Wednesday 27th October,200411717العددالاربعاء 13 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

البوارح البوارح
ثقافة الصوم
د. دلال بنت مخلد الحربي

قدم شهر رمضان بروحانيته الكريمة، وفضله الكثير، ومعاني الخير بكافة أنواعه وسبله من فعل وقول مما يثمر في الدنيا والآخرة، وفوق ذلك مغفرة وأجر لمن نجح في اجتياز اختبار هذا الشهر.
والمشاعر التي تختلج كل نفس مسلمة في هذا الشهر الفضيل لا يدركها حق الإدراك إلا من فهم وطبق ثقافة الصوم الحقيقية، فهي باعث للجد، وحافزة للهمم، وتحدٍ لروتين يومي سار عليه الشخص مدة عام كامل، فإذا به في هذا الشهر - من المفترض - أن يكون عليه مع امتناع عن ممارسات غذائية وسلوكية معينة، وأن يسلك طرقاً وسبلاً للتقرب إلى الله، وهي طرق سهلة ممتعة فيها راحة للنفس والبدن منها الصلاة وقراءة القرآن والدعاء والصدقة وغيرها.
وبركة هذا الشهر كبيرة، فكل عمل صالح يتبارك بحول الله، وهي بركة يمتد تأثيرها على الطرفين المعطي والمتلقي، والبركة تمتد لتشمل كل عمل وفعل صغيراً كان أم كبيراً، وقد كان الأسلاف الأوائل على إدراك تام لمعاني رمضان القيمة، وأكثر إدراكاً لمعنى بركة رمضان الذي زاد من حماسهم فكانت معظم إنجازاتهم التوسعية في هذا الشهر الكريم في سياق منظومة رائعة من فتح وبناء وعمل نشط على مدى قرون عدة، جعلت قامة المسلم ترتفع اعتزازاً وفخراً بما حققه من مكاسب ونصر تميَّز بها عن غيره فساد الدنيا بقوته وحضارته.
ومن المؤسف أن هذا الإرث ومفهوم لغة العمل غابا عن ثقافتنا المعاصرة المتعلقة بالشهر الكريم مع غياب معانٍ كثيرة في حياة المسلم، فحدث شرخ في مفهوم الصوم لدينا:
فرمضان ... هو شهر تقليص ساعات العمل والدراسة.
ورمضان... هو شهر السهر مع القنوات الفضائية والخيام الرمضانية.
ورمضان... هو شهر تظهر فيه أصناف عديدة من الأكل تمتلئ بها الموائد.
ورمضان هو... وهو... وكل ممارسات خاطئة تبعد المسلم عن معنى رمضان.
هذه الثقافة ديدن حالنا في رمضان، وهي مما لا شك فيه سلوكيات غير مقبولة في أي شهر من شهور العام فما بالك في شهر الخير والبركة والمغفرة.
هذا الفهم الخاطئ والالتباس غير البعيد عن مفارقة المسلم لحقيقة الصوم والتي لا تعني فقط الصوم عن الأكل والشرب، لكنها ممارسة روحانية وجسدية ونفسية في منتهى النقاء والصفاء والإصرار والإنجاز.
ووفق هذه الثقافة، وهي ثقافة الكسل في رمضان نلاحظ في كل عام تطاير الأقاويل والإشاعات عن منح إجازة في رمضان للطلاب والطالبات أو تقليص أسابيع الدراسة فيه، ولعل الإشاعة الأخيرة التي انتشرت في المجتمع كانت قوية إلى درجة التصديق مما حدا بوزير التربية والتعليم الدكتور محمد الرشيد إلى نفيها مشدداً على ضرورة إزالة التعتيم من أذهان الطلاب بأن رمضان هو شهر للجد لا للكسل، موضحاً أن الدول العربية والإسلامية الأخرى لا تغيّر من برامجها الدراسية ومواعيدها في رمضان حيث تبدأ الدراسة في وقت مبكر وتنتهي حسب مواعيدها المقررة لها في المعتاد.
وتصريح معالي الوزير مع ما يحمله من توجيه للطلاب، وكذلك للقائمين على العملية التعليمية والتربوية بضرورة ترسيخ مفهوم الصوم في رمضان الذي يدعو للنشاط لا للخمول، إلا أنه يحمل معه توضيحاً لواقع مدارسنا ودراستنا في رمضان، فالدول الأخرى تُبقي مواعيدها السابقة في رمضان نفسها دون تغيير، في حين أننا نغيّر هذه المواعيد، ونقلّص عدد الساعات مما يعني أن هذا الفعل هو جزء من تعميق المفهوم الخاطئ لدينا عن رمضان.
وبالتالي فإن كنا نريد أن نعزز في أبنائنا معنى الصوم والعمل في رمضان، فالمطلوب إبقاء مواعيد الدراسة وزمنها في رمضان على منوالها السابق دون تغيير ليدرك الطالب أن هذا الشهر كغيره، بل إنه أكثر تحفيزاً من غيره لارتباطه بأفعال يقوم بها الصائم العابد مما يخلق عنده تطوراً ووعياً بثقافة الصوم الحقيقية.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved