Monday 30th August,200411659العددالأثنين 14 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

آمال مستحيلة !! آمال مستحيلة !!
أحمد بن خالد أحمد العبد القادر

يصعب على القلب أن تمر عليه الأحداث تباعاً دون أن يستوقفها ويقف معها لحظة تأمل ويحيطها بنظره ويجيلها بفكر، تشوبها لحظات الحزن والألم جراء تلك المواقف المتزايدة، والتي بدت كشهب أنارت بنيرانها بساط السماء السوداء، نيازك كثيرة انتشرت في محيط معين فأغرقته بالضياء والحرقة، وهبت بعدها رياح هوجاء عاتية ما لبثت بفعل تلك النيازك أن تحولت إلى سموم حارقة، تبعث الحر في كل الأرجاء، تلك هي الأحزان عندما تتفاقم، وتتزايد معها الآلام، فإنها لا تلبث أن تجر تلك الآلام من القلب إلى مصاف الحياة فيكدر لها الإنسان ويغتم، ويصاب بموجة من الضيق والهموم، ومعها يتخبط الإنسان في سيره، فيموج في أمواج الحياة وصراعاتها الشاقة، وبسببها يسود السواد في أرجاء الحياة ويتقلص النور والضياء حتى تجثم العتمة والضيق على الصدور فتشلها عن حياتها، وتكلها بموارد المرض والأوجاع.
يسري الحزن في أوصال القلوب، وكثيراً ما سرى الحزن في قلبي، وكم من آمال أرجوها وأمانٍ أمنيها أن يخلق من يطفئ نيران الأحزان بماء المحبة والصفاء، كم كنت أنتظر أن يأتي من يقتل الهم في قلبي ويسد معه الراحة والسعادة، كثيراً ما كنت أنتظر!!، وطال الانتظار، وما من فائدة ترجى وتذكر، والآلام مع مضي الأيام تتجدد وكأنها غمار أبحرة تتصاعد من باطن الأرض، أو تزفها إلي أمطار السماء، فتتمزق معها القلوب تمزقاً وتتقطع إرباً إربا، كم كنت أتمنى أن يقبل من يبدد تلك الظلمة بأشعة منيرة تضيء تلك الأفاق المظلمة والمقيتة، كم انتظرت لسنين تتخللها الأيام والشهور، والصبر يبلغ مراحله العصيبة ولكن دون نتيجة أو أمل يمكن له أن يتحقق، ومعها طول تلك السنين ومشقاتها سرى في القلب سواد صغير متقلص ما فتئ يتجاوز تقلصه ويمتد ويتسع في انتشاره، حتى طغى سواده القلب الصغير فانقطع أمله في بقية حياة هانئة يسعد بظلالها ويتقلب في رواحها الهادئ.
وابتدأ في رحلة صراع ليعاود نفسه إلى الحياة الجديدة، ويستمر في بحثه وصراعه الدامي والمؤلم، ومعها يمضي العمر في سرعة مدهشة، لا يمكن لأي عاقل أن يتصور مضيها، وكأنه يسابق الزمن، ويأبى الزمن أن يسبقه فيظل في سعيه وغروره يسبقه، في ظل التعثرات والسقطات والتي خسر معها آماله كلها، وانطلقت من عينيه دموع الأسى والحزن تكابده وتزيد من حسرته.
بدا قزماً أمام سيقان الأشجار الممتدة إلى عنان السماء، وتعانق النجوم في محبة وجمال وبهاء، في حين استظل بظلها الوافر، لعلها تخفف وطأة الشمس الحارقة على رأسه، وبدأ يشعر بثمارها تتساقط عليه من كل جهة، وبتدافع سريع ومخيف، وجهل أكانت تكرمه أم تهاجمه ببناتها الصغار والتي ترامت عليه، وبدأ النسيم يزف نفسه في الأرجاء، وتدفق الهواء في رئتيه ودبت الحياة في جسده من جديد، وامتدت إليه يد لا يدري من أين أقبلت، ظل فاغراً فاه لحظة وبخوف وقلق مد يده ببطء إلى تلك اليد، وقبضت على معصمه بكل قوة ومن دون هوادة، وبدأت تسوقه في الظلام وتقوده في متاهات الزمن، والجهل قد سيطر على خواطره، والخوف والوجل أعميا بصره في وسط ذلك الظلام!!، لم تلبث معها تلك الهواجس والاضطرابات أن خفتت، وحل محلها أصوات النورس تجوب أفق السماء، تطرب بصوتها الأسماع وتزرع الهدوء والاستمتاع، وصكت مسامعه صوت موج البحر وغدو أمواجه بقوة صارمة، بدت الراحة تأخذ مجراها المرتقب، وتوسد التراب الدافئ الناعم وغاب عن الدنيا، بدا متشوقاً إلى الراحة والدعة كشوق المشتاق واللاهث لها، وطالت غيبته ومكوثه على الأرض، وكأنه يتمنى الغياب الأزلي، الذي يحقق له الراحة من تلك الأهوال، وفجأة!!، استيقظ من نومه بعد أن شاهد الراحة في منامه ولم يلحق أن يهنئ بها، وقعت عينه على الحقيقة التي أراد أن يغالبها، ويغير مجرى أحداثها وحقائقها، ولكنه الفشل الذليل الذي يلحق بالنفس معاني الانكسار والانهزام، أدرك مكوثه في معمعة الواقع، وأدرك عجزه عن تحطم انكساره، وفك نفسه من القيود التي حبسته عن الحرية التي ينشدها، أدرك أن لا أمل له في حياة يتمناها ويتلهف عليها بكل شوق وانتظار، أدرك أن المصاعب تحيطه من كل جانب دون رحمة أو شفقة، تكسر شموخه كل مرة، تحاول إذلاله في كل مرة، ولكنها تصدم بعزة صامدة كرواسي الجبال الشوامخ أمام الأعاصير الهوجاء، والريح العاتية، ومع ذلك كله لا زالت تمني نفسها بإذلاله وكسره، ها هي تتأمله، أيواصل مقاومته؟!، أم يستسلم ويخضع؟!، هي تترقب وتنتظر... يحاول الوقوف على قدميه بعد أن أنهكه التعب، يجاهد نفسه لتحقيق ذلك السبيل، ها هو يقف ويترنح يحاول الثبات، يبدو مشوشاً فاقداً تركيزه، يحاول استجماع قواه واستعادة تركيزه، ها هو يثبت، ها هو يشمخ بعزة وزهو، يعلن مقاومته واستبساله، يأبى الانهزام والخنوع، ويواصل التحدي القديم ويصر عليه ويفادي من أجله، يخطو خطوات ويجد في المسير. تعلن تحديها وهجومها الضاري، تعجب من تلك العزة التي تأبى الانهزام، وتبدي إعجابها بكل خفية، وتجتهد في كسره وإذلاله بكل المحاولات المستميتة والصعبة، ها هي نفس الإنسان عندما تحاك عليه الظروف والأحداث، وتسقط في مزالق التردي، فعندما تكون عزتها هي أساس مقودها فإنها تأبى الانصياع لتلك الظروف والمواقف، والإنسان الحكيم واللبيب هو الذي ينجح في تخطي تلك العقبات لتحقيق ما يصبو إليه من أحلام وأماني، يكل إلى صبر الأيام والسنين حتى يحصل ما سعى إليه، وعندئذ يشعر بنجاحاته وانتصاره القاهر على ظروفه القاهرة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved