Friday 24th September,200411684العددالجمعة 10 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

الإرشاد الأسري (3) الإرشاد الأسري (3)
د. محمد بن سعد الشويعر

وفي موقف الشريعة من الإرشاد الأسري الهاتفيّ، يتحدث ثلاثة من طلبة العلم، منهم قاضٍ متمرِّس في أعمال القضاء والقضايا الأسرية التي تمرّ عليه بحكم عمله، هو الشيخ سعد الصقر الحقباني، يركز في حديثه على إصلاح ذات البين حتى لا تنفصم عُرى الأسرة، وينعكس الأثر على الأسرة والأبناء، مستدلا بنماذج عديدة في هذا المجال واقعيّة، حيث لاحظ زيادة في نسبة الخلافات العائلية، نتج عنها كثرة حالات الطلاق ويعزو ذلك الى المتغيرات السريعة، والمؤثرات التي ظهرت بصماتها على دين وأخلاق الأسرة، حيث نتج عن ذلك تفكك الأسرة، وانحراف الأولاد وظهور أنماط من السلوك المنحرف، كالعقوق وتشريد الأبناء لوالديهم، أو الهجرة غير الشرعية.
ولئن كانت الخلافات بين الزوجين أمراً طبيعياً، لكن غير المحمود أن تتفاقم المشكلات، وتتسع دائرتها، دون تدخل مصلح لحلّ الخلاف، مما يدفع صاحب المشكلة، للهرب من واقعه بأمور سيئة وانحراف سلوكي: كتعاطي المخدرات أو الوقوع في منكرات أخلاقية، أو الإقدام على الانتحار، ونحو ذلك من أمور تغير المجتمع.
ومعلوم لدى الجميع أنه ينتج عن الخلافات الأسرية، مفاسد اجتماعية واقتصادية وأمنية الشيء الكثير، وانطلاقاً من قوله تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (سورة النساء 128)، فإن الساعي لإصلاح ذات البين، وتفريج كربات إخوانه المسلمين، والتنفيس عنهم بالتوجيه والإرشاد، وإضفاء الطمأنينة على نفوسهم، وبذل المشورة لهم، والدلالة على الطريق الأصلح لهم، فيه منزلة عالية عند الله سبحانه وفي الدنيا بشكر الناس لمن سعى في الإصلاح، ومحبتهم إياه، وركز فضيلته في كلمته على حالتين تحدث فيهما هما:
1- حاجة المجتمع الى الإرشاد الأسري الهاتفي مع ذكر بعض الوقائع.
2- فضل الإرشاد والإصلاح والسعي لتفريج الكربات، والتأصيل الشرعي لهذه الخدمة.
ففي الحالة الأولى تحدث عن الآثار السلبية الناتجة عن المشكلات الزوجية والأسرية التي غالباً، ما ينتج عنها الطلاق أو تعليق الزَّوجة أو انحراف الأولاد، وتدني مستوى التمسك بالدِّين، أو أمراض نفسية أو حوادث اجرامية مما يستوجب معه التوجه السريع للمعالجة، وحل المشكلات الأربع التي تحدث عنها وهي الآثار الاجتماعية، والآثار النفسية والآثار الاقتصادية والآثار الأمنية، وهي أمور مهمة بيَّن الأثر على كل حالة وانعكاسها السلبي (11-21).
وقد أورد عشرة أمثلة كشواهد واقعية، نجد من المصلحة إيراد حالتين تنبئان عن فائدة عرض الأمر على المرشد الأسري، هما:
1- فتاة في العقد الثاني من عمرها، تنتسب الى عائلة ذات مستوى اجتماعي عالٍ، تعلقت بشاب تعلقاً عاطفياً عن طريق غير شرعي، اتضح بعد ذلك، عدم مناسبته لمستواها الديني والاجتماعي.. المالي والنسبي، مما يغلب على الظن فشل الحياة الزوجية، وقد كانت تفكر في التعرف عليه بأي طريقة للهروب معه، ضاربة عُرض الحائط بكل التوجيهات الشرعية والضوابط الاجتماعية، وباتصالها هاتفيا بالإرشاد، وبعد محاورات متوالية تم اقناعها بما يحقق مصلحتها، ويوضح لها الصورة الحقيقية للحياة الزوجية المستقرة.. فتراجعت عن رأيها السابق. (ص16).
2- امرأة تحمل الجنسية السعودية، من اصل غير سعودي، نتيجة لمشكلات مع زوجها، طلبت الطلاق، فوافق على شرط أن تتنازل عن جنسيتها مع كونها رزقت منه بستة أبناء، وعزمت على الموافقة مضحية بأولادها مقابل الطلاق، واتصلت لطلب النصيحة وأخذ الرأي.. وبعد الدراسة اتضح أن المصلحة تكمن في عدم الموافقة على هذا الشرط، لما له من آثار سلبية على الزوجة وعلى أولادها، ولا سيما أن الأولاد عازمون على الهرب من البيت، حال الطلاق وسفر أمهم الى بلدها، لما يلاقونه من قسوة وشدة في تربية والدهم، فجرى حثها على الصبر واعطاؤها خطة علاجية، وقد اقتنعت فلعلها تكللت بالنجاح حسب ما ظهر منها (23).
والوقائع التي ذكرها الشرعيون في هذا الدليل (ص11 - 56)، تنبئ عن اهتمام شريعة الاسلام، بحقوق المرأة والنصح لها حتى لا تتحمل أعباء سيئة مكرهة عليها، ممن يستغلون ضعفها، وعدم إدراكها النهج السليم، الذي ينير لها الطريق، ويحفظ كرامتها وحقها.
فالمرشد الشرعي ، والقاضي وطالب العلم، عندما تتصل هاتفيا المرأة بواحد منهم، بسرية وتطلب الاعانة في موضوعها، فإن الأمانة العلمية والواجب الشرعي المستمد من كتاب الله وسنة رسوله الكريم، يقتضي ارشادها بما يعرفه المرء أو يحيلها لمن عنده الرأي، حتى ينفتح لها باب تنحلّ معه مشكلتها، ويشعرها بأن دين الإسلام، قد بسطت تعاليمه ما يعينها على تجاوز العقبات، ويريح نفسها لأنه دين كفلتْ تعاليمه الحقوق: للرجل والمرأة على السوية، ويحرم الظلم والتعدي.
مثل هذه الحالة التي ذكرها الشرعيون: امرأة تعيش مأساة في مطالبتها لحقها الشرعي، من نفقة أولادها، ولجهلها بالاجراءات القضائية والنظامية، ضاقت الدنيا عليها، وبعد اتصالها هاتفيا، جرى توجيهها ومتابعة حالتها وإرشادها بصورة دورية، حتى وصلت لمبتغاها، وتحقيق ما تطلبه (ص27).
والشيخ محمد الدويش، الذي تحدث عن الضوابط والتوجيهات الشرعية والاجتماعية للارشاد الأسري الهاتفي قد جعلها في 15 حالة هي:
1- الإخلاص واستحضار النية.
2- مراقبة الله والشعور بمسئولية الكلمة.
3- مراعاة المصالح الشرعية.
4- البعد عن الاسترسال فيما لا يليق.
5- التأدب في الألفاظ.
6- قصر العلاقة بالمسترشد على الاتصال الهاتفي.
7- توجهه إلى وسائل الإصلاح.
8- السرية.
9- التوازن في تحقيق الرجاء لدى المسترشد.
10- مراعاة الاعتبارات الاجتماعية.
11- البعد عن الفتوى.
12- التوجيه الشرعي.
13- البعد عن الحديث بما لا يعلم.
14- الحذر من القرارات الجريئة.
15- الحذر من تعميم النظرة السلبية للمجتمع (41-55).
وقد أوضح عن كل عنصر، ما يجب أن يتحلى به المرشد، حتى يكون لإرشاده قبول وفائدة، مبينا أن الاطلاع على هذه المشكلات قد يفيد المرشد في معرفة زاوية من زوايا المجتمع، لكن الخطورة في تعميمها وتجاوز الاعتدال في النظرة للمجتمع.
وفي الباب الثاني: عن أسس ومبادئ الارشاد الأسري الهاتفي تحدث كل من د. يحيى اليحيى ود. حماد الحمادي ود. منصور العسكر في هذا الموضوع (57 - 101): عن نشأة هاتف الاستشارات، ومميزات هاتف الاستشارات الأسرية، واختيار وتدريب المرشدين على الخط الساخن، وفهم العلاقة الإرشادية، والتوثيق وتقييم البرنامج، والكفاءات المهنية للاخصائيين العاملين في الارشاد الهاتفي، وختم د. منصور بحثه بنموذج لعملية الإرشاد عن طريق الهاتف ورأى في هذا أن الغاية من الخدمة الإرشادية عن طريق الهاتف تقديم المساعدة من خلال اختصاصيين مدربين مهنيين كوسيط اتصالي غير مباشر، لتمكينهم من المواجهة الفعالة للأزمات وضغوطها، مسترشداً بتنوع خبرات خدمات الارشاد الهاتفي في أمريكا وأوروبا، وتعدد أهدافها ومجالاتها، وجعل هذه الخدمة، ترتكز على أركان أساسية جاءت عنده في 17 ركناً أهمها: استكشاف المشكلة، واستبصار الحل الأمثل، ومن ثم اختياره، ومتابعة التقدم وفقاً لخطة أو اتفاق منظم.... (للبحث صلة).
امرأة تأبى الذل
جاء في قصص العرب نقلاً عن ابن الأثير: أن عمرو بن هند، صاحب الحيرة قال يوماً لجلسائه، هل تعلمون أن أحداً من العرب من أهل مملكتي، تأبى أمه أن تخدم أمي؟ قالوا: ما نعرفه إلا أن يكون عمرو بن كلثوم التغلبي، فإن أمه ليلى بنت المهلهل ابن ربيعة، وعمها كليب، وزوجها كلثوم وابنها عمرو، فسكت عمرو بن هند على ما في نفسه، وبعث إلى عمرو بن كلثوم يستزيره، ويأمره أن تزور أمه ليلى، أمه هند بنت الحارث.
فقدم عمرو بن كلثوم في فرسان بني تغلب، ومعه أمه ليلى، فنزل على شاطئ الفرات، وبلغ عمرو بن هند قدومه، فأمر فضربت خيامه بين الحيرة والفرات، وأرسل إلى وجوه أهل مملكته، وصنع لهم طعاماً، ثم دعا الناس إليه، فقُرِّب إليه الطعام على باب السرادق، وجلس هو وعمرو بن كلثوم، وخواص أصحابه في السرادق، وليلى أم عمرو بن كلثوم معها في القبة، وقال عمرو لأمه: إذا فرغ الناس من الطعام، ولم يبق إلا الطُّرفْ، فنحِّ خدمك عَنْكِ، واستخدمي ليلى ومُريها فلتناولكِ الشيء بعد الشيء.
ففعلت هند ما أمرها به ابنها، فلما استدعى ابنها الطُّرف، قالت هند: لليلى أم عمرو بن كلثوم، ناوليني الطبق، قالت: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها.
فألحَّت عليها.. فقالت ليلى: واذُلاه، يا آل تغلب، ورفعت صوتها بذلك فسمعها ولدها عمرو بن كلثوم، فثار الدم في وجهه، والقوم يشربون، فعرف عمرو بن هند الشرّ في وجهه.
وثار ابن كلثوم إلى سيف ابن هند، وهو معلق في السرادق، وليس هناك سيف غيره، فأخذه ثم ضرب به رأس عمرو بن هند فقتله، وخرج فنادى يا آل تغلب، فانتهبوا مال وخيل عمرو بن هند، وسبوا نساءه وساروا فلحقوا بالحيرة، وقال في ذلك عمرو بن كلثوم معلقته المشهورة التي منها معرضاً بعمرو بن هند:


بأيّ مشيئة عمرو بن هند
ترى أنا نكون الأرذلينا
بأيّ مشيئة عمرو بن هند
تُطيع بنا الوشاة وتزْدرِينا

(قصص العرب 4: 237- 238).


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved