Friday 3rd December,200411754العددالجمعة 21 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "أفاق اسلامية"

طرحوا عدداً من الآليات والوسائل لحماية الشباب من الغلو والتطرف.. أكاديميون ودعاة لـ «الجزيرة»: طرحوا عدداً من الآليات والوسائل لحماية الشباب من الغلو والتطرف.. أكاديميون ودعاة لـ «الجزيرة»:
غرس القيم الإيمانية في النفوس خير علاج لانحراف المفاهيم وطيش العواطف

* الجزيرة - خاص:
غرس القيم الإيمانية، وترسيخها في النفوس، من خلال تعميق الإيمان بالله تعالى، هي جوهر المنهج الإسلامي في التربية، وحماية المجتمع المسلم من انحراف المفاهيم، وخطأ الممارسات التي عانت منها كثير من المجتمعات المسلمة في السنوات الأخيرة، بظهور دعاوى التكفير والتفسيق والتصنيفات، أو السلبية والانعزال عن حركة المجتمع.
فما هو السبيل لغرس هذه القيم الإيمانية للتخلص من الفوضى والعشوائية، والاندفاع العاطفي، والانفعالات الطائشة، وما يترتب عليها من أضرار؟ طرحنا تلك القضية على عددٍ من الأكاديميين والدعاة، فكان هذا التحقيق.
في البداية يقول د.حسن بن محمد باجودة الأستاذ بجامعة أم القرى: إذا نحن نظرنا إلى حال بعض شبابنا هذه الأيام، وإلى ما اتصف به بعضهم من تطرفٍ وغلو، وفتّشنا عن بعض أنواع العلاج المناسب والفعّال، نجد أن هذا الشباب بحاجة إلى أن يلتقي تباعاً بفريق من الأساتذة، والشيوخ المعروفين بلين العريكة، وحُسن العشرة، وعذب المنطق، وسعة الأفق، وهي مجموعة من النعوت خير ما يعبر عنها بالحلم.
وهؤلاء الشيوخ الأجلاء، وهم كُثر بفضل الله تعالى في هذه البلاد الطيبة، بحاجة إلى أن يلتقي بهم في الجامعات، وفي المدارس، وفي النوادي، وفي القاعات العامة، الشباب بمختلف اهتماماته وتوجهاته، وأمثال هذه اللقاءات من أنجع الوسائل بإذن الله تعالى لإزالة ما قد يكون قد علق بأذهان هؤلاء الشباب من أفكارٍ غير صحيحة، وفي نفوسهم من توجهات غير مريحة.
غزو فكري
ويضيف د.باجودة، ولا يُخفى على عاقل ما يتعرض له الشباب من غزو فكري، عن طريق ملء العقول بكل غث، والانحراف بالنفوس عن الصراط المستقيم إلى مهاوي الردى، بدغدغة العواطف، عن طريق وسائل الإعلام المرئية، والمسموعة، والمقروءة، فعلى سبيل المثال: ليس من النادر أن تسمع أن الشباب في وقتٍ من الأوقات كانوا يؤمون المساجد لصلاة الجمعة في وقتٍ مبكر، وما لبث أن نقص عددهم تدريجياً حتى كاد يختفي، وتبحث عن السبب فتتبين أن بعض شياطين الإنس قد أوحى لهم شياطين الجن والإنس بأن يذيعوا في ذلك الوقت بالذات بعض المواد المهيجة للشهوات كي ينشغل بها الشباب، ويتكاسل عن القيام بواجباته تجاه ربه جل وعلا، ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم عن أمته، ومثل هذا الصدأ الذي ران على النفوس بحاجة إلى أن يزيله بإذن الله تعالى، أولئك الشيوخ الربانيون الذين يربون الشباب تدريجياً، والذين يأخذون بأيديهم إلى سواء السبيل.
ويستطرد د.باجودة، وإذا كان من نعوت العلماء الربانيين ان يربوا الشباب بصغار المسائل قبل كبارها، فإنهم بإذن الله تعالى بعد أن يخلصوا الشباب مما علق به من شوائب، هم يملؤون نفسه بين جنبيه بكل ما يساعد تلك النفس على أن تكون طموحة للمسارعة في الخيرات، وذلك بشحن نفوس الشباب بمعاني الإيمان والتقوى، والبذل والتضحية، ومعرفة قيمة صحة الشباب وفراغه، من أهم الوسائل الطبيعية التي تكسب النفوس مناعة ضد الآفات المعنوية، فتتحول طاقات الشباب إلى بواعث إيجابية لاستباق الخيرات، وبناء مجد الإسلام.
ولاشك أن اللقاءات الموصولة بين الشيوخ الذين تلك صفاتهم والشباب، من أهم الأسباب بإذن الله تعالى لتنقية الشباب من الشوائب، وشحنه بالقوى المعنوية الإيجابية، كي يأتي في مجال الخيرات بالعجائب.
غرس القيم
ويرى د.توفيق بن عبدالعزيز السديري وكيل وزارة الشؤون الإسلامية ان غرس القيم الإيمانية يتحقق بعدة أمور منها:
1 - التربية على تقوى الله تعالى والتهيب من الخوض في الأمور:
فالمسارعة إلى الفتوى دون تريث، وإصدار الأحكام دون تثبت منزلق يؤدي إلى النار، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار)، والتحليل والتحريم مركب صعب، كان السلف يتدافعون ركوبه، ويتهيبون صعوده، وكانوا له أهلاً، ولكن حملهم على ذلك تقواهم لله تعالى، وخوفهم منه، وخشيتهم له، ووقوفهم عند قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.
2 - رفع الجهل:
فكثيرٌ من الانفعالات الطائشة تنشأ من الجهل بالدين، أو العلم ببعض جوانب الدين، والجهل بجوانب أخرى منه، وهذا سر فضل العلماء على غيرهم، لأنهم أحاطوا بمجمل الدين، ولم يعملوا بنصوص ويتركوا آخر، فهناك نصوص ينساها الشخص في ظل الانفعالات والطيش، مثل قوله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} وقوله صلى الله عليه وسلم: إذا قال الرجل لأخيه: ياكافر، فقد باء بها أحدهما فإن كان كما قال، وإلا رجعت عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: لعن المسلم كقتله، وقوله صلى الله عليه وسلم: ولزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم، قال سحنون من أئمة المالكية: أجرأ الناس على الفتيا أقلهم علماً، فالعلم ضروري في التمييز بين الحق والباطل في الاعتقادات، والصواب من الخطأ في المقولات، والمسنون من المبتدع في العبادات، والحلال والحرام في التصرفات، والمقبول من المردود في المعايير، والعلم ضروري للحكم العادل على الأفراد والجماعات، وتقويم المواقف والأحداث تقويماً سليماً، بعيداً عن الشطط والهوى، وعن الإفراط والتفريط.
3 - تعميق الفهم للنصوص، والفقه فيها:
فقد يستحضر الإنسان النصوص المختلفة، لكن يكون فهمه لها على غير مرادها، أو يفهمها كما هي، لكن يخطئ في تنزيلها على الواقعة المعنية، بينما النص لايصح تنزيله عليها.
4 - أن نعيد للعلماء منزلتهم، ببيان فضلهم، وما رفعه الله من شأنهم:
قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}، {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، وهذا الفضل تحصل لديهم لأنهم أمضوا عمرهم في الفقه في الدين، وضحوا بشبابهم في سبيل ذلك يريدون وجه الله تعالى.
فليس العلم ما يأخذه المرء بسنة وسنتين وأربع، بل العلم يتطلب من المرء أن يعطيه نفسه كلها، حتى يعطيه العلم بعضه، لذلك فإن الدين يفسده نصف عالم، ونصف جاهل، وإذا عرفنا منزلة العلماء، وفضلهم، صار لدينا قبول وقناعة باجتهاداتهم، وصاروا هم مرجعنا في الفتوى والحكم، ولم نحتكم إلى عقولنا، أو إلى الكتب {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}، {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}.
5 - التربية على منهج التوسط والاعتدال:
والتوسط هو البعد عن الإفراط والتفريط، فالزيادة على المطلوب في الأمر إفراط، والنقص عنه تفريط، وكلاهما ميل عن الجادة القويمة، فهو شرٌ ومذموم، والخيار الوسط بين طرفي الأمر وعندما تضطرب الموازين يجنح المرء إلى أحد الطرفين ويترك الوسط، وجاءت نصوص الكتاب والسنة محذرة من الإفراط، قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ}، وقال صلى الله عليه وسلم: هلك المتنطعون، قال النووي: المتنطعون: الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم، وقال صلى الله عليه وسلم: إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم بالغلو في الدين.
وقد عني الإسلام عناية كبيرة بموقف المسلم من الأشخاص والهيئات جرحاً وتعديلاً، ولم يترك للعواطف الشخصية والحمية الجاهلية مكاناً في الحكم على الناس، حتى ولو اختلف معهم، وأضمر لهم البغضاء أو أظهر لهم العداء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}، فإذا استطعنا أن نربي أبناءنا على منهج التوسط، أمكننا إيجاد شخصية إسلامية متزنة، تقتدي بالسلف الصالح في شمول فهمهم، واعتدال منهجهم، وسلامة سلوكهم من الإفراط والتفريط.
6 - التربية على التفكر بنتائج الأفعال، على المدى القريب والبعيد:
فالإغراق في تعلم وتلقين الجزئيات دون ربطها بالدليل والقواعد الكلية، يشغل كثيراً من طلاب العلم عن الاهتمام بمقاصد الشريعة ومآلات الأحكام، فاضطر كثيرٌ من هؤلاء إلى تلمس علاج لمشكلاتهم، وما استجد في عصرهم من الفتاوى الفقهية السابقة لزمانهم، فطبقوها على معاصريهم، دون نظر وتأمل لحال المفتي والمستفتي، أو الزمان والمكان، لذا فمن واجب العلماء التربية على أن يتفكر المتعلم بنتائج الأفعال، وكيفية النظر إلى الأشياء عند الحكم عليها.
التروي والتثبت
أما فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم العباد رئيس المحكمة العامة بمحافظة العلا فيرى أن السبيل للتخلص من منطق العشوائية والفوضوية في حياتنا، وسلوك الاندفاع العاطفي والانفعالات الطائشة التي تدفع إلى العجلة والتسرع، هو تطبيق المنهج القرآني والنبوي في حياتنا العملية، ذلكم المنهج المتمثل في التروي والتثبت، والتبين والنظر في العواقب والتبعات، قبل إصدار الأحكام، أو الوقوع في مثل هذه التصرفات الخاطئة، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا}، ولنتأمل جميعاً الخاتمة العجيبة التي ختمت بها هذه الآية وهي قوله تعالى: {أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، فالنهاية لمثل هذه التصرفات والأعمال والأحكام التي لايكون فيها تروٍ وتثبت وتبين هي الندامة.
ويضيف الشيخ العباد: وفي زماننا الحاضر من الضروري إحياء هذا المنهج في نفوس الناس، وخاصة طلاب العلم وأهل الاستقامة والصلاح، وأن تستغل في ذلك كافة القنوات الإعلامية بوسائلها المختلفة، وفي الدروس والمحاضرات والندوات، وتأليف الكتب والرسائل، وبثها ونشرها، ولا ننسى أننا بحمدالله نستطيع أن نصل إلى فئات المجتمع كلها، وخاصة الشباب من خلال القيام بالزيارات الميدانية لأماكن تجمعاتهم، والمناقشة والحوار والأخذ والعطاء.
وهذا المنهج عندما يطبق في حياتنا العملية فلا مجال للعجلة والتسرع، ولا مجال للاندفاع العاطفي، ولا مجال للانفعالات الطائشة، ومن الأهمية أن يضمن هذا المنهج الرباني في مناهج الدراسة، كي تغرس هذه القيم في نفوس الجميع.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved