إسرائيل تتربص بعرفات المريض

في غمرة الملابسات الخاصة بمرض الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ، أصرت إسرائيل على أن تتجاوز الموقف الإنساني ومشاعر الفلسطينيين وغيرهم من العرب والمسلمين ، الذين يتابعون الوضع الصحي لعرفات لتذكير الجميع بأنها لا تلقي بالا لما يحدث .. مشيرة إلى أنها مستعدة لإعادة الحوار مع الفلسطينيين في حال وفاة عرفات ، وهي بذلك تؤكد صورتها ككيان شاذ على الخارطة الإنسانية ، لا يرتبط من قريب أو بعيد بما يتعارف عليه المجتمع الدولي من روابط تنبع أساسا من القيم الإنسانية العليا.
وبينما انشغل الجميع بالأوضاع الفلسطينية المتمحورة حول وضع عرفات الصحي واحتمالات تطور هذا الوضع ، خصوصا فيما يتصل بالعلاج وإمكانية توفره في الداخل والبدائل في حال استحالة ذلك ، دخلت إسرائيل على خط التوقعات وألقمت الجميع تصريحا آخر من تصريحاتها الشاذة عندما قالت إنها مستعدة للسماح لعرفات بالمغادرة إلى اي مكان ، لكنها لا تضمن مسألة عودته .. ويعني ذلك أن إسرائيل تضع خيارات صعبة أمام رجل يواجه أهوال المرض في ظروف غاية في الصعوبة ، بينما كانت التقارير تتواتر عن أن عرفات يمر بوضع صحي حرج ، وانه قد يحتاج إلى مغادرة مقر المقاطعة في رام الله ، حيث يقيم محاصرا بالقوات الإسرائيلية منذ بضعة أعوام.
ومن الواضح أن طبيعة إسرائيل العدوانية لا ترتبط فقط بوجود أو ذهاب عرفات ، فهذه الحالة الشاذة متأصلة في مسلكها العام وهي لا تستطيع منها فكاكا ، فإسرائيل كيان قائم على العدوان ، وكل ما يصدر عنها نابع من روح عدوانية شرسة.
أما وعودها بشأن استئناف الحوار مع الفلسطينيين في غياب عرفات ، فهي محاولة منها للقول للعالم إن مسيرة السلام متوقفة لان عرفات هو الذي يعرقل انطلاقتها ، لكن العالم اجمع يعرف أن السلام يموت كل يوم تحت هدير الدبابات وأزيز الطائرات الحربية ، التي لا تكف عن ارتكاب المذابح ضد أبناء الشعب الفلسطيني ، فضلا عن إصرار إسرائيل على الاحتفاظ بالأراضي التي تنص كل خطط السلام على أنها مخصصة لإقامة الدولة الفلسطينية ، ويكفي الإشارة إلى معارضة إسرائيل الإرادة الدولية الرافضة لإقامة السور العازل الذي يقتطع مساحات شاسعة من أراضي الضفة ويضمها إلى إسرائيل ..
والمشكلة أن إسرائيل تفعل كل ذلك دون أن تخضع للعقاب ، مما يشجعها على تصعيد لهجتها وتصرفاتها العدوانية ، ومما يجعلها تجهر بهذه التصريحات بشأن عرفات في الوقت الذي يعاني فيه الرجل من المرض .
وقد اثبت الشعب الفلسطيني أن المشكلة ليست في عرفات لكنها دائما في إسرائيل ، فالتظاهرات التي خرجت في غزة غداة مرض عرفات مؤيدة له ، تؤكد أن الشعب الفلسطيني كله يرفض هذا الخداع الإسرائيلي الذي يحمل عرفات مسؤولية عرقلة مسيرة السلام.