والمفكر الأديب فيقول:
** يجب ان نعرف بداية أن مسألة النظافة في اي مدينة ترتكز إلى مجموعة من العوامل.. ثلاثة منها اساسية..
- الأول: البنية التحتية والتي توفر الظروف لتسهيل التخلص من النفايات وكل ما يسيء للبيئة من مؤديات التلوث.. وذلك يعني ضرورة واهمية وجود هذه البنية حتى ينظر اليها كعوامل مسؤولة تتولى القيام بمهمات النظافة العامة.
ويمكن الاشارة بإجابة ظاهرية بان عملية ازالة النفايات موجودة فهناك البلدية وشركات النظافة وآلياتها ولكن الدور محدود ولم يصل الى المطلوب في التخصص تماثلاً مع المتبع في المدن المتقدمة في هذا الجانب وان كان حسن تصرف كاحتياج بمعنى ليس بالضرورة ان تكون مدناً متقدمة بقدر ما هو تفعيل للادوار والذي لا يرتبط بتكلفة عالية.. هذا ان لم يكن له مردود كإيرادات.
المقارنة اننا نفتقد السلوك الحضاري، وذلك بمعرفة ان نسبة العمالة الوافدة مرتفعة وايضا نسبة المتخلفين من الحج والعمرة ولا يخفى تدني وعيهم وتعاملهم مع البيئة ثم المناطق العشوائية التي تؤويهم، وهناك مجتمع آخر يضيف عبئاً آخر.. وبشكل عام يمكن الاخذ بها كظاهرة عامة فالاهتمام بالقاء المخلفات يتم في اطار من الاستهتار ولا يتكلف كثيرون وضعها في الاماكن المخصصة.
لدينا نسبة اخرى من العمالة المنزلية.. من سائقين وخدم وخادمات وبائعين ومتسيبين وعمال في محلات ومطاعم وغيرها.. طبعا اغلبهم من بيئات متدنية في مستوى المعيشة وبالتالي كيف ننتظر منهم غير ما تعودوا عليه!!
وهذا مع الأسف هو السلوك السائد.. ومن ضمن القائمة (التكرونيات).. نساء افريقيات يعملن اي شيء والذي يحدث بنبش حاويات النظافة جزء من هذه الاساءات للبيئة وما خفي كان اعظم.
وفي حال وجود قانون يطبق فعليا فهو العلاج الوحيد للاستهتار بقيم النظافة وكذلك تفعل كثير من الدول الغربية بتطبيق الغرامات المالية والمثال في الاساءة لنظافة الشارع تفرض غرامة مالية بـ(200) دولار في الحد الادنى، وبالتالي نضع انفسنا امام هذا الخيار الوحيد من العقوبات الى جانب أهمية الاستمرار في التوعية والتحذير للمخالفين من الوقوع في طائلة القانون.
والأوروبيون وبالذات الالمان اضافوا التعامل الحضاري سلوكياً الى ثقافتهم العامة وفي نفس الوقت وضعت البنية الاساسية بشكل يحقق سهولة التخلص من النفايات بانواع متعارف عليها من الحاويات للفضلات المنزلية واخرى للمواد الصلبة.
صحيح ان ظروفنا مختلفة وهم بدؤوا الخطوات منذ زمن بعيد.. ولكنهم لا يتكلفون جهداً وميزانيات مرتفعة وباهظة كما يحدث لدينا دون ان نصل الى جزء من تلك النتائج.. وهنا يمكن البدء بالخطوات العملية في نفس السياق والاستفادة من تجارب الآخرين بدلا من تشتيت الجهود والوقوف امام حالة سلبية او ظاهرة نعتقدها صعبة.
والمسألة الثالثة المتعلقة بالفضلات هي في كيف نتخلص منها.. وما هي الطرق الافضل والاسرع والاكثر جدوى.. وذلك يعني اعطاء فرصة لمناقشة السبيل الى ذلك بابتكار وسائل غيرها في نقل الفضلات من اماكن التجمع (الحاويات) ونقلها الى اماكن بعيدة.. وهذا يحتاج الى مضاعفة الميزانية المخصصة اضافة للاعباء في القيام بمهمات روتينية كهذه وقد اعتبره اهدارا للجهد والمال.
والمقارنة بثلاثة عقود زمنية واليوم تكشف المتغيرات عن طبيعة السلوكيات العبثية وهي في موضوعنا كانت مع النظافة معرفة قيمة الاشياء والاستفادة منها وحاليا لا خلاف بان التصرفات فيها الكثير من البطر والاهدار وعدم تقدير الأمور كما يجب، ايضا فهي مقارنة اخرى تستدعي التفاتة للموضوع فهناك الكثير من المجتمعات الخارجية اصبحت تفكر بمعالجة وتدوير للنفايات لتكون ذات مردود اقتصادي.
وفي الغرب كما اشرت.. المانيا خاصة وبسبب الثقافة التوعوية وصلوا الى نتائج ايجابية واضحة وفي كثير من دول العالم منذ السبعينيات كان مثل هذا التفكير للاستفادة من مصادر يُخشى انقراضها نتيجة سوء الاستخدام مثل الحديد.. الزنك.. الالمنيوم او تحت وطأة الاستهلاك المضاعف والاهدار فنشأت عملية التدوير باعادة انتاج هذه المواد الخام... وفي بعض الدول يقوم انتاج المصانع على 60% من هذه المخلفات.
وامام مشكلة شح مصادر المياه دخلت دول عديدة في مراحل معينة بالتقنية حتى تُعاد الاستفادة منها ولدينا الآن محطات من هذا النوع حيث تستعمل المياه المعالجة في الري والزراعة وهو الوعي الذي فرضته ظروف الاحتياج.
وكذلك الامر في ان نفكر بشكل ابداعي في طرق للتخلص من النفايات لتحقيق مردودات اقتصادية وهو المتاح والممكن فعلا.. والمردود هنا واضح في العديد من الفوائد فهي عمليات للحفاظ على البيئة وايجاد طرق مناسبة لتجفيف منابع التلوث، وجزء من ذلك التوعية وتنشئة الاجيال ثقافيا في تقويم وتعديل التصرفات لنصل الى هذا الوعي السلوكي.
والجزء الآخر هو استخدام التقنية الحديثة في التخلص من المخلفات.
طرح القضية استمرار مطلوب
* أيضا فان الحديث حول هذه الأمور لا يأخذ الاهتمام ويطول الانتظار بمعنى استمرار ظاهرة سلبية ما هو رأي الدكتور باقادر في ذلك؟
- هي حقيقة فعلاً.. وكان ما يحدث من إهمال للنظافة وكل هذا الاستهتار والعبث السلوكي من الموضوعات التي لا يرغب الكثيرون الحديث عنها ثم القبول بكل المشاهد التعاملية غير الحضارية وبدون اهتمام يذكر..
اتفق معك بان طرح هذه القضية للحوار والنقاش وابداء الرأي هو ما يفترض ان يكون وبشكل مستمر خاصة وان وضع مدينة جدة مختلف.. وغير.. كما اننا في جانب التلوث أوشكنا على الصيف والاجازة وهذه الاوضاع مع المخلفات مجال لتكاثر الحشرات واساءة للبيئة باشكال مختلفة.
هي افكار تطرح ومقترحات ولا شك انها جانب توعوي للتخلص من الاهمال المجتمعي ومعالجة اسباب غياب الاحساس بالمسئولية تجاه نظافة البيئة.
نعود لظاهرة نبش الحاويات وبعثرتها من قبل عمالة نسائية متخلفة واطفال وكبار يجمعون بعض المخلفات لبيعها وقد يتعاطف المجتمع معهم فيبقى الحال مستمرا بكل اضراره.
** هذه الفئة تحتاج في اعتقادي لشكل آخر من التوعية والخطوة الاولى بمنع ما يحدث من النبش الذي يستمر ليل نهار بدون مساءلة أو اعتراض.. الجميع يمر مرور الكرام على بعثرة محتويات هذه الصناديق فتنتشر الروائح الكريهة وتتجمع القطط وتتكاثر الحشرات.. فلماذا لا نقول لهم ان هذا خطأ.. ممنوع؟!
شيء غريب فعلا خاصة وان الاعداد تتزايد في القيام بهذه المخلفات
واذا قلت الشفقة عليهم.. فأنت حر في التعاطف كما تشاء في حدود ما تملك ولكن لا يكون ذلك على حساب خلق مشكلة تمتد للآخرين وفي الشارع العام..
واعتقد انها مشاعر مزيفة او مبعثها الجهل فمن الأولى طرح التساؤل على من يشفقون على هذه الفئة في ضبابية الرؤية بين مشاعر تدَّعي هذه الشفقة وفي نفس الوقت تغض النظر عن اعمال تضر بالبيئة وتسيء للصحة بشكل متعمد.
فإذا اردت التعاطف ومساعدتهم فلماذا لا تجمع نوعية المخلفات التي يبحثون عنها وتريحهم من عناء النبش وبعثرة محتويات صناديق النفايات؟؟
- طبعا هذا لا يحدث وقد لا يحدث قريباً للأسف.
المخالفون جزء من مجتمعنا!!
إذاً قد نحتاج الى تخصيص حاويات للمواد الصلبة وغيرها للنفايات المنزلية..
*هل يعتقد الدكتور باقادر انها فكرة مشروع لم تفكر فيه أمانة جدة؟
- كونها لم تفكر في ذلك، غير صحيح وذلك لان مدنا كثيرة تتعامل بهذه الطريقة وبالتالي فهو مشروع متاح.. وفي اعتقادي ان تنفيذه يرتبط بالعنصر الاساسي الذي يجعله ممكن التطبيق وهو السكان.. واستنادا الى الواقع علينا ان نبحث عن حلول مناسبة تضمن التزام الناس وتجعل من سلوكياتهم شيئاً يعني تقبل الفكرة وبالخروج من الانانية في التصرفات بعدم الاكتراث بإلقاء المخلفات كيفما اتفق والعمل بمفهوم (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).. واذا وصلنا عند الاحساس بذلك نصل الى نظافة البلاد ونصلح شؤون العباد..
اما والمشكلة (الظاهرة) امام المجتمع بدون اكتراث فهو جانب يعني تغيير المفاهيم السائدة فالبعض يرى بأن هؤلاء المخالفين من نساء واطفال وغيرهم بقيامهم بالاساءة للنظافة بأنهم لا يمثلون المجتمع السعودي.. وإعادة النظر في هذا المفهوم تعنينا كواجهة لأنهم ما داموا يعيشون بيننا فهي اذاً قضية سعودية..
والمفروض التصدي للظاهرة من جهات عديدة وبما فيها دور المواطن في عدم تشجيعهم على الاتكالية في الابتزاز العاطفي والذي أراه تعويدا على نمط معيشي لا انساني وينتج عنه مساوئ لا حدود لها..
والتدخل في أمورهم من جهات الاختصاص يحتاج إلى مزيد من تكثيف الجهود لأنهم يمثلون فعلا مظاهر سرطانية سوف يصعب القضاء عليها مستقبلاً.. هذا اذا لم يكن الأمر قد وصل الى تفاقم المشكلة وبالتالي مواجهة صعوبات في التخلص منها..
ليسوا وحدهم في الإساءة!!
- العلاقة بالنساء الافريقيات وهي الظاهرة النادرة أو تكاد جدة تكون الوحيدة تميزا بها هي ما تتحدث عنها (مرام ابو فيصل) باحثة اجتماعية، فتقول:
** ان وجود (الحجات) في بلادنا وخاصة في الحجاز (المنطقة الغربية) منذ عقود سنواتية ليست بالقليلة فكان شبه الاستيطان وان انحصر في احياء او مناطق شعبية في اطراف مدن جدة والطائف ومكة.
والذي يمكن توضيحه في هذه المشاركة ان هذه الفئة كانت ولا زالت من الطيبة الاخلاقية الى حد كبير وهذا مشهود ومعروف ولا يحتاج الى تأكيد والغريب ايضا ان شيئا من طبيعتهم التلقائية في النقاء والمسالمة لم تتغير بمرور الوقت فبقيت احوالهم التعاملية كما هي وكذلك سلوكياتهم وطرق معيشتهم الاقرب الى البدائية في جانبها الايجابي معرفة بالاطلاع على احوالهم المعيشية في مختلف صورها من الرضا بالحال والبقاء عليه والقناعة بالقليل وعزة النفس وعدم اللجوء للتسول على الرغم من الحاجة والفقر فكان للنساء منهن التجارة في بضاعة بلادهم ايضا من فصفص ولوز ودوم وما شابه من الانتاج الافريقي الذي يصنف في قائمة (المكسرات).
هدوء وسكينة وصبر يلفت الانتباه فعلا الى هذه النماذج الإنسانية التي يمر بها الزمن بالتحولات والتطور وهي لا تتغير فكأنها الماضي في وجوده البشري الذي يمثل مشاهدا كالتراث او هي الصور التي تستمر بقاء السنوات طويلة بنمطها لقديم دون تغيير.
تستمر الاستاذة مرام في التعليق على الموضوع لتصل بنا الى تفسير الموقف
من جانب آخر فتقول ان ذلك لا يعني القول بالاساءة لمنظر الشوارع بقيامهن بنبش محتويات صناديق النفايات فما بالنا وهذه البعثرة سبب لانتشار الحشرات ويقترب الصيف ليكون الحال مصدر خطر اكبر.. ومن جهتي ارى ان المناسب هو ايجاد لغة حوار مع هذه الفئة سواء عن طريق مراقبي البلدية والنظافة او الجهات الأمنية المسؤولة مثل الجوازات باعتبارها تكافح المتخلفين وان كنت اعتقد التعامل مع هذه الفئة من منطلق تقدير الظروف الإنسانية وايجاد الوسائل التي تجعل اقامتهم نظامية فكما اشرت بداية والنساء منهم على وجه الخصوص (العجائز) وبعد ذلك تدرس الحالة من جوانبها الاجتماعية.
وايضا اذا القينا اللوم فقط على هذه الفئة نكون مخطئين فمن الواقع ان السكان يمارسون الاهمال بشكل واضح بالقاء النفايات الصلبة وغيرها في هذه الحاويات وما يتم الاستغناء عنه من اشياء كثيرة وكان الاجدى أو هو المطلوب فعلا ايجاد مخارج للأزمة من البلدية حتى تكون هذه الحاويات البرتقالية للفضلات المنزلية فقط ووضع اخرى اكبر كالتي توجد في مناطق الأسواق وهي قليلة جدا بتوزيع مدروس في خارطة مدينة جدة وتخصص للنفايات الاخرى.
الاعتراف بسوء أحوال النظافة..
- ومع الدوافع النفسية لما يحدث من سلبية وعدم تعاون في شأن النظافة تشارك استشارية ورئيسة وحدة الطب النفسي بمستشفى الملك فهد بجدة ..تشارك (الجزيرة) الحوار عن الظاهرة في عموميتها.. الأسباب والمقترحات فتقول:
** ان هنالك جوانب نفسية واضحة ومؤثرة على شكل او نسبة من السلوكيات العبثية والتي تجعل نظافة الشارع مسألة مغفلة وغائبة عند الكثيرين والمثال في مدينة جدة.
والمنطلق الأول الذي نحتاجه تطبيقا عمليا وتفعيلاً لما جاء به هو ان الدين الإسلامي دين النظافة فهي شعبة لها اهميتها او يجب ان تكون كذلك ممارسة من كل انسان مسلم.. ولا مجال للتقصير والالتزام بهذا الجانب في نظافة البيئة المحيطة بنا باهتمام اكبر من حدود البيت والنظافة الشخصية كما هو الشأن ايضا في النظافة المعنوية وتشمل عرفاً التعامل السلوكي كتصرفات والبعد عن المخالفات التي يرفضها المعتقد الديني.
ومدينة جدة.. ربما غيرها مدن اخرى متشابهة يكون لها ظروف تجعل النظافة بها ذات مستويات متفاوتة ومن ذلك الأحياء الشعبية التي تعيش معدلات متدنية من النظافة.
والعوامل النفسية سلبا في البيئات العشوائية.. اعتبارها بيئة ومناخا تنشأ فيه الانماط غير الحضارية في السلوكيات نتيجة انتشار الجهل وعدم الوعي حيث تجتمع بهذه المناطق وتتكون بها مجتمعات مهملة بطبيعتها وظروفها من جهة وعدم الاهتمام بها لانتشالها من هذه الحالة وهو دور مؤسسات وجهات كثيرة.. وقد يلاحظ ان جانب اهمال النظافة بها لهذين السببين يؤدي الى انتشار الامراض وبالتالي تكون الاعباء أكبر وتزيد الفاتورة للعلاج الصحي.
والملاحظة في المحور الذي تطرحه جريدة (الجزيرة) جديرة بالاهتمام من ناحية الوقائية وذلك لان سكان هذه المناطق ليسوا في عزلة عن المجتمع والظواهر مؤكدة على ذلك كما يحدث من العمالة النسائية والاطفال الذين يبعثرون حاويات النظافة.. طبعا خارج محيط بيئتهم او الأحياء التي تؤويهم بمعنى انهم يختلطون بمجتمع المدينة في دورة الحياة عموما ومن الطبيعي احتمالية التأثير وخاصة في نقل الأمراض المستوطنة والمزمنة اضافة الى تشويه الشوارع بممارساتهم المختلفة..
وبدون شك يجب ان نتحدث بشفافية حول اهتمام النظافة فلا يجب ان يقال بعامل واحد في وجود هذه الظاهرة.. اعني السكان ونسبة كبيرة منهم مواطنون ومقيمون لا يدركون ما يحدث والانسان في ضميره الغائب نفسيا لا يشعر بأنه جزء في منظومة اجتماعية وينتج عن ذلك سبلية رد الفعل في مواجهة الخطر القادم من اهمال النظافة كما هو يمارس العبث نفسه بإلقاء النفايات تخلصا منها قد لا يعنيه جهلا بأنها مساهمة في تلويث البيئة.
وللأسف الشديد ان التكوين النفسي لفئة من هذا النوع تمثل اضطرابا في المدركات التي تعني الوعي المسؤول.. كما يجب ان يعاد طرح الموضوع في كونه إصرارا على الاخطاء وهو ما يتنافى مع المواطنة الحقة في الأدوار الفاعلة لمصلحة البلد وواجهة النظافة جزء من ذلك..
تواصل الدكتورة (الصواف) فتقول: هي وقفة تتطلب الجدية واعادة النظر في السائد من المفاهيم المزروعة او التي تكلّست في بعض العقول فتجد الاغلبية على قناعة واهمة يشيرون الى ان النظافة مسؤولية البلدية وببساطة يمكن تحليل او وصف ذلك بالاتكالية والبعد عن منطق الاشياء.
ثم تأتي التصرفات اللامبالية احياناً بقيام البعض عمدا بالاساءة لنظافة الشارع وهي مراهقة طائشة يندرج في قائمتها الكبار والصغار.. ربات البيوت.. الخادمات وعمال العمارات السكنية لاخراج شحنات مكبوتة من عقد أو مشكلات حياتية مختلفة.. وهنالك شخصيات سيكوباتية ايضا ولا بد ان تتجه للاساءة للبيئة والمجتمع بشكل متعمد.
ممارسة الابتزاز العاطفي
*الجانب النفسي في التعاطف مع النساء من ممارسات نبش حاويات النظافة.. وقد يعني هذا انتشار الظاهرة.. ما هو تعليق الدكتورة منى عليه؟
- السؤال يكشف عن عوامل اساسية مهمة في انتشار هذه الظاهرة السلبية بكل ما فيها من منظر غير حضاري وتشويه واساءة للبيئة والصحة العامة.
والعمالة التي تمارس هذه المخالفات وكذلك المتسولين عند اشارات المرور باستعراض العاهات يأتي في الناحية (السيكولوجية) لاستغلال مشاعرنا والانعكاس طبيعي في غض البصر عمّا يحدث حتى تفاقمت المشكلة ووصلت الى مرحلة ان تكون المخالفات مهنة وفي علم النفس يسمى ذلك بالابتزاز العاطفي.
لا انسى هنا ايجابية التعاطف الإنساني، والمحتاجون لهم جهات تهتم بهم ولكن الاغلبية كما قلت يمارسون المهنة غير اللائقة وهؤلاء لا يمكن القول بانهم محتاجون كما اننا بحاجة الى السيطرة العقلانية على دوافعنا العاطفية وهذا من اجل المصلحة العامة وليس ان نساهم في تشجيع انتشار ظاهرة تسيء لسمعة بلدنا.
اما بالنسبة للعمالة النسائية التي وجدت المجال مناسبا للتجارة في جميع المخلفات فهي تحتاج لحل مناسب ويجب ان لا نغفل عن كونهن مصدرا للامراض بممارساتهن المختلفة.
وجهة نظري ان يعاد النظر من قبل امانة جدة في تقسيم الحاويات بان تكون بعضها مخصصة للنفايات المنزلية واخرى للمواد الصلبة وغيرها وهذا يحتاج في نفس الوقت الى توعية للسكان للالتزام بالقاء المخلفات في الاماكن المخصصة ولا يمكن توقع الفشل للتوعية اذا اخذت البلديات باسلوب المرور في اوقات معينة على البيوت لأخذ النفايات مقابل اجور رمزية.
واعتقد من وجهة نظر شخصية ان انشغال السكان عن الاهتمام بنظافة الشارع وعدم الاكتراث بكل هذه الاساءات او المخالفات له اسبابه التي يمكن الوصول الى تقويمها فهناك دور مهم لعمد الاحياء وأتساءل عن امكانية تدخلهم وذلك يعني التطوير والشمولية كمسؤولية عن الحارة فلم يعد مناسبا ان يكون العمدة موظفا في هذا العصر او هذه الظروف له مهمة ختم الاوراق والاعمال الروتينية فقط..
الجانب الاكبر في الاهمية كطور من العلاج الآني والمستقبلي بتفعيل دور المدرسة والبيت بتربية وتنشئة الأبناء على السلوكيات الايجابية في التعامل مع نظافة الشارع بنفس المستوى الذي يحرص عليه الجميع في مساكنهم فقط وعلم النفس يؤكد بشدة على هذا الجانب وما يمكن ان يؤدي اليه من تهذيب للسلوكيات فتأتي التصرفات المستهدفة بشكل حضاري وبشكل تلقائي طبيعي في الحياة العامة.
وفي كل الأحوال لا بد ان تتجه التوعية الى ضمير ذاتي للانسان وهو المحرك الاساسي لتصرفاته وان جاءت عملية ايقاظ هذه الضمائر في حالات معينة بتطبيق نظام رادع من غرامات مالية وغيرها والتأثير النفسي بهذه الطريقة ينجح بشكل كبير والامثلة معروفة في التطبيقات على المخالفات المرورية.
بداية مشروعات تدوير النفايات
** ونصل في نهاية التحقيق عن ظاهرة جدة مع الواجهة الأجمل (النظافة) الى وجهات النظر بإشارة الى اتجاه وزارة الشؤون البلدية والقروية الى حلول تناسب الحلول وقد بدأت مشاريعها فعلا في عدة مناطق وذلك بالتشجيع على تدوير النفايات البلدية بمساهمات متاحة وتسهيلات كبيرة للشركات والمؤسسات الوطنية لإقامة مشاريع في التدوير واعادة التصنيع والهدف من ذلك الاستفادة في اكثر من اتجاه حيث الاستفادة من المواد الخام وحماية البيئة من التلوث والتخفيف المباشر من الكميات الكبيرة من النفايات بجميع انواعها من ورق وزجاج ومعادن وحديد كما هو الحال في السيارات التالفة والمهملة وبقايا المنازل التي يستفاد منها تصنيعيا كأسمدة عالية الجودة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved