Friday 3rd December,200411754العددالجمعة 21 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الثقافية"

قصة قصيرة قصة قصيرة
القصة (1)
فاطمة عبدالله النويصر

تمللت كثيراً من هذا.. السؤال.. الذي طالما.. تردد على شفاها.. لماذا الناس يفكرون.. بصور غيرهم.. وهم يدركون أن أنفسهم.. لم تسأل بعد.. يعيد التساؤل طرحه.. كثيراً.. وتبقى استفهامات.. من حولها.. لا تكف.. عن شخصها.. سكناتها.. طوافها.. حالها.. أينما تكون.. وتظل هذه.. الأعين.. والألسن.. تعبث.. بأوضاعها.. استقرارها.. بل حتى شجونها تصطادها.. مهما حاولت الهروب.. وحينما تستقر.. يتعب تفكيرها.. وتنشل تحكماتها.. فلم هذا التسلط.. وهي لا تحمل أي اختلاف..
هند.. امرأة عاقلة.. متزنة.. ذكية.. ذات ملامح جذابة.. رائعة.. في اختيار ما يناسبها.. في كل شيء.. تحب أن تصل إلى.. ما تريد.. بحذر وهدوء.. أكملت.. جزءًا من دراستها.. وقتها وجدت نفسها.. تلتحق بعالم جديد.. عليها أن تتهيأ.. للعيش فيه.. وهي المستسلمة لواقعها المفروض.. فلم يُسمح لها.. حتى رؤية وجهه.. أو سماع صوته.. ومضت.. تستعد.. عنوةً.. ورضوخاً.. كانت الفترة لا تتجاوز الشهرين.. لكي تمضي.. إلى ذيك الحياة.. وانتهت أيام الاستعداد.. كحلم سريع.. لا يتضح منه شيء.. ولا يؤخذ منه.. تمييز.. وجدت نفسها.. أمامه.. دون أن تعيش حتى ملامحه.. أحست وكأن.. شيئاً.. بداخلها.. يصرخ.. يستغيث .. ولكن بمن؟!.. ومضى هو.. بين فرِح ومتعجب.. ومنذل ولم يكترث.. أبداً.. بل أيقن أنه.. ضمن اللحظة.. والمستقبل.. دون عناء.. يا الله.. ما هذا الحس الذي.. يعتصرها.. ألماً وهلعاً.. وانهياراً.. لا يدري به غيرها.. ولا يبتلعه سواها.. واحتسبت .. كل آهاتها.. إلى حيث لا تعلم.
ومرت أيام.. لا تستطع أن تقاوم.. شعورها.. أو تبدله.. لا يمكنها ذلك.. مستبعد.. أن يقفز.. هذا الباطن.. إلى لوعة أكبر وأمر.. وفي نفس الوقت.. يستحيل.. استمراره..
اقترب منها.. كثيراً.. تودد إليها.. تمالك ردود فعله.. معها.. حاول.. أن يكون شيئاً آخر.. أمامها.. لكنها عجزت.. باطنها.. يصر أن يعيش ملكاته.. وواقعه ومع الوقت.. يزداد.. التوجع.. وتستمر الآه.. وتبكي الروح.. حتى تستقر إلى الأمس.. والمرارة.. ثانية.. ليتها تمتلك.. تبديل هذا الشعور أو توطينه.. إلى البعيد.. وتغييبه عنها.. حاولت.. لم تقدر.. فالمكنون يرفض.. ويحمل لوعة لن.. تستميت.. وبكل.. صدق.. عجزت عن مجاملته.. وبجميع دوافعها.. فشلت.. أن تكون معه..
لماذا هو لا يدرك.. لم لا يهتم.. وكيف يفهم.. وإلى متى يتغافل؟ فكلما تناوبت الأيام.. تشبث الهم.. واحتواها..
كان شخصه لا يعني لها.. أي شيء.. غير ألم.. تكنه.. وتعيشه غير فجعة.. توسدتها.. منذ عرفته.. وليس إلا.. صنوف.. من المواجع المتلاحقة.. والتي خلالها.. لا تستكين.. واغتالت أي منافذ.. للفرح.. بكت كثيراً.. استمر بكاؤها.. حتى أن البكاء.. اشتكاها إلى نفسها فتوسلت إليه.. وبقيا صديقين..
انزوت.. تحكي.. مع فكرها.. عن عالم الرجال.. استوحى لها.. أنه ليس ببعيد عن.. عالم.. الأدغال..
وبكل وهن.. تسكنه.. بل وتمارسه.. وتستقبل منه.. ألوان الوحشية.. والاستيلاء.. وكلما اشتد.. عناؤها.. تمنت لو كانت داخل.. غابة من الأدغال.. الحقيقية.. تستبيح لهم أجزاءها.. حتى تنتهي.. وتسعد.. روحها.. بالخفاء.. ولطالما ترجت ذلك..
وفي كل الأيام.. يدخل عليها.. غاضبة.. يجدها كارهة.. حتى نسيمه معها.. تستقبله وهي تمتهن.. الخداع.. والتمثيل.. تحاوره وهي.. تمتزج.. قهراً.. واستياء..
تمشي طريقه.. وهي تتمناه.. أن يتقدم عنها.. وتثبت خطاها.. لا تتحرك..
حاولت.. أن تتغاضى.. عن حسها.. لتولد صيغة أخرى.. لشعورها.. سلكت.. منافذ.. عدة.. كي يغور.. وجدانها.. إلى العدم.. وكررت مراراً.. لعلها.. تحيي.. عاطفة.. من رميم.. وفي كل مرة.. ينزلق.. رجاؤها.. للأسوأ.. والأمرّ.. فكيف حال.. من يعيش.. بلا شريك.. وهو معه.. وبلا مشاعر.. ترفض الوجود..
ضاقت بها.. الأرض بما رحبت.. وأخذت.. تحاسب نفسها.. لم صبرت وكيف ضاعت.. السنون.. من عمرها.. عجفاً.. وإذلال.. دون رحمة أو إنقاذ.. فهي التي لم تنقذ.. حالها.. وتلوم من لم.. يتعاطف معها.. وكل.. ماضيها.. رضخت له.. لم تواجهه.. كما يجب.. كان تأثير الأهل وحكمهم.. أقوى.. وأبقى.. وهي التي كانت.. تشتكي إليهم كثيراً..
وشرحت.. صبرها.. تكراراً.. وفي كل مرة.. يصرون.. أن تعود.. فالحياة.. هكذا.. وغيرها.. يستحيل.. وبواطنها.. لا مجال للحديث فيها فليس غير.. الرضا.. يكون.. ولا بعد الاستسلام.. يهون..
فهم .. في أول حياتها.. استنكروا عليها.. الاستعجال.. والآن.. أصبح لها.. أسرة.. كيف تتخلى عنها.. وخلال هذا كله.. غاب الاشتراك بدواخل الأشياء.. وغابت معه الآمال.. والتطلعات..
تلك.. هند.. في مجمل حياتها.. حين وجدت روحها.. تفقد الود.. والرحمة.. والآن.. وقد مضى هذا العمر.. وتاهت أحلامها.. وتناثرت مشاعرها بين.. لوعة.. واختفاء.. بين وحشة.. وعناء.. بين شموخ وولاء.. تنساب عاطفتها الكاذبة.. حينما لا تريد.. وتضمحل حينما تلتهب.. أحاسيسها.. ولعاً.. ووفاء.. تبتسم.. إن أرادت أن لا تعيش.. ويجتاحها البكاء.. إن زارها الأمل.. ولكم تساءلت كثيراً.. أين هذا الشريك.. ألا يشعر بالبقاء.. إذ هو يختلف عن الفناء.. وتبرهن لنفسها أن صحته.. سبب البلاء..
وفي مرة.. حين اختلت هند.. بنفسها.. جلست وتناولت.. أحد الكتب.. طالعته.. وتوقفت.. عند ذيك الصفحة.. التي احتوتها وكأن شخصاً ما.. يحدثها.. يراسلها.. يفتش عنها.. كي تقرأ حكايتها.. مسطورة هنا.. كما هي.. انبهرت بكل عمق.. في ذهنها.. واستوت.. في جلستها.. تعيد هذه المطالعة.. لتستيقين.. أن أحداً .. قد كتب عنها.. واستبعدت ذلك.. وتذكرت احتمال.. أن امرأة أخرى.. تعيش مصيرها.. وربما غيرها.. الكثيرات.. وأخذت تعيد.. قراءة القصة وهي.. تخال.. أن صورتها.. بكل أساها.. قد لوحت.. بين الأسطر وغرزت على الأحرف.. وتفاصيل مكنونها.. قد وزعت على هذه الصفحات.. ضمت الكتاب.. إلى صدرها.. ذابت روحها.. في دواخله.. وكأن روحاً أخرى.. تتوسد.. يديها.. تريثت.. في جلستها.. وتبينت أن رموزاً جلية تعنيها هنا.. عادت إليها.. وجدت في نهايتها..
بوحاً.. يناشدها.. أن تكون.. كما هي بطلة القصة.. ولكن كيف يمكنها.. أن تفعل.. وهي من كتبت.. يوماً.. روايتها دون أن تضع.. نهاية.. أو سبيل..

(*)الرياض


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved