|
|
انت في
|
|
يمكننا أن نطلق على جيل الآباء بدون تردد أو زيف (الجيل الحديدي)؛ لأنه كان يتمتع بإرادة حديدية، ويتمتع بصبر أين منه صبر الجمال.. كان الجيل القديم يصنع نفسه بنفسه، يكافح ويجاهد ليل نهار لكسب لقمة عيشه بكرامة وصدق. كان يعمل ليل نهار دون ملل أو كلل، يحرث الأرض، ويربي الماشية، ويمارس التجارة، ويقطع الفيافي والقفار على قدميه أو على ظهر دابته، يتحمَّل الجوع والعطش، ويرضى بالقليل واليسير من الزاد. كان قليل الشكوى إلا لربه ومولاه. لا يعتمد على وساطة الآخرين وجهودهم، وإذا فعل ذلك ففي عملية تبادلية تكافلية، يأخذ بموجبها اليوم ويعطي غداً. جلسة قصيرة مع واحد من جيل الآباء الذين عاصروا فترة توحيد المملكة والعقود التي تلتها تعطينا فكرة واضحة عن عظمة ذلك الجيل وسمو قيمه وتقاليده وأعرافه، فرغم صعوبة الظروف وشح الموارد والإمكانات فقد كانوا أعداء لليأس والقنوط والاستسلام. يكفي أن نصحبهم في رحلة من رحلاتهم من نجد أو جبال السراة إلى الأماكن المقدسة في مكة أو المدينة، فقبل أن تأتي السيارات إلى المنطقة كانوا يسافرون على جمالهم وعلى أرجلهم في رحلة تستمر أسابيع، يتعرضون فيها للجوع والعطش والتعب، وأخطار الضواري والهوام والحشرات والزواحف القاتلة. ورغم هذا لا يستسلمون لما يعترضهم من عقبات وصعاب، يواصلون طريقهم إلى غاياتهم وأهدافهم في جلد وصبر وعزيمة قدّت من حديد. يكتفون بوجبة واحدة في اليوم والليلة، ويقطعون على الأرجل عشرات الكيلومترات. لا يتأوهون ولا يشتكون ولا يتململون. هذه الصلابة وذلك العزم كان ديدن الرجال والنساء والأطفال. فالمرأة كانت تكافح مع زوجها ليل نهار. في الزراعة والعناية بالماشية وحلبها وإعداد اللبن، وجلب الماء، والطبخ والنظافة والعناية بالمنزل.. لقد كانت المرأة تقوم بأعمال وأعباء تنوء بحملها الجبال، ولكنها مع زوجها وأطفالها يكافحون ويحفرون في الصخر ليعيشوا بكرامة. كان الأطفال ينضمون إلى قوة العمل عند بلوغ الخامسة من العمر، حيث يشاركون في رعي البهم، وفي العناية بالزراعة في الحدود التي يمكن لطاقاتهم المحدودة وأجسامهم الغضة الطرية تحمّلها، وإذا كبروا قليلاً شاركوا في رعي الغنم، وفي الصيد وفي أعمال الزراعة والتجارة. وكان كثير من الأطفال يقومون بهذه المهام بعد أن انضموا إلى المدارس. كانوا يقومون بها في العشية، فبعض الطلاب كان يحل واجباته المدرسية وهو يرعى الغنم، أو يقوم ببعض الأعمال الزراعية المتقطعة، فمشاركته ضرورية ولا جدال حولها. ولهذا كله استطاع ذلك الجيل أن يعتمد على نفسه، وأن ينتج أكثر احتياجاته من أدوات منزلية وزراعية ومواصلات وبناء وغير ذلك من متطلبات الحياة. كان - رغم شح موارده - يشعر أنه سيد نفسه، وأن لا أحد يستطيع لي ذراعه في أي وقت من الأوقات. |
![]()
[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة] |