Sunday 29th August,200411658العددالأحد 13 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

آداب التعامل آداب التعامل
د. محمد بن عبدالرحمن البشر

في خضم متغيرات العصر ومعطياته، نال السلوك البشري نصيبه من هذه المتغيرات، وهذا يستوجب تغير القوانين وأساليب تطبيقها حتى يمكن الحد من أثر ذلك النمط في التغيير، وأخذ البعض يبتدع أساليب جديدة في مجانية الصواب، وغمط حقوق الناس، متذرعاً بالفرق بين معطيات العصر وأساليب تطبيق القوانين، وأخذ المحتال يكتسي بثياب جميلة براقة لبلوغ شأوه، كما قد يكتسي إسبال الثياب إن رأى في ذلك طريقاً لتحقيق مآربه، وقد يعمد البعض إلى تجاوز الحدود المقبولة من أدب التعامل ويشهر سيف لسانه ظناً منه أن ذلك سيبلغه مرامه، فإن كان المتلقي كيَّساً فطناً، فلن تثنيه حدة اللسان عن إظهار الحق وتبنيه، والحق أحق أن يتبع، ومن الحكمة أن يكون الحلم والأناة مع الحزم لدى المتلقي وعدم بخس الآخرين حقوقهم عقاراً لشفاء السليط من هذا الداء العضال، وما من أحد من المتلقين إلا وله جبلة جبل عليها، فإن كان قد جبل على سرعة الانفعال، فعليه أن يدافع عن ذلك ما استطاع فإن أعوزته الحيل، فليكن بلسمه الرجوع بعد الغضب إلى الأناة، وتجاوز ذلك بأسرع ما يمكن مع عدم تحقيق بغية المحتال، وهذا أمر يحتاج إلى تدريب نفسي غير يسير.
ومن إفرازات عصرنا هذا تبدل بعض المفاهيم عند البعض، واختلاف الموازين، فأصبح الغني دون سواه محل تقدير الرجال وإجلالهم، وكأنهم يطبقون قول الشاعر:


إن الغني من الرجال مكرم
وتراه يرجى ما لديه ويرهب
ويبش بالترحيب عند قدومه
ويقام عند سلامه ويقرب
والفقر شين للرجال فإنه
يزري به الشهم الأديب الأنسب

كلنا لا ينكر فضل البشاشة وحسن الترحاب، فلا غرو في ذلك فهذه من أخلاق الإسلام، غير أن ربط فعلها بمقدار الغني في معظم الأحوال مؤشر للمتغيرات العصرية، وليس من الصواب أن يكون المال سيد الموقف في كل موقف، كما قال الشاعر:


إن الدراهم في المواقف كلها
تكسو الرجال مهابة وجلالا
فهي اللسان لمن أراد فصاحة
وهي السلاح لمن أراد قتالا
وترى الغني إذا تحدث كاذبا
قالوا صدقت وما نطقت محالا
وترى الفقير إذا تحدث صادقا
قالوا كذبت وأبطلوا ما قالا

والتملق ظاهرة من ظواهر العصور القديمة والحديثة إلا أنها تتباين في الأنماط والأساليب تبعاً للمعطيات، والبون شاسع بين محب مادح، وكاره متملق، وذلك ما عناه علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث قال:


لا خير في ود امرئ متملق
حلو اللسان وقلبه يتلهب
يلقاك يحلف إنه بك واثق
وإذا توارى منك فهو العقرب
يعطيك من طرف اللسان حلاوة
ويروغ منك كما يروغ الثعلب

وأنماط النفاق والتملق في عصرنا تختلف عن تلك في العصور الخوالي، فيمكن لمن يجيد هذا الفن أن يستخدم الأساليب الكمية من إحصائيات ومنحنيات وصور فوتوغرافية بدلاً من الصور البيانية التي كانت سائدة فيما مضى.
وأحسب أن الممدوح الذي وهبه الله شيئاً من الفراسة سيدرك مدى صدق المادح، ونقاء سريرته، فإن كان صادقاً ففعله محمود، وإن كان غير ذلك فمدحه مردود عليه.
ولا بد أن يكون لهذا الكم الهائل من التغيرات المادية أثر على السلوكيات البشرية وندعو الله أن يكون تغيراً محموداً ينتفع به بنو البشر.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved