مذابح العراق

تسارعت وتائر الهجمات الأمريكية في العراق، مع اتساع نطاقها، فمن بغداد إلى الفلوجة إلى تلعفر، هناك سقوط مروِّع للمدنيين برصاص القوات الأمريكية بذريعة ملاحقة الإرهابيين، وفي ذات الوقت هناك استغلال واضح لما يحدث من اضطرابات للدفع بالمزيد منها لإسباغ نوع من الإبهام على كامل المشهد، الأمر الذي يؤدي إلى تقاطع الاتهامات والشكوك وانطلاق رصاصات الانتقام وفقاً لاتهامات واهية.
فقد شهد العالم كله الأسلوب الفظيع لقتل العديدين في شارع حيفا يوم الأحد عندما أطلقت مروحية أمريكية رشاشاتها باتجاه تجمع للمدنيين تحلَّقوا بدبابة أمريكية وهي تحترق، وأعادت الحادثة الأسلوب الذي تتبعه إسرائيل في حصد أرواح الفلسطينيين، عندما تعمد المروحيات إلى قصف سيارة ما وسرعان ما يتجمَّع المنقذون والمارة ويتكون حشد كبير من الناس، ومن ثم تعاجلهم المروحيات بعدة صواريخ لتزداد أعداد القتلى لتشكيل ما هو متعارف عليه بالمذبحة الجماعية.
وفي كل الحوادث المشابهة لم تكن هناك محاسبة لإسرائيل، وها هو ذات الأسلوب يُطبق في العراق دون أي محاسبة.. القصف يطال الناس في الفلوجة أيضاً بذريعة ملاحقة رجال المقاومة، ومن ثم يتم هدم المنازل لتخرج جثث النساء والأطفال بدلاً من جثث المسلحين.
ويلف الغموض جوانب من هذا المشهد، فحادث الانفجار يوم الأربعاء في مقر للشرطة العراقية ببغداد، بقوة تدميرية هائلة، أثار الشكوك حول ما إذا كان الأمر يتعلق بسيارة مفخخة، وأعاد الكثيرون في الموقع، الحادث إلى صاروخ ما جعل التوقعات تتجه وجهات مختلفة، وطالت الشكوك كل ألوان الطيف المسلح.
هناك بالطبع من يستغل كل هذه الفوضى لتمرير أجندته، وعلينا أن نتساءل عمن يهمه استمرار حالة عدم الاستقرار؟ ومن يحاول تغطية الفظائع بفظائع أخرى أو تضييع ملامح جرائم معينة؟ وفي هذا المجال فإن القائمة تضم عدة جهات بما فيها المخابرات الإسرائيلية التي تسجل حضوراً مكثفاً تحت المظلة العسكرية الأمريكية التي توفر الحماية المثلى لكل ما هو إسرائيلي.
والأيدي الاسرائيلية تظهر بصفة خاصة في محاولات تجريد العراق من الكفاءات البشرية المتميزة، وأمس تمت تصفية أكاديمي عراقي مرموق في حادث غامض، ولا تبدو ثمة نهاية وشيكة لهذه المذابح البشعة، وبدلاً من ذلك فإننا نرى أن نطاقها يتسع وهي تسير باتجاه التصعيد في وقت يقترب فيه موعد الاستحقاق الدستوري لإجراء الانتخابات.
ومن المفترض إزاء ذلك تهيئة الساحة لهذه النقلة الدستورية من خلال التهدئة وإتاحة المجال أمام الناس لإطلاق ممارسات سياسية ترتبط عادة بالانتخابات بما في ذلك توضيح الخيارات المتاحة للناخبين وعرض برامج وخطط الهيئات والتنظيمات السياسية، إلا أنه مع اقتراب موعد الانتخابات تزداد وتيرة هذه الفظائع التي من شأنها عرقلة كل المواعيد المقبلة.