Friday 24th September,200411684العددالجمعة 10 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

آفة الحسد آفة الحسد
د. محمد بن عبد الرحمن البشر

الحسد داء عضال ، اكتوى ويكتوي وسيكتوي بناره الكثير من بني البشر ، وضحاياه الحاسد وقد يكون المحسود ، ومن العجب أن الحاسد يقضي جل وقته في اقتفاء اثر الناس ، والبحث عن عيوبهم مضيعا بعضا من وقته في التفكير ، والعمل للإساءة إلى المحسود ، وهو بعمله هذا يشقي نفسه ويعذبها في غير ما مردود مادي أو معنوي قد يناله من جراء حسده ، إلا أنه قد يوهم نفسه ببعض الإشباع النفسي في حالة نجاح مآربه ، وهو إشباع روّض نفسه على قبوله ، وباب ترويض النفس على فعل الخير واستساغته واستلذاذه ، والبعد عن نقيضه باب واسع ، ومَنْ منَّ الله عليه بذلك فقد ينال بفعله خير الدنيا والدين ، لذا فترويض النفس بالبعد عن الحسد هو تمرين نفسي يحتاج إلى التدريب والمران ، ومزاولة ذلك وتطبيقه في الميدان بعد استيعاب الشق النظري والتمعن وترجيح العقل ، والغبطة غير الحسد ، فالغابط يتمنى أن يصل إلى رتبة المغبوط دون إلحاق الضرر به ، بينما الحاسد يتمنى زوال نعمة المحسود ، قال علي - رضي الله - عنه : لا راحة لحسود ، ولا إخاء لملوم ، ولا محب لسيئ خلق ،
وقال الحسن : ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من حاسد : نفس دائم ، وحزن لازم ، وغم لا ينفد ، وقال معاوية : كل الناس أقدر ان أرضيهم ، إلا حاسد نعمة ، فإنه لا يرضيه إلا زوالها ، وقال الشاعر :


كل العداوة قد ترجى مودتها
إلا عداوة من عداك عن حسد

وقال عبد الله بن مسعود : لا تعادوا نعم الله ، قيل له : ومن يعادي نعم الله؟ قال : الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ،
سئل بعض الحكماء : أي أعدائك لا تحب أن يعود صديقاً؟ قال : الحاسد الذي لا يرده إلى مودتي إلا زوال نعمتي ، والحاسد قد يكون فقيراً أو ثرياً ، وقد ينشأ التحاسد بين الفقراء ، أو قد يكون بين الأثرياء كما أن الحسد قد يكون من الفقير إلى الغني ، غير أن الحسد نادراً ما يكون من الثري إلى الفقير ، وكذلك في المناصب والوجاهات والفضائل جلها.
والحسد غالباً ما يكون بين ذوي الصنعة الواحدة ، أو قد يكون بين متباعدي المكان والمهنة ، إلا أنه يكون أكثر ما يكون بين الأقرباء والجيران ، ولذا كتب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى أبي موسى الأشعري : مُرْ ذوي القرابات أن يتزاوروا ولا يتجاوروا .. وقال أكثم بن صيفي : تباعدوا في الديار تقاربوا في المودة ، وقالوا : أزهد الناس في عالم أهله وغالباً ما يكون التنافس بين الأقارب راجعاً لكون المحسود قد نال قسطاً من العلم أو المال أو الجاه ، بينما عجز الحاسد عن بلوغه ، أو أن الحاسد قد نال هو أيضاً جزءاً من ذلك إلا أنه أراد أن يكون وحيد زمانه ، وكأن الأرض لا تتسع إلا لواحد من اثنين ، بينما قد يسر الله لبني البشر ووسع ، ففي هذه الدنيا مجال واسع لنجاح عدد جم من الناس ، فما هو الضرر من وجود أكثر من ناجح في نفس العائلة أو القرية ، لكنه الحسد والعياذ بالله.
قال ابن أبي الدنيا : بلغني عن عمر بن ذر أنه قال : اللهم من أرادنا بشر فاكفناه بأي حكميك شئت ، إما بتوبة وإما براحة ، وقال بعض الحكماء : ما أمحق للإيمان ولا أهتك للسر من الحسد ، وذلك أن الحاسد معاند لحكم الله ، باغ على عباده ، عات على ربه ، يعتد نعم الله نقماً ، ومزيده غيراً ، وعدل قضائه حيفاً ، للناس حال وله حال ، ليس يهدأ ليله ، ولا ينام جشعه ، ولا ينفعه عيشه ، محتقر لنعم الله عليه ، متسخط ما جرت به أقداره ، ولا تؤمن غوائله ، إن سالمتََه وَتَرَك ، وإن واصلته قطعك ، وإن صرمته سبقك ، وحسبنا قول الشاعر :


اصبر على كيد الحسود
فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها
إن لم تجد ما تأكله

قال عبد الملك بن مروان للحجاج : إنه ليس من أحد إلا وهو يعرف عيب نفسه ، فصف لي عيوبك : قال : أعفني يا أمير المؤمنين : قال لست أفعل : أنا لحوح ، لدود ، حقود ، حسود ، قال ما في إبليس شر من هذا ، ويمكن للمحسود أن يرد عنه الحسد إذا استطاع ، وذلك بعدم مجاراة الحاسد ، ومنافسته ، ومنازعته ، بل إن الأولى تركه ، والابتعاد عنه ، ودعاء الله أن يرد كيده ومكره ، كما أن مقابلة الحاسد بالجميل ، قد تلين قلبه قليلاً فيقل حسده إلا أنه لن يزول ، والابتعاد عن أسباب المفاخرة والتفاخر والتعالي قد تقلل من عدد الحساد ، كما تحد من عنف الحسد.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved