Friday 22nd October,200411712العددالجمعة 8 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

أيتام حكموا العالم أيتام حكموا العالم
وسيلة محمود الحلبي

ترى هل اليتم صغيراً من الأب أو الأم أو من كليهما معاً دافع أساسي لخوض السياسة وقيادة مصائر الشعوب.. ثمة قاسم مشترك يجمع بين نسبة كبرى من الزعماء الذين احتلوا موقعاً متميزاً في سياسة مصير الإنسانية.. فمثلاً.. (المهاتا غاندي) و (نابليون) و (جنكيزخان) و (أتيلا) و (لينين) (وستالين) فقدوا آباءهم منذ كانوا أطفالاً.
بينما (هتلر) و (بوكاسا) وغيرهما يتامى لأب والأم، وكذلك (جورج واشنطن) و (فيدل كاسترو) و (فيلي برنت) كانوا أطفالاً غير شرعيين.
إن قراءة أي كتاب يحكي عن الأطفال المحرومين من حنان أحد الوالدين تلفت انتباه الشخص إلى مدى هول شعور الطفل بالكبت والحرمان، حيث يفقد أباه.. أو أمه.
ومن المؤكد أن ما يميز طفولة اليتامى الذين صاروا زعماء فيما بعد هو ذلك الشعور بالفراغ، وبالعدم الذي يلحق باليتيم حين يشعر بنفسه معزولاً عن البنيات التقليدية التي تؤمن اندماجه في مجمعه نتيجة إحساسه بفقدان حلقة بيولوجية وتاريخية (الأب أو الأم) كان من المفترض أن نؤمن ظروف تربيته (الحمد لله الذي جعلنا مسلمين متآخين).
وهذا ما يفسر قيام أزمة الهوية لدى الطفل، حسب سنه التي تكون بشكل أو بآخر، النقطة المشتركة لدى كبار العالم الذين تيتموا باكراً.
ويقول (علماء النفس) الذين انكبوا على هذه المسألة أنه غالباً ما يلجأ هؤلاء الأطفال إلى السياسة معتبرين هذا الميدان الوسيلة الفضلى لإقامة أو تغيير نظام سياسي، أو اجتماعي يتوافق مع مفهومهم للعالم.
فشعور الطفل بالإهمال الناتج عن وفاة أبيه أو غيابه أو ثورته على هذا الأب قد يحرر قوى دافعة لا تخضع للأنا الأعلى الموجود لدى كل إنسان.
ويرى (علماء النفس) أن هذا الشعور بالحرمان يؤدي غالباً إلى أحاسيس قلق وخوف تدفعه إلى ردود فعل عدوانية يمكن أن تؤدي حسب قدرات الطفل الوراثية ووسطه الاجتماعي ومستواه الثقافي إلى إرادة للسيطرة على المجتمع الذي يعتبره مسؤولاً عن موت أبيه.
وفي غياب الأب يسعى الطفل اليتيم بشكل لا شعوري إلى تحقيق مثال ينشده يكون قد استقاه من شخصية مثالية بحتة، أو من التاريخ، أو الحياة السياسية اليومية.
ويمكن له وحسب نوازعه الداخلية السمو بمثاله نحو قوة غير منظورة أو نحو مفهوم الوطن.
فمثلاً: الثائر الفرنسي (دانتون) الذي فقد أباه حين كان في الثانية من عمره والذي عكس مصيره على وطنه حين أصبح أحد قادة الثورة الفرنسية، قال في إحدى خطبه اللاهبة (إن الطفل ملك للوطن مثل أن يكون ملك أبيه).
ومثال (أدولف هتلر) الذي فقد أباه وحين كان في الثالثة عشرة من عمره يندرج في الخانة ذاتها، إذ قال سنة 1933م في مقابلة أجرتها معه صحيفة (نيويورك تايمز) يجب القضاء على الإنسانية الفردية، وقيادة الشعب نحو الأنانية الجماعية المقدسة التي تدعى (الوطن).
فمن الواضح أن (هتلر) وضع المثال في مفهوم الأب الذي لم يعرفه جيداً، ثم عكس هذا المثال على المجموعة البشرية التي أنتمي إليها واصفاً نفسه في صورة هذا المفهوم الأبوي، ومنصباً نفسه أباً للوطن بجملته، فيما أنه لم ينعم بالأب، وضع نفسه أباً للجماعة التي انتمى إليها.. وزعيماً ومنقذاً.
حين يغيب مثال الأب:
من المثير للعجب أن نظرة على بعض اليتامى الذين نشأوا في ظل أزمة غياب الأب وتوصلوا فيما بعد إلى القيادة، تبين أن منهم من خط صفحة إيجابية في تاريخ البشرية، ومنهم من لطخ هذا التاريخ بجوره وبطشه بعد أن نصب نفسه (أبا) لقومه وأطلق ليديه حرية التصرف حسب ما تراه شخصيته مناسباً.
وقبل (هتلر) عانى (نابليون بونابرت)عانى في طفولته من غياب الأب دائم الأسفار..وقد سيطر الطفل (نابليون) على أقرانه في أوقات اللهو، وتزعم عصابة أولا مشاغبين، بينما كان الاب غارقاً في ملذاته غير آبه بتربية ولده.
واقام (نابليون) خمس سنوات في مدرسة داخلية من دون أن يشاهد أهله، ولو مرة، وهناك حين كان في الرابعة عشرة من عمره علم بوفاة ابيه وقد توافقت هذه الفترة مع اشتداد حمية نابليون لقضية استقلال جزيرة (كورسيه) مسقط رأسه ذاهباً إلى حدود التمثل بهذه القضية.
وثمة تشابه بين مسيرة (نابليون) إلى الزعامة ومسيرة الجنرال (فرانسيسكو فرانكو) الذي حكم اسبانيا بيد من حديد طوال عشرات من السنين، فقد كان شديد الاحتقار لأبيه المغامر والعابث بينما اعتبر أمه قديسة.
وكان (فرانكو) الطفل شديد الخجل والانطواء، تمكن في الخامسة عشرة من عمره من الانتساب إلى المدرسة الحربية حيث وجد على الأرجح نوعاً من السعادة و (أجواء عائلية) طبعته حتى وفاته.
واستمر (فرانكو) على تجاهله لأبيه إلى أن مات هذا الاخير.
وكانت عدة سنوات قد مضت على انتصار الديكتاتور على الجمهوريين دون أن يحظى الأب بالتفاتة أو بكلمة من ابنه.
وقد اكتفى (فرانكو) بحضور قداس عن روح أبيه الراحل، وأرسل إلى المقبرة فرقة من حرس البحرية أدت له التحية.
ثم ما الذي دفع بامبراطور (افريقيا الوسطى) السابق (بوكاسا) إلى العودة إلى بلاده في الشتاء الماضي رغم علمه بما ينتظره هناك سوى شعوره (بأبوة شعبه؟) فهو كان في السادسة من عمره حين أعدمت السلطات والده وحين انتحرت أمه بعد ذلك بأيام فتربى في عهدة خاله.
وقد قاتل (بوكاسا) في الجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية تحت قيادة الجنرال الفرنسي (ديلانج) الذي كان يتلقى أوامره من الجنرال ديجول) مباشرة.
ومنذ تلك الفترة أفرد الكابتن (بوكاسا) اعجاباً منقطع النظير (بديجول) حيث كان يعتبره أباً له.
وبعد استيلائه على الحكم في أفريقيا الوسطى عام 1966م قرر بوكاسا عام 1977م تنصيب نفسه أمبراطوراً مطلق العنان لسطوة كبيرة حقق عبرها أحلامه في سلطته لا ينازعه عليها أحد، شبيهة- حسب علماء النفس- بسلطة الأب على أطفاله. وكان من الزعماء النادرين الذين كانوا يفرجون عن النساء السجينات بمناسبة (عيد الأم)، وفي الوقت نفسه لا يتردد في الضرب بيد من حديد على كل من يعارض سلطته.
عادل أو ديكتاتور:
أما المستشار الألماني السابق (فيلي برانت) فقد كان طفلاً غير شرعي أشرفت أمه بمفردها على تربيته، واستحقت منه شديد الاحترام والولاء بينما لم يحاول فيما بعد معرفة هوية والده، واللافت للنظر في رجل الدولة هذا هجرته إلى (النرويج) حين استولى النازيون على الحكم في ألمانيا وعودته إلى بلاده بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة 1945م.
وكان قد بدل اسمه وتزوج من نرويجية، وكأنه بذلك أراد منح نفسه هوية جديدة، ورغم كل ما حققه (فيلي برانت) من نجاح خلال ممارسته السلطة العليا في ألمانيا الغربية لم يأت أبداً على ذكر طفولته التعيسة.
وحين سأله أحد الصحافيين عن هذه المرحلة من حياته رفض المستشار الإجابة مكتفيا ًبالقول: إن الوقت لم يحن بعد للحديث عن هذا الموضوع، وكان يؤكد على عمق الجرح الذي أصابه بسبب غياب أبيه.
* ويعتبر مثال (لينين) خير دليل على تمثل الولد بأبيه أو بأحد أفراد العائلة لدى غياب هذا الأب وتحقيق ما لم يتمكن هذا المثال من تحقيقه.
فقد مات أبوه حين كان في الخامسة عشرة من عمره، مما دفعه إلى اعتماد شقيقه الأكبر مثالاً، لكن سرعان ما عظم هذا المثال حيث أعدم الشقيق بعد أن شارك في انتفاضة فاشلة ضد النظام العسكري في روسيا.
وقد قال (لينين) فيما بعد إن موت أخي قد رسم طريقي، وبالفعل ساهمت هذه المأساة في شق (لينين) لطريقه السياسي حتى حقق الثورة في بلاده، وهي الثورة التي فشل أخوه في تحقيقها.
وقد لاحظ المقربون من (لينين) أن عدائيته للنظام العسكري قد برزت بحدة شديدة منذ موت هذ الأخ، وتمتد لائحة السياسيين اليتامى إلى حدود لا حصر لها يجمعهم عامل الانتقاد منذ سن مبكرة لسلطة الأب الحقيقية القائمة على الرأفة والصراحة في آن واحد.
ونتيجة هذا الحرمان وبحسب الصورة المثالية التي شكلها هؤلاء الأطفال في نفوسهم جاء سلوكهم حين وصلوا إلى السلطة.
فمنهم من اصطبغت سياسته بالحكمة والديمقراطية بعد أن كان مثاله إشاعة العدل الذي حرم منه حين كان طفلاً.
ومنهم من شاء الانتقام لحرمانه المبكر، فجاء سلوكه في السلطة مشبعا بالقسوة والرعونة، يضطهد شعبه، وفي ظنه أن هذه القسوة هي لصالح هذا الشعب الذي ربما يحمله بشكل لا شعوري ذنب الحرمان الذي أصابه في طفولته حيث افتقد أباه أو أمه أو الاثنين معاً.
* وبعد.. إنه اليتم .. ونحمد الله إننا مسلمون وأن ديننا الإسلامي الحنيف أعطى اليتيم حقه قال تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ } سورة الضحى (9)
وأكبر مثال على المودة والرأفة نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- (اليتيم) الذي احتضنه عمه أبو طالب بكل الرعاية والحماية والرأفة والمحبة.
وديننا الإسلامي الحنيف مليء بالطيبين والطيبات الذين يرعون اليتامى ويحتضونهم بكل حب ورحمة.. وما أكثر دور الأيتام المنتشرة في البلاد العربية وخاصة في مملكتنا الغالية، وما تحظى به من عناية ورعاية من لدن ولاة الأمر الكرام.
لحظة عطاء:


ليس اليتيم من انتهى أبواه
إن اليتيم من له أما تخلتْ أو أباً مشغولا

وما أكثر الأيتام من هذا النوع انظروا حولكم.. أليس كذلك؟!!
عن كتاب غرائب من العالم
للتواصل: تليفاكس 2317743 ص.ب 40799 الرياض 11511


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved