من غزة إلى الجولان

عندما كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي عن عزمه الانسحاب أفصح فيما بعد عن خطط بعدم إعادة مساحات شاسعة من الضفة الغربية، بل إنه فعل ذلك بطريقة عملية عندما سمح للجدار العازل الذي يبنيه بالتغول على مساحات من الضفة..
والآن هناك في إسرائيل مَن يتحدث عن انسحاب من الجولان؛ ليهدم في ذات الوقت الفرية العسكرية التي تمسك بها تقريباً كل جنرالات إسرائيل والقائلة: إنه لا يمكن الدفاع عن إسرائيل في غياب الجولان. لكن المتحدث الأخير الذي طالب بالانسحاب هو من أعلى قمة الهرم العسكري، فالجنرال موشي يعلون هو رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية، وهو يدرك أكثر من غيره كيف يحافظ على مزاعم الأمن التي لم تكف الآلة الإعلامية الإسرائيلية عن تكرارها وترديدها من أجل عدم إعادة الأراضي المحتلة.
فالجنرال موشي يعلون يقول: إن الجولان ليست ضرورية لأمن إسرائيل، وإن جيشه يمكنه أن يدافع عن إسرائيل حتى لو عادت هذه المرتفعات التي جرى احتلالها عام 1967 إلى سوريا.. بالطبع فقد ثارت ثائرة اليمين المتطرف على هذه التصريحات، خصوصاً أن أقطاب هذا اليمين يتحدثون بإشفاق عن إسرائيل التي باتت تتسرب من بين أيديهم، مشيرين إلى خطط شارون للانسحاب من غزة..
ويمكن النظر إلى هذه التصريحات من باب خدمة مصالح سياسية معينة، فالحليف الأمريكي الذي يبدو مشغولاً بالانتخابات ويتعرض لمصاعب حقيقية في الجوار العراقي ربما احتاج لمثل هذه التصريحات التي تظهر إسرائيل وكأنها الطرف الذي يبدي استعداداً للسلام وهو أمر يتحقق دائماً بنصائح أمريكية..
وبالنسبة لغزة، فإن شارون هو صاحب مبادرة الانسحاب، لكن شارون يفعل ذلك ليس من أجل السلام وإنما هروباً من مأزق الأمن الذي لا يجد حلاً له سوى الانسحاب أمام ضربات المقاومة، فقد فشل شارون رغم آلته العسكرية في إخضاع قطاع غزة، ولذا فهو يفضل الخروج بأقل قدر من الخسائر.. ومع ذلكفإن المجتمع الإسرائيلي يضم جماعات تريد أن تعيش في سلام، وهي تشجع على الانسحابات أياً كانت باعتبارها تسهم في قدر من التفاهم مع الجانب الفلسطيني، إلا أن هذه التيارات ليست قوية بالقدر الكافي، كما أن الانسحاب الذي تتطلع إليه ليس هو ذلك الانسحاب الذي يريده شارون..
وبالعودة إلى الجولان نرى أن المحادثات بين الجانبين السوري والإسرائيلي كانت توقفت عام 2000م عندما عرضت إسرائيل إعادة الهضبة السورية ما عدا أراضي قرب بحيرة طبرية، إلا أن سوريا تمسكت بعودة كامل الجولان. وفيما بعد كانت إسرائيل تطالب بإعادة المحادثات من نقطة البدء، في حين رأت دمشق استئنافها من حيث توقفت.
تستطيع إسرائيل أن تطلق الكثير من بالونات الاختبار، لكن عليها أن تدرك أن لا مجال للمساومة في الثوابت بما ذلك الأراضي التي تحتلها، وأن على مختلفالتيارات الإسرائيلية أن تحسم خياراتها بالطريقة التي تتسق والسلام الحقيقي والشامل، وإلاَّ فإن عليها الكف عن التلاعب في أمور لا تحتمل الأخذ والعطاء..