وماذا بعد في العراق؟

لن يعتاد الناس صور الموت مهما تكاثرت على شاشات التلفاز، والأحرى أن احساسهم بالحزن يتعمق، لكن صور أناس بين الموت والحياة كما في ابوغريب وفي مساجد الفلوجة وأخيرا هذه الصور الجديدة لتعذيب عراقيين على أيدي جنود أمريكيين تضاعف درجة الحزن والأسى والإحساس بالذل، بسبب أنه يبدو أن هناك اصرارا على التنكيل بالعراقيين وجعل الآخرين يتعظون بما يحل بهؤلاء في معتقلات العسكريين الامريكيين.
وستشكل الصور الأخيرة التي تم الافراج عنها وصمة عار أخرى على جبين هؤلاء الذين يقولون إنهم جاءوا لتخليص الشعب العراقي من الديكتاتورية ومعتقلات التعذيب والقتل الجماعي، إلا أننا نرى أن كل تلك الممارسات البشعة تجرى وإن كانت تحت مسميات جديدة على أيدي أناس آخرين.. لقد ترسخت في الأذهان الرسالة التي يحاول الامريكيون ابلاغها من خلال هذه الحرب في العراق، ومن ذلك أن الديمقراطية الموعودة سيجري تطبيقها رغم أنف كل من يعترض وإن ذلك سيتم وإن كان على جثث الكثيرين، وان المثال الذي يتم الترويج له سيكرس نهج الهيمنة وان من يعترض سيلقى نفس مصير هؤلاء الذين ظهروا في الصور الأخيرة معصوبي الأعين بينما تنهمر الدماء من أجسادهم العارية، وقد تم تصويب البنادق إلى رؤوسهم.. والآن.. وبعد
أبوغريب والفلوجة وهذه الصور الجديدة، أليس من المنطقي القول: إننا لم نشهد الكثير الفظيع بعد؟ فصحوة الضمير التي تنتاب بعض أفراد القوات المحتلة ستدفع البعض إلى الافصاح عما يخبأ، ولا بد أن الكثير من الصور والمعلومات لا زالت حبيسة في مخابئ ونفوس هؤلاء الذين قد تتنازعهم مشاعر شتى، قد يكون بينها قدر من الشجاعة تحملهم على كشف المستور.. لكن هل يفيد إذا عرف العالم أن العراقيين يتعرضون لأقسى صنوف الانتهاكات وابشع طرق التعذيب؟
من المؤكد أن تحولا كبيرا أمر مستبعد، فليس هناك ثمة ضغوط يمكن ممارستها على الدول الكبرى لحملها على الاقلاع عن مثل هذه الانتهاكات، والأحرى أن هذه الدول ستقصر التحقيقات التي تتم على الوحدات التي حدثت فيها وستتم معالجات داخلية لا شأن للعالم بها..
المؤكد أيضا أن الاستمرار في هذه الممارسات يدفع الجانب الآخر إلى محاولة الرد، وبذلك ستكون الساحة العراقية أبعد ما تكون عن الاستقرار وأبعد ما تكون عن الاستحقاقات الدستورية، وعلى رأسها الانتخابات التي تتطلب أجواء مستقرة، كما تتطلب توافقا بين الفرقاء على الساحة من أجل الاحتكام إلى صناديق الاقتراع بدلا من اعتماد تبادل النيران كوسيلة للتخاطب.