Sunday 25th July,200411623العددالأحد 8 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

دفق قلم دفق قلم
بَدْءُ الخَلْق
عبدالرحمن صالح العشماوي

مما يقرب النفس من الله، ويحول بينها وبين جفاف الطبع، وقسوة القلب، التفكر في ملكوت الله، التفكر الذي يقود إلى الاعتبار والاتعاظ.
إنَّ الغفلة موتٌ محقَّق، والقلوب المقفلة كالبيوت الخربة لا ترى فيها إلا ما يسوء العين، ويُمِضُّ القلب.
(أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)
إنك ترى في حياتك أصنافاً من البشر متعلِّمين وغير متعلمين، يسيرون كالأنعام، يأكلون ويشربون، وتُلهيهم آمالهم الكاذبة، وتغرُّهم أموالهم ومناصبهم، أولئك محرومون من نعمة التفكُّر والتذكُّر، وياله من حرمان فظيع لا يعدله حرمان في هذه الحياة.
لقد كان صمت الرسول صلى الله عليه وسلم فكراً، نعم.. يتفكَّر، ويتدبَّر فيرى بعين بصيرته أسرار هذا الكون التي أودعت فيه، فيقدِّر الله عز وجل حقَّ قدره، ويسمو عن الركون إلى الحياة الدنيا الزائلة.
ينقل ابن كثير في تفسير عن كتاب (التفكُّر والاعتبار) لابن أبي الدنيا قصة أحد عبَّاد بني إسرائيل.
قال: كان أحد عبَّاد بني إسرائيل قد عَبَد الله تعالى منقطعاً إليه ثلاثين سنة، يملأ ليلها ونهارها بالصلاة والذكر والدعاء، ويسقي الثَّرى من حوله بدموع الخشية والرجاء، وكان الرجل من بني إسرائيل - فيما يروى - إذا تعبَّد ثلاثين سنة أظلَّته غمامة منحةً من الله له.
أما هذا الرجل فقد أقضَّ مضجعه، وأقلقه وأرَّقه أنه لم يجد (بعد عبادة ثلاثين عاماً) سحابةً تظلُّه، فتوجَّه إلى أمِّه شاكياً باكياً، وأخبرها الخبر، وصوَّر لها بآهاته وعباراته حقيقة ألمه وحزنه، فقالت له: يا بنيَّ فلعلَّك أذنبتَ في مدة عبادتك هذه، فقال:
لا والله ما أعلَمُه، قالت: فلعلَّك يا بنيَّ هَمَمْتَ بالذنب.
قال: لا، ولا هَمَمْتُ، قالت: فلعلَّك رفَعْتَ بصرك إلى السماء ثم ردَدْتَه بغير فكر، قال: نعم فعلت ذلك كثيراً، قالت أمه: فلعلَّك أُوتِيتَ من هذا (تفسير ابن كثير ج: 3 ص: 178 سورة الأنبياء).
نعم..
إنَّها قسوة في القلب، وغفلةٌ في الذهن أن يعيش الإنسان في الدنيا ما يشاء الله أنْ يعيش، دون أن يكون له في عالم التفكُّر صولات وجولات.
وكثير من الغافلين تُغمض عينيه الرغبات والأهواء، عن رؤية مخلوقات الله العظيمة في هذا الوجود، بل عن عظمة خَلْقه هو إنسان سويّ أوجده ربُّه سبحانه في أحسن تقويم.
الإنسان الغافل يبطش بيده، ويزلُّ بقدمه، ويشتُم بلسانه، ويختلس النظرة تِلْوَ النظرة بعينه، ويسترق السمع بأذنه، غافلاً كلَّ الغفلة عن عجيب خَلْق ربّه في هذه الحواس التي يستخدمها.
(وفي أنفسكم أفلا تبصرون).
مساحات كبيرة للتأمل والتفكُّر والاعتبار، تركض فيها خيول الذهن شهوراً وأعواماً دون أن تصل إلى مداها الأخير.
إنَّ في بَدْء الخلق من القصص المثيرة الواردة في القرآن والسنة وكتب علماء التاريخ قديماً وحديثاً ما يسلب اللُّبَّ ويحيي مشاعر القلب.
إشارة:
{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} صدق الله العظيم.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved