التوافق الفلسطيني في ظل التعدُّد

الذين يُراهنون على انفراط عقد الوحدة الفلسطينية يرون أن الفرصة سانحة الآن لتحقيق توقُّعاتهم. وهؤلاء الذين راهنوا، بل تحيَّنوا أي بادرة للنفخ في نيران تتأجج في ساحة فلسطين، هم دون شك ألد أعداء هذا الشعب. والآن فإن ثمة مَن يرى أن أمر الانفراط بات في حيِّز الإمكان مع الاضطراب الذي طال ساحة الانتخابات من خلال وجود أكثر من مرشح لحركة (فتح) لمنصب الرئاسة.
هذا الوضع الجديد أعقب حالة تميزت بالإيجابية عموماً، وذلك في أعقاب رحيل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات؛ حيث وقف العالم بأسره يُراقب الكيفية التي يصرف بها الفلسطينيون أمور سلطتهم ومناصبها بعد هذا الغياب الكبير، غير أن الفلسطينيين لم يضيعوا وقتاً، وبدوا كأنهم أعدُّوا لكل شيء عدَّته. وهكذا فقد تابع العالم الانتقال السلس لسلطات عرفات إلى عدة أشخاص، ويومها خبت الرهانات التي تركزت على انقسام فلسطيني، وبدا أن هناك تقديراً واضحاً للظروف الدقيقة، وأن الجميع يتصرفون بقدر عالٍ من المسؤولية، الأمر الذي انعكس على الأداء الفلسطيني كصفٍّ واحد منتظم.
وعلى كلٍّ فإن توقع ساحة مستقرة مثل الساحة الفلسطينية على طول الخط أمر يعدُّ من قبيل المبالغة، فهذه الساحة مستهدفة من قِبَل واحدة من أشرس القوى في العالم، وهي إسرائيل التي تجد عوناً سياسياً لكل انتهاكاتها وجرائمها اليومية من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية التي يهمها أن تكون إسرائيل متفوقة على الدوام على أهل المنطقة من جهة التسليح وكل مظاهر القوة الاقتصادية وغيرها.
وعلى ذلك فإن لإسرائيل يداً طُولى تحاول دوماً اختراق الصف الفلسطيني وإحداث الخلل والأعطاب التي تتطلع إليها، ومع ذلك فإن الوعي الفلسطيني بهذه التحركات هو أمر قائم باستمرار، وهو الذي يعمل على إحباطها.
غير أن عدم انتباه الفلسطينيين لسلبيان هنا وهناك قد تؤثر على وحدتهم يعتبر أمراً مطلوباً بشدة من قِبَل إسرائيل. وهكذا فإن ملامح الانقسام التي بدت مع إعلان مروان البرغوثي ترشيحه كمستقل إلى جانب مرشح فتح تستوجب الوعي وعدم السماح باتساع مدى الانقسام، وذلك لأن الصمود الفلسطيني يعتمد في جانب كبير منه على هذه الوحدة وهذه الفاعلية التي تميز عمل الفصائل مع بعضها البعض، غير أن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال التأثير على العملية الديمقراطية المتمثلة في الانتخابات ومراحلها المختلفة من ترشيح وغيره بقدر ما يعني أهمية التوافق الفلسطيني مع الحفاظ على حرية القرار في ذات أجواء التوافق، بحيث يكون من الممكن التعايش مع تعدُّد الآراء دون أن يفسد ذلك للود قضية.