الله لا ينصر جنوده بالأُمنيات فقط!!
***
مصاب بالاكتئاب.. ليلي مثل نهاري.. يمر بطيئاً بوتيرة معتادة.. كل الأحداث تتكرر منذ سنوات بنفس الطريقة ونفس القدرات الاخراجية.. فقط مع تغير الممثلين.. حتى النكبات والكوارث تتكرر ايضاً بصورة متشابهة. أصبت بالأرق منذ أكثر من ألف عام مضت.. لست كائناً خرافياً.. ولم أمت حتى لحظة كتابة هذا الوجع.. مهموماً بقراءة تاريخ أسود يملأ الصفحات.. فقط بعض الهوامش كتبت بدم فارس.. تظل في النهاية هوامش فرح في مأتم ضحايا.. ليس لديهم من يتقبل العزاء، لا أهل، لا اصدقاء، لا وطن يقبلهم كشهداء!.
******
ذات مساء يشبه أياماً مضت تتكرر بمشاهد مختلفة.. في نشوة الانتصار المؤقت.. غفيت أمام التلفاز.. لحظات مع حلم حلم مؤجل منذ أعوام.. استفقت على يد أحدهم تربت على كتفي.. بين اليقظة والصحو.. أشاهد أمل دنقل أمامي:
- أنظر للتلفاز يا رجل؟
أفزع إلى نظارتي.. أتسمر أمام نشرة الأخبار.. أنور السادات زعيم النصر المؤقت يخطب في مجلس الشعب: سأذهب إلى اسرائيل لو تطلب ذلك حلاً للسلام؟!!.. أما أمل دنقل فقد كان يبصق على شاشة التلفاز.. يبكي وجع أمة بأكملها.. يترنح مثل ضحية.. يعود يستجدي صاحبه بالتلفاز يصرخ:
لا تصالح على الدم.. حتى بدم!
لا تصالح! ولو قيل رأس برأس!
أكل الرؤوس سواء؟!
أقلب الغريب كقلب أخيك؟!
أعيناه عينا أخيك؟!
وهل تتساوى يد.. سيفها كان لك
بيد سيفها أثكلك؟
سيقولون:
جئناك كي تحقن الدم..
جئناك. كن - يا أمير - الحكم
سيقولون:
ها نحن أبناء عم.
قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك.
واغرس السيف في جبهة الصحراء..
إلى أن يجيب العدم.
إنني كنت لك
فارسا.
وأخا.
وأبا.
وملك!
***
في مساء النكبات يحلو الحديث عن الوجع.. مستلقياً على وسائد الوهن..
أحاول رتق ذاكرة ثقوبها كسماء تتلألأ بنجوم الخيبة!.
اتفقد حواسي كل ليلة قبل النوم.. هي عادة يمارسها من فقد أباه في معركة لاستعادة الحرية المغتصبة.. وبعد أن يهرول المهرولون.. اكتشف اخيراً أن أباه لم يكن شهيداً.. بل مغفلا كبيرا.. بموته تم سداد خدعة سلام الشجعان بأثر رجعي!!.
***
هوسي بقراءة التاريخ يحيلني إلى جزء منه.. لم أعد أفرق بين أحلام اليقظة وأحلام المنام.. في لحظة البكاء أراني وقد اعتليت صهوة خيلي.. بجانبي جمع من كرام الصحابة.. يقودنا سيف الله المسلول.. لحظات أخرى انتقل إلى حمل الراية في جيش صلاح الدين!.
في احلام المنام تستفرغ ذاكرة التاريخ.. وترمي بقاذوراتها في رأسي..تتحول الأحلام إلى كوابيس.. أجدني في مدينة النبي صلوات الله عليه وسلامه.. أبكي لبكاء صحابته.. ورجل يعدو صائحاً: قتلوا عثمان!!..
أول خيانة حدثت في جسد الأمة.. بعدها استمر أحفاد قتلة عثمان في الظهور بخيانات متتالية.لحظة الحلم لا تعنيها حسابات السنين.. يمضي بي الكابوس ويقف بي على عتبات غرناطة مخاطباً ظل خليفة: أبكي كالجبناء ملكا لم تحفظه كالشجعان!.ثم في لحظة حلم لا تصدق حتى في حلم.. اجدني مربوطاً بسلاسل في جحيم غوانتانامو.. لا ذنب لي سوى انني لبيت نداء اخوتي لمساعدتهم.. لم احمل سلاحاً في وجه اي كان.. كنت فقط أطبب الضعفاء والجرحى.. واذا بالإخوة يبيعوني كإرهابي بثمن بخس!!.
***
منذ أكثر من ألف عام.. وأنا أحمل سيفاً صلداً.. أحارب به الريح متخيلاً قطيع الأغنام الذي أمامي كأنه جيوش الصليبيين!.. وعندما اتلفت بحثا عن الاخوة والأبناء.. اجدني وحيداً..!؟!! أين ذهبوا الذين كأنهم غثاء السيل؟!!
أترقب في قطيع الأغنام من حولي.. أرفع حاجباي عن عيني لأرى.. لم يكن قطيع الأغنام ما رأيت انهم ابنائي واخوتي، كبروا وتجهزوا.. لأن يكونوا ضحايا وليمة دسمة لحفلة ستتم عاجلاً غير آجل.
تركي بن ابراهيم الماضي
|