اختطاف العراق

قد يصح القول إن رسم السياسة العراقية بات أمراً تتطلع إليه مجموعات المسلحين الذين باتوا يميلون أكثر إلى خطف المواطنين العرب والأجانب أكثر من القتل وتفجير مراكز الشرطة، والآن يتعين على الحكومة أن تراجع أجندة الخاطفين اليومية قبل الإقبال على عملها اليومي حتى لا تصطدم بتلك التطلعات الغريبة.. وبين المطالب التي رفعها خاطفو الدبلوماسي المصري أن تلغي مصر خططاً لإرسال خبرات أمنية للعراق لتدريب الكوادر العراقية، ولا يُعرف ما إذا كان هناك اتفاقية أو تفاهم بين الجانبين العراقي والمصري بهذا الشأن لكن من الواضح أن تدخلاً مباشراً بات يمارسه الخاطفون على خيارات الحكومة العراقية المؤقتة في تسيير شؤونها..
يوميات الخطف في العراق باتت تهدد بشلل قد يمتد إلى النشاط التجاري وبالذات ما يتعلق بعمليات النقل بما في ذلك نقل احتياجات البلاد الاستهلاكية من الدول المجاورة، فهناك الآن بين أيدي الخاطفين العديدين من قائدي الشاحنات وقوائم من المطالب المرفوعة لشركاتهم من قِبل الخاطفين حول ما يتعين عليها القيام بها للإفراج عن العاملين لديها من الرهائن. فالمطلوب من إحدى الشركات دفع تعويضات إلى أسر القتلى في الفلوجة إلى جانب الإفراج عن العراقيين في السجون الكويتية مقابل الإفراج عن العاملين لديها المختطفين لدى جماعة عراقية..
والأمثلة عديدة على إفرازات حمى الخطف التي باتت تشكل المشهد الرئيسي للعراق الذي يجهد للخروج من حالات سلبية عدة.. لكن يجد أن عليه أن يتصدى كل يومٍ لمزيدٍ من الابتلاءات.. إن قدراً من التشويش غير المرغوب يرتبط بعمليات الخطف هذه، وهو أمر يخل بترتيب الأولويات وخلط الأوراق ليس فقط فيما يتصل بالعمل الحكومي بل أيضا بالنسبة للمواطن العراقي ولهؤلاء الذين اضطرتهم ظروفهم لترك بلدانهم والقدوم إلى هذه الساحة المتفجرة..
فالخطف في حد ذاته مرفوض ويتحول إلى أمر ممجوج مع صدور المطالب المبالغ فيها والتعجيزية من الخاطفين، لنرى أننا أمام اللامعقول، ويبدو أن قادم الأيام سيحمل ما هو أفظع، فالساحة العراقية باتت تفسح المجال أمام الجديد، ليس الجديد المفيد لكن الجديد المفجع..
ويصح القول إن الشعب العراقي أبعد ما يكون عن هذه التشويهات التي يتم إلصاقها به بين كل حينٍ وآخر، والأحرى أن العراقيين يتطلعون إلى نافذة أمل تعيد إليهم قدراً من صورتهم كشعب حضاري، وهو أمر سيتحقق فقط عندما تؤول كافة أمور تدبير شؤونهم لهم، ويومها يستطيعون تعويض هذه التشوهات، غير أن مثل هذا العمل ينبغي أن يبدأ اليوم قبل الغد من خلال التهيؤ للنقلة القادمة المتمثلة في انتخاب ممثليهم الشرعيين والاستعداد لحكم أنفسهم بأنفسهم..