Wednesday 27th October,200411717العددالاربعاء 13 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

أتقتل في الحرم، وتغمص الفتيا...؟ أتقتل في الحرم، وتغمص الفتيا...؟
عبد الله بن ثاني

ذكر المبرد في كتابه النفيس (الكامل) باباً من أخبار الخوارج وذكر فيه قصة قتلهم عبد الله بن خباب وهو من أصحاب أبي الحسن رضي الله عنه وقد لقيهم وفي عنقه مصحف ومعه امرأته وهي حامل فقالوا له إن هذا الذي في عنقك يأمرنا أن نقتلك قال ما أحيا القرآن فأحيوه وما أماته القرآن فأميتوه. ومن الأسئلة التي امتحنوه بها ما تقول في الحكومة والتحكيم؟ قال أقول إن علياً أعلم بكتاب الله منكم، وأشد توقياً على دينه، وأنفذ بصيرة. قالوا إنك لست تتبع الهدى إنما تتبع الرجال على أسمائها ثم قرَّبوه إلى شاطئ النهر فذبحوه فامذقّر دمه، أي جرى مستطيلاً على دقّة... وساموا رجلاً نصرانياً على نخلة له فقال هي لكم، فقالوا ما كنا لنأخذها إلا بثمن قال ما أعجب هذا، تقتلون مثل عبد الله بن خباب ولا تقبلون منا نخلة إلا بثمن...
وهذه اللوثة في فكر الخوارج هي التي جعلتهم يتناقضون ويعيشون مضطربين بسبب الحيرة والجهل، فهم يفرون من الذنوب ومن ذلك الكذب مثلاً حتى قبلت رواية عمران بن حطان لحديث رسول الله وهو من رجال البخاري إلى أكبر الكبائر حينما اقترفوا إراقة الدماء وعبثوا بالأمن والضرورات الخمس التي أمرت الشرائع بحفظها. قال الإمام أحمد في المسند: (حدثنا الحشرج بن نباتة العبسي كوفي حدثنا سعيد بن جمهان، قال أتيت عبد الله بن أبي أوفى وهو محجوب البصرة، فسلّمت عليه، قال لي: من أنت؟ فقلت أنا سعيد بن جمهان قال فما فعل والدك؟ قال: قلت: قتلته الأزارقة - وهم أتباع نافع بن الأزرق من رؤوس الخوارج - قال لعن الله الأزارقة، لعن الله الأزارقة، حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كلاب النار. قال قلت الأزارقة وحدهم، أم الخوارج كلها؟ قال بلى الخوارج كلها. قال: قلت: فإن السلطان يظلم الناس ويفعل بهم، قال فتناول يدي فغمزها بيده غمزة شديدة ثم قال: ويحك يا ابن جمهان عليك بالسواد الأعظم، إن كان السلطان يسمع منك، فأته في بيته، فأخبره بما تعلم، فإن قبل منك وإلا فدعه، فإنك لست بأعلم منه). والمتأمل في زمننا هذا حال هؤلاء الخوارج الحدثاء الذين استحلوا الدماء والأموال واحترفوا الكذب على الولاة والعلماء ورجال الأمن في بعض الأجهزة الأمنية في سبيل تحقيق هدفهم الباطل يجدهم بعبثهم وجهلهم ولصوصيتهم أقرب إلى قطَّاع الطريق من الخوارج مع أنهم يتفقون معهم في قضايا التكفير والخروج ويختلفون عنهم إذ لا منعة لهم وليسوا متحيّزين إلى جهة معلومة، وكان هذا نتيجة الخلايا السرية التي تربوا عليها على يد من لا يرقب في مؤمن إلاً ولا ذمة ممن تأثر بالفكر الوافد، بل إنه يلتمس الأعذار لمن لا عذر له، ويذكر نصوصاً لا علاقة لها بواقعهم وواقعنا، مردداً بكثرة في وسائل الإعلام التأويل السائغ وغير السائغ وهو يتجاهل قول شيخ الإسلام ابن تيمية (وأما ما يقع من ظلمهم وجورهم بتأويل سائغ أو غير سائغ فلا يجوز أن يزال لما فيه من ظلم وجور كما هو عادة أكثر النفوس تزيل الشر بما هو أشر منه وتزيل العدوان بما هو أعدى منه، فالخروج عليهم يوجب من الظلم والفساد أكثر من ظلمهم، فيصبر عليه)، فهو لا يبحث عن الحق ولا يؤمن بالأدلة الصحيحة الواردة في هذا المنهج ولا يرى ما رآه السلف الصالح في قراءاتهم المبنية على جلب المصلحة ودرء المفسدة بعد فتنة ابن الأشعث وما وقع فيها على يد بعض طلبة العلم، وكأنه ممن يقصده المبرد حينما قال: (وكان عددهم ستة آلاف، وكان منهم بالكوفة زهاء ألفين ممن يسر أمره ولم يشهد الحرب)، فهو مكابر بهواه ينازع الأمة استقرارها، مطلع على الأدلة العقلية والنقلية، لكن الشيطان زيَّن له سوء عمله فرآه حسنا، وكأنه من الأخسرين أعمالاً الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعا، مغرور يباهي برعاعه الناس، ويختلف في حالته الشوهاء عن أسلافه من الخوارج القدماء الذين رجعوا للحق المبين حينما تبيَّن لهم الدليل على يد ابن عباس، مع أننا لا نغفل حق من رجع وتاب وآمن وأعلن توبته وتراجعه فجزاه الله خيراً عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأهلاً به إلى أهل السنة والجماعة لأنه حقق شروط التوبة وزاد عليها الشرط الرابع في توبة المبتدع وهو الإعلان أمام الناس.. ونصوص السلف الصالح التائبين كثيرة بعد وقوفهم على الحق.. بل إن الغمز واللمز في جهات الفتوى التي لا توافق عبثهم ووجهة نظرهم التي لا تتجاوز أرنبة الأنف بسبب أنها سد منيع وحاجز حصين أمام تحقيق هدفهم ولذلك يهاجمونها ويقلِّلون من شأنها ويتهمون أصحابها بالمداهنة والارتزاق ظلماً وعدوانا.. وإليكم الدليل الذي ذكره المبرد مستطرداً في باب الخوارج قائلاً: جاء رجل أعرابي إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال إني أصبت ظبياً وأنا محرم؟ فالتفت عمر إلى عبد الرحمن بن عوف، فقال قل: فقال عبد الرحمن رضي الله عنه يهدي شاة، فقال عمر أهد شاة، فقال الأعرابي والله ما درى أمير المؤمنين ما فيها حتى استفتى غيره. فخفقه عمر رضوان الله عليه بالدرة، وقال: أتقتل في الحرم وتغمص الفتيا.. إن الله عزَّ وجلَّ يقول: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ}، فأنا عمر بن الخطاب وهذا عبد الرحمن بن عوف. ولم يأذن الله جلَّ وعلا بصيد الحيوانات في هذا المكان الطاهر، ولم يسمح لنبيه بالقتال فيه إلا ساعة من نهار، وهؤلاء قتلوا في الحرم وأراقوا الدماء المعصومة وروَّعوا الآمنين وزوّار البيت المشرَّف في صورة تعطي نمطاً مختلفاً عن الخوارج القدماء فهم رجال - وإن كانوا على ضلالتهم وبدعتهم - يكثرون من الصلاة وقراءة القرآن، إلا أنهم لم يلبسوا الباروكات الملوَّنة، ولم يتركوا أصحابهم ينزفون حتى الموت، ولم يرتدوا الملابس النسائية، ولم يتترسوا بنسائهم وأطفالهم، وقد بيَّنت اعترافات التائبين في برنامج الخلية أنهم يعبثون بالعبادة التي حافظ عليها أسلافهم الخوارج القدماء، فهم أشر وأخطر إلا أن الحمد كل الحمد لله الذي بيَّن للعالم أجمع أن مجتمعنا بفئاته لا تزعزعه الأعاصير ولا تنال منه الأهواء لأنه مجتمع كالجسد الواحد، تصقله الحوادث فيخرج من بينها سليماً معافى بدعوات المسلمين وحسن نواياهم وسلامة صدورهم. ولقد قرأت خبراً يبيِّن الوعي الوطني لدى هذا المجتمع، وقد نُشر في صحيفة الجزيرة يوم (10-9- 1425هـ) عندما أوضح أحد المواطنين من أهالي محافظة الخرج أن الجناة الذين تم إلقاء القبض عليهم في الدلم خلال الأيام الماضية استولوا على سيارته تحت تهديد السلاح وذلك في محطة الصواري الواقعة بالرغيب بالدلم الساعة التاسعة مساء يوم الاثنين الماضي، حيث أشهر أحد الجناة رشاشاً كلاشنكوف وهو يرتدي ملابس رياضية ولا يتجاوز الـ 35 سنة من العمر في وجهي قائلاً: ابتعد عن السيارة وإلا قتلتك وخوفاً على حياتي ابتعدت وعرفت على الفور أن هذا الرجل إرهابي ومطلوب أمنياً وقمت بالاتصال من جوالي على أمن الطرق والشرطة وأبلغتهم بالأمر وبعد مطاردة استمرت حوالي 30 دقيقة تم القبض على الإرهابي.
اللهم إنا نسألك في هذا الشهر الكريم بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تحفظ علينا أمننا واستقرارنا وتغفر لمن قتلته هذه الفئة الخارجة من إخواننا رجال الأمن الشرفاء، مظلوماً مقبلاً غير مدبر، سمعاً وطاعة لك بطاعة إمام المسلمين وحفاظاً على الضرورات الخمس التي أمرت بحفظها، اللهم نقّهم من الذنوب والخطايا كما ينقَّى الثوب الأبيض من الدنس واغسلهم بالماء والثلج والبرد واجعل قبورهم روضة من رياض الجنة وألهم أهليهم الصبر والسلوان وأخلفهم خيراً، اللهم تقبّلهم في زمرة الشهداء وجازهم بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً، إنك كريم جواد آمين آمين.. والله من وراء القصد.

الإمارات العربية المتحدة


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved