الشباب قطاع مهم من قطاعات المجتمع، به تنهض المجتمعات البشرية، وعليه - بعد الله - تعوِّل في حمل لواء التقدُّم في مسيرتها؛ لأنَّ الشباب يمثلون فتوَّة الأمة وحيويتها ونشاطها، ولأنَّ مرحلة الشباب (العمرية) هي مرحلة القوة والعطاء، والعمل والنشاط، والجرأة والإقدام، وهي مرحلة - كما نعلم - مهمة جداً في تحديد نوع التوقُّع لشكل وطبيعة مستقبل الأمة الديني والفكري والاجتماعي الاقتصادي والسياسي والثقافي.
إن المجتمع الذي يحرص على مستقبله يُعْنَى بتربية أطفاله ورعاية شبابه تربيةً ورعايةً خاصتين قائمتين على أُسس سليمة لتطبيق أهداف واضحة تُسهم في بناء مستقبل مشرق، وشخصية قوية متماسكة.
أين موقعنا من هذه القضية؟ وماذا أعددنا لشبابنا من برامج البناء المتكامل الذي يجعلهم شخصيات (ذات دور فاعل) في مسيرة وطنهم وأمتهم؟
إن المتابع لما يُعرض من برامج عبر وسائل الإعلام يستمع إلى كثير من النصائح والتوجيهات المباشرة، وإلى كثير من عبارات اللوم العنيف - أحياناً - على الشباب، وإلى تكرار يُصيب المتابع بالملل لبعض العبارات التي تحمل أحكاماً عامةً على الشباب لا تُسهم - أبداً - في بنائهم الإيجابي الذي نَتُوقُ إليه، ولا تُلامس حقيقة مشكلاتهم النفسية والعقلية التي يعيشونها، ولا تلتفت إلى أوضاعهم المادية التي يعانون منها، ولا تُقدِّم علاجاً عملياً واضحاً وفق برنامج واضح لحل مشكلة الفراغ التي تلتهم أوقاتهم التهاماً.
لقد كنتُ ذات يوم أستمع إلى برنامج إذاعي يتحدث فيه الضيف عن انحراف الشباب وضياعهم، وتقليدهم للآخر، ومتابعتهم للقنوات، حديثاً وصفياً جامداً لا يمكن أن يستثير اهتمام الشباب المقصودين بحديثه. وعندما وقفت أمام المتجر الذي قصدتُه وجدتُ عشراتٍ من الشباب يتكلمون بلساننا ولهجتنا، ولكنهم لا يمتُّون إلينا بصلة في ملابسهم ومظهرهم، ولا في الأفكار التي يتحدثون فيها. شباب في ريعان الشباب، يُمسك أحدهم في إحدى يديه بعلبةٍ من علب المشروبات الغازية الشهيرة، وبين سبَّابةِ ووسطى اليد الأخرى بسيجارةٍ يمتصُّ ثغرها الخبيث بعمقٍ يدلُّ على عشقٍ، ويُرسلون ضحكاتٍ بعد كل لحظة حديثٍ تدلُّ على أنهم في وادٍ وما نريد منهم في وادٍ آخر.
سألتُ نفسي حينها: أين ما قاله ضيف ذلك البرنامج من هؤلاء الشباب؟ أين المعالجة الحقيقية لهذه الحالة؟ أين البرامج العملية سريعة التنفيذ التي تنتشل الشباب من هذه الحالة المؤسفة؟ أين الشعور بمشاعرهم، والإحساس بمشكلاتهم؟ أين وأين وأين؟
إن كثيراً من شبابنا يعيشون على هامش ما نريد، ونحن نعيش على هامش ما يريدون، فكيف يمكن أن ندخل معهم في العمق ليدخلوا معنا في العمق؟
العواصف الثقافية التي تهبُّ عليهم قوية عاتية، ونحن نجترُّ في كثير من البرامج التي نخصِّصها للشباب، ولمناقشة مشكلة الإرهاب، عباراتٍ تتكرر عشرات المرات في اليوم والليلة، نقدِّمها بصورة رتيبة في أشكال حوارات جامدة مصابة بداء الفأفأة والتأتأة، وذبح لغتنا العربية الفصحى من الوريد إلى الوريد، ونعرضها بانتقائية غير سليمة لأسماء تحتاج إلى تدريب على الأسلوب الصحيح للحوار، واستبعادٍ غير منصف لأسماء يمكن أن تقدِّم شيئاً مفيداً للشباب لو أنها لم تُستبعد.
أين نحن من هذه القضية المهمة؟
سؤالٌ حزينٌ في واقعٍ مؤلمٍ تهبُّ فيه العواصف الثقافية على شبابنا من كل مكان، تعصف بهم في غُرَفِهم الخاصة ونحن غافلون.
إشارة:
|
آه من فُرقتين، هذي رحيل
في دروب الهوى، وهذي انعزالُ |
|