Monday 6th December,200411757العددالأثنين 24 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

الصحوة (1) الصحوة (1)
عبدالله الصالح العثيمين

مؤلف كتاب الصحوة، الذي تتناوله القراءة، ديفيد ديوك، وهو كاتب أميركي كان عضواً في الكونجرس. وقد اشتهر بكتاباته الجريئة ضد مخططات الصهاينة وجرائمهم ليس في فلسطين وحدها؛ بل في أمكنة أخرى من العالم أيضا. ومن هذه الأمكنة بلاده: الولايات المتحدة الأميركية. وبين كتاباته الأخيرة مقالة طويلة عنوانها: (الإرهاب الصهيوني ضد العرب وأميركا). وكان كاتب هذه السطور قد نشر قراءة لتلك المقالة جعل بداية عنوانها: (شاهد من أهلها)، وضمَّن هذه القراءة كتابه: خواطر حول القضية.
وكتاب ديفيد ديوك المتحدَّث عنه، هنا، عنوانه باللغة الانجليزية التي كتب بها My Awahening: A path to Racial understanding؛ أي صحوتي: طريق إلى فهم عرقي. وقد نشرته دار Free Speech press أول مرة عام 1998م. ثم أعادت طباعته سنة 1999م، ثم طبعته مرة ثالثة عام 2000م. وقام بترجمته إلى العربية الدكتور إبراهيم يحيى الشهابي، عضو المجلس الوطني الفلسطيني منذ عام 1972م، ومديره العام منذ عام 1983م. وله - كما ذكر في ترجمته المختصرة على غلاف الكتاب - أكثر من خمسين عملاً، تأليفاً أو ترجمة.
وقد جعل ترجمة عنوان كتاب ديفيد ديوك: الصحوة. النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية. وأصدرت هذه الترجمة دار الفكر في دمشق عام 1423هـ. وهي مكونة من 478 صفحة؛ مشتملة على كلمة موجزة للناشر، ثم مقدمة أكثر إيجازاً للمترجم. وبعد ذلك تأتي مقدّمة قصيرة لمؤلف الكتاب، ثم تتوالى فصوله المكوَّنة من اثني عشر فصلاً هي: ابن أمريكي - المسألة اليهودية - التعالي اليهودي - العِرْق والمسيحية واليهودية - اليهود والشيوعية والحقوق المدنية - من يدير وسائل الإعلام؟ - النفوذ اليهودي في السياسة - جذور اللاسامية - إسرائيل: التفوقية اليهودية تطبيقاً - تحقيق بشأن الهولوكوست - الغزو الغريب بقيادة اليهود - الاستراتيجية التطورية اليهودية وادّعاءات اليهود بالتفوق اليهودي.
ولقد اجتهد المترجم الكريم - كما هو واضح للقارئ من المقارنة - في ترجمة عنوان الكتاب اجتهاداً رآه مناسباً، وقد يراه غيره ليس موفقاً. وأسلوب الترجمة - على العموم - أسلوب لا ينقصه جمال العبارة. لكن توجد فيه أخطاء نحوية غير قليلة؛ وبخاصة ما يتصل بالاعداد تذكيراً وتأنيثاً.
ومما ورد في كلمة الناشر الموجزة ذكره فشل الفلسطينيين، الذين احتلت أرضهم، في ان يجد التماسهم العدل لدى الأمم المتحدة، وانحياز أميركا إلى المعتدي؛ سياسياً وعسكرياً، وسؤاله عن سرَّ هذا الانحياز، وقلب تلك الدولة مدلولات القيم الإنسانية باعتبارها الاحتلال حقاً والدفاع عن النفس إرهاباً، وإبدالها قيم الحق والعدل والمساواة والحرَّية التي قدَّسها بناة حضارتها بقيم جديدة مغايرة لها.
وكلام الناشر صحيح. لكن من المعلوم أنه لم ينفذ إلى لبِّ المشكلة. فالأمم المتحدة، التي كان لأميركا الدور الأكبر في إيجادها، تخطيطاً لمدِّ نفوذها في العالم، لا يرجى منها حلٌّ عادل لقضية فلسطين ما دامت أميركا مهيمنة عليها؛ وهي التي يعرف الجميع مدى تغلغل النفوذ الصهيوني في مؤسساتها السياسية والاقتصادية والإعلامية. وكان كاتب هذه السطور قد كتب، سنة 1968م إبان عمليات (فتح) الفدائية الأولى، قصيدة عنوانها؛ (الحلُّ السليم)، ونشرت في ديوانه عودة الغائب. ومنها:


حلٌّ تصاغ بنوده بدمِ
يجلو الأسى وغياهب الظٌلَمِ
لا حلّ ألفاظٍ منمَّقةٍ
خطَّت وصاغت ريشة القلمِ
كل القرارات التي صدرت
وتعاقبت من هيئة الأمم
بقيت كما كانت بلا أثرٍ
لا خفَّفت بؤسي ولا ألمي
مفعولها حبرٌ على ورقٍ
ووجودها ما زال كالعدم
لم يبق لي حلم بقدرتها
عشرون عاماً بدَّدت حلمي
الحلُّ عند (الفتح) (عاصفة)
تزداد عنفاً كلَّ ملتحم
شهم فدائي وثائرة
وهجوم مقدامٍ وضرب كمي

أما القول بأن قادة أميركا بدَّلوا قيم أسلافهم بقيم أخرى فقول فيه شيء من الصحة. لكن من درس تاريخ دولتهم بتدبُّر يجد أن ما ادَّعاه أولئك الأسلاف لم يكن متفقاً مع الواقع. فجرائمهم ضد سكان القارة الأميركية، الذين سُّمّوا بالهنود الحمر، معروفة، ومؤامرات قادتهم عبر مسيرتهم التارخية ضد شعوب عدة في العالم معروفة أيضاً. وممن تحدَّث عن تلك الجرائم موثَّقة الأستاذ منير العكش في كتابه: حق التضحية بالآخر: أميركا والإبادات الجماعية، وقد نشر كاتب هذه السطور قراءة عنه في ثلاث حلقات في (الجزيرة) (7-1 و14-1 و21-1-1424هـ). وليس من الممكن، أو اليسير, عزل دعم قادتها المحدثين لجرائم الصهاينة في فلسطين المحتلة عن تاريخ أميركا العام؛ نشأة ومسيرة. على أن جرائمهم؛ وبخاصة في العقدين الأخيرين، لم تقتصر على دعمهم لأولئك الصهاينة، بل امتدت إلى أقطار إسلامية أخرى. وهذا يفنَّد كل ما يدَّعونه من تمسُّك بقيم أخلاقية رفيعة. وما ارتكبوه من جرائم فظيعة في أفغانستان والعراق إضافة جديدة صارخة - وإن كانت غير مستغربة - دالَّة على تأصُّل روح الإجرام والعدوانية في نفوس أولئك القادة.
أما مقدمة المترجم, الدكتور إبراهيم الشهابي، الموجزة أيضاً فقد ورد فيها أن كتاب ديوك (يتجرأ على مواجهة أكثر القضايا تحدياً في العصر الحديث بأمانة فائقة) وقد قال عنه الأستاذ Glade whitney، الباحث الرائد في علم الوراثة السلوكي: إنه أكثر من مجرَّد كتاب.. إنه عمل موثق علمياً بصورة رائعة وبجهد كبير يبحث في التاريخ السياسي البيولوجي الاجتماعي. ومن المحتمل أن يثير جدلاً هائلاً، وأن يغيَّر مسار التاريخ نفسه.
وأما مقدمة المؤلف - وهي مختصرة جداً - فقد بدأت بقوله: إن كتابه يعد أطروحة بهيئة سيرة ذاتية. فهو حكاية مساره الى الفهم العرقي الذي بدأ منذ كان شاباً في أواسط ستينيات القرن العشرين. وقال: إنه لا يدّعي أصالة البحث لأنه مدين لكثير من الكتابات والمقالات، كما قال: إن كتابه يتحدى العديد من معتقدات القراء الراسخة. ولهذا ضمَّنه شواهد مباشرة مأخوذة من مصادر كبرى بدلاً من الإشارة إليها، ذاكراً ان هذه الشواهد أقوى بكثير من تعليقاته، وأن المسألة اليهودية المثيرة للجدل اعتمد في الحديث عنها على شواهد ووثائق من المصادر اليهودية ذاتها.
وتحدث المؤلف في الفصل الأول من كتابه تحت عنوان (ابن أمريكي) حديث من تملَّكت نفسه عرقيته المنحدرة من أصل أوروبي بكل ما يحمل من قيم، مركِّزاً على أهمية الجينات في تشكيل الإنسان؛ فكراً وممارسة. وتبنِّي مثل هذه النظرة العرقية قد يتفق معه فيها كثير من أبناء جلدته، لكن من المرجح أن كثيراً من غير هؤلاء يعارضونه فيها. ومما قاله في هذا الصدد:
إن سردي لحكايتي فيه تحدٍّ لمقولات حيوية للمؤسسة الحاكمة في البلاد، وإغضاب (لمن يعبدون الموضة بدلاً من الفكر المستقل) وإني أقدِّم رأي عالم اليوم المتفتح؛ رأيا ثورياً، ورؤية تطورية للعالم الجديد، الذي يجب أن يولد غدا.
ومما ورد في الفصل الأول من الكتاب، ايضاً، حديث عن نشأة مؤلفه مع أسرته التي قضت فترة من طفولته في هولندا لعمل أبيه في شركة شل هناك، وزياراته معها لعدد من دول وسط أوروبا وجنوبها وشمالها. ومما ورد فيه كلام عن دراسته في أميركا: مشيراً إلى التغيُّر الذي حدث، خلال العقود الثلاثة الأخيرة بالنسبة للنظرة الى تراث الأسلاف الأوروبيين، والمحاولات التي تبذل في أجهزة الإعلام لابراز رذائلهم وطمس فضائلهم. ومما قاله:
لقد عُلِّمنا ان من معالم الشرف لدى الهنود الدفاع عن أرضهم وتراثهم ضد هجرة اولئك الذين سيغيرونهم. ومن الغريب أن وسائل الإعلام نفسها تعلمنا اليوم أن دفاعنا عن أرضنا وتراثنا أمر غير مرغوب.
وقد أختم الفصل بالحديث عن روح المغامرة التي كانت تملأ روح الشباب الأميركيين من جماعته في أيام شبابه، وما كانوا يقدمون عليه من صراعات فيما بينهم مؤلمة، لكنها محببة إلى نفوسهم. وما ذكره في هذا الصدد بالذات أمر غير مستغرب. فهو مستقى من تاريخ أمته في موطنها الجديد عند نشأتها، ومستلهم من تصرُّفات زعمائها عبر مسيرتها التاريخية، ومفسِّر تصرُّفات قادتها الحاليين التصرُّف القائم على الغطرسة والعدوانية تجاه الآخرين، وبخاصة أمتنا الإسلامية، ولا سيما العرب منها بالذات لكونهم طليعة المتضرِّرين بجرائم الصهاينة.
وأستودع الله القارئ الكريم إلى الحلقة القادمة من هذه القراءة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved