Tuesday 7th December,200411758العددالثلاثاء 25 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الثقافية"

جماعة السرد بقصة حائل تناقش جرف الخفايا للشمري: جماعة السرد بقصة حائل تناقش جرف الخفايا للشمري:
الرواية أخرجت الخفاء بدلالات رمزية مقلقلة

ضمن نشاطات نادي القصة بمنطقة حائل ناقشت جماعة السرد بالنادي مساء الأربعاء الماضي رواية الأديب عبد الحفيظ الشمري (جرف الخفايا) بحضور لفيف من المهتمين بالأدب والسرد.
وبين فارس الهمزاني سكرتير نادي القصة أن اللقاء تم في جو حميمي حيث أجمع الحضور على أن الرواية كانت في منتهى الشجاعة من قبل مؤلفها في سرد أحداث وخفايا تخرج بين الحين والآخر في مجتمعاتنا؛ وبالتالي تجير لحساب المؤلف كشجاعة أدبية في إظهار المختبئ في عالم يصر على الخروج بالأقنعة.
******
وذكر الكاتب والأديب جار الله الحميد أن رواية (جرف الخفايا) لم يقرأ منها سوى ستين صفحة. ولكن كأسلوب للراوي بناء على خلفية روايته الأولى (فيضة الرعد) فإنه روائي ممتاز ويمتلك مقومات كتابة الرواية. مؤكداً أن عبد الحفيظ بدأ يخطو خطوات واضحة نحو تقديم المزيد من التألق والإبداع.
في حين بين الناقد أحمد إبراهيم أحمد أن (جرف الخفايا) تحمل بوحا مملوءاً بالألم والحنين والنقد القاسي لواقع كافكاوي صاغه في حرقة ووجع لا يخلوان من الحب. وتتجاوز تجربة عبد الحفيظ الشمري السردية مع رواية (مدن الملح) لعبد الرحمن منيف، إلا أنها تختلف في البنية السردية, فعلى عكس السائد في استخدام الرمز كعلامات تقود لدلالات يمكن من خلال تأويلها التعرف على المرموز إليه. قام الشمري بإعادة إنتاج الثقافي المجرد، وتحويله إلى كيانات ملموسة مستمدة من الواقع. جسد من خلالها العناصر الثقافية التي يستهدف نقدها.
وإضاف إبراهيم أن الكاتب يستخدم حيلة ذكية وبسيطة. ليصنع شبكته السردية المنطقية التي يصيد بها القضايا التي تؤرقه كمثقف عضوي في ثقافة متحولة. فيستخدم حادثة اختفاء أحد شخصياته بعد شجار عادي مع رفيق له؛ لتكون هي المحور الذي يدفع بالأحداث للأمام في حركة دائرية، تشكل كل حلقة فيها أداة لتعرية واقع مسكوت عنه؛ إذ يتخذ الكاتب موقفاً نقدياً من الثقافتين العربية والإسلامية يمكن نسبته الى موجة ما بعد الحداثة، يفكك من خلاله هاتين الثقافتين منطلقاً من حنين ورغبة في العودة الى الريفي الفطري (تلعة الحمض) في مواجهة الحضري المدني (جرف الخفايا) بعدما هرب من بساطة وتخلف الأول ليكتوي بالثاني معانياً النوستالجيا المؤرقة.
ويذكر إبراهيم أن شخصيات (عرين السباع) الفردية نماذج سلوكية اجتماعية مثل المداوي الأب وزوجتيه المتشددتين سليطتي اللسان, وشخصيات الافاقين المدعين العلم بالغيب اللاعبين بمشاعر البسطاء، كذلك شخصية الأم الريفية الملتاعة التي يمزقها فقد ابنها صقر المعنى، وتمضي باحثة عنه حائرة. كما يقدم ايضا كيانات اعتبارية تصور المستبد الجمعي مثل جماعة لحيان الأجرب. وحراس الفضيلة، وفرق مكافحة الخفافيش. وتجار المرض. ويصب جام غضبه على كل ما يراه فاسداً.
في حين بين الشاعر محمد الحمد واقعية الرواية. وهو هنا لا يقصد بالواقعية إمكانية وجود الكاتب بين شخوص الرواية كسيرة ذاتية أو تجارب شخصية. ولكن يقصد بالواقعية مدى ارتباط الشخوص والأحداث بواقع اجتماعي ما، فافترض ان الواقع يقف على النقيض من الخيال. إلا أن في جرف الخفايا نجد التفافا ذكيا على معادلة التضاد هذه فقد اضفى الكاتب على النسخ الكربونية المتحركة في الرواية بعدا كاريكاتيريا رمزيا نلحظه في كثير من الأسماء والألقاب.
وتساءل الحمد: هل الشمري عمد إلى التقليل من الخطاب الحواري والاستعاضة عنه بإضفاء الصفات المباشرة على الشخوص إما بصوت الراوي أو بهذيان أحد الأبطال أم ان ما أراد أن يقوله لا يصل الى المتلقي كما يريده بأسلوب الخطاب الحواري؟! متسائلاً: هل هذا السبب هو الذي جعل الشمري يلجأ - إن جاز التعبير - إلى طول العناوين!
لكن الأستاذ سالم الثنيان يؤكد أن الرواية كالضوء الذي يسلط على مناطق مظلمة وبالتالي فإن من يسكن هذه الأماكن المظلمة تكون لديه حساسية زائدة من الإضاءة بل إن الراوي يريد أن يقول إن المجتمع المتخلف (غير الواعي) لا يمكن أن يعيش بسلام إلا بشخصية مزدوجة . والمجتمعات المتخلفة الأكثر تمسكاً بالسقف الأعلى من المثاليات المفترضة التي لا تتنازل عنده بحجة الدين والعادات والتقاليد؛ ولهذا يمارس المجتمع طبيعته البشرية في الخفاء هرباً من سلطة هذه المثاليات.
ويبين الأستاذ خضير الشريهي أن في رواية جرف الخفايا للشمري يطمح الكاتب إلى تجاوز طبيعة التعامل المعهود مع الزمان والمكان؛ ليكسبهما دلالات جديدة معتقة من أسر الدلالات المباشرة ومتجاوزة لها. ويمكن رصد بعدين مميزين للزمان والمكان في رواية جرف الخفايا: البعد الأول هو الرمزية؛ فالألفاظ الدالة على الأزمنة والأمكنة تتجاوز في هذه الرواية أحيانا مرجعياتها اللغوية المعهودة لترتبط بمدلولات رمزية جديدة؛ فمن حيث الأمكنة يلاحظ مثلاً ان المدينة التي تتحدث عنها الرواية ما هي إلا نموذج للمدن العربية التي تعيش حالة الخفاء، وتستقبل أفواجاً من الغرباء والقادمين من الريف! حيث تتداخل المشاعر بين البحث عن الذات وبين علاقات البشر والمدن. وأما رمزية الزمان فتظهر عندما يكون الزمان في حركته نحو الأمام رمزاً لتقدم البشر وعياً ومشاعر وسلوكاً، فإذا لم يتطور البشر تفقد حركة الزمان معناها بشكل كلي، وتتحول إلى حركة صورية ليس إلا.
ويوضح الشريهي أن الكاتب أعتمد إلى جانب تقنية الاسترجاع على تقنية الحوار الداخلي أو المونولوج لتجميد حركة الزمن والسماح بإلقاء مزيد من الضوء على باطن الشخصية. وتشترك مع المونولوج في تجميد حركة الزمن تقنيات سردية أخرى كالحوار واللجوء إلى الأحلام والكوابيس. وقطع السرد بتضمينه أشعارا يضعها الكاتب على ألسنة بعض شخوصه الذين يرتبط الزمان بوعيهم؛ فالملاحظ أن هؤلاء الشخوص يعرفون جيدا ما للزمان من تأثير حاد على حياتهم ومصائرهم. وأصبح وعيهم هذا سبباً لمعاناتهم في كثير من الأحيان؛ فالزمن في هذا العمل عنصر أساسي لوجود العالم التخيلي نفسه؛ لذلك كانت له الاسبقية في صياغة الفضاء السردي.ويذكر الأستاذ شتيوي الغيثي ان الرواية تتكئ على أرضية العمل الرمزي ذي الأبعاد الدلالية المتعددة والمليئة بشخوصها الرمزية التي لا تبتعد كثيراً عن مدلولاتها الواقعية. ويتضح ذلك من خلال شخصية (صقر المعنى) حيث أخذت الشخصية أبعادها الدلالية من خلال اسم (صقر المعنى) حيث التحليق والقوة والعنفوان وكذلك دلالية المعاناة الذاتية مما ينتج ما يسمى (أزمة المبدع) أو (أزمة الفنان). ثم من جهة أخرى فإن حادثة الاختفاء توحي بأبعاد الأزمة التي تأخذ علاقة عكسية مع ما تخفيه مدينة جرف الخفايا من مدلولات خفية تتضح من خلال سياقاتها الرمزية؛ فعند حادثة الاختفاء تبدأ جرف الخفايا بكشف عيوبها وهتك استارها؛ مما يعطي العمل أبعاداً دلالية ليس اقلها اختفاء صقر المعنى بل لكل ما يحمله العمل من رموز شخصية وما تحمله من علاقات في الزمان.ويبين الأستاذ عبد السلام الحميد أن عبد الحفيظ الشمري في روايته جرف الخفايا ثلاثة نماذج لشخصيات نسائية تتوافق في حجمها وفاعليتها مع طبيعة البيئة التي صنع فيها عالم الحكاية التي يحكيها لنا؛ فعدد الشخصيات، وإن كان محدوداً إلا أنه يعكس بشكل أو بآخر طبيعة العلاقات داخل مجتمع جرف الخفايا، وطبيعة الدور الذي تقوم به المرأة في هذا المجتمع سواء بالتطابق مع قيمه، أو بالتمرد عليها.
وذكر الحميد انه يواجهنا النموذج الأول منذ البداية في شخصيتي جوجة وفاتنة اللتين تقيمان علاقات حميمة مع ابطال الرواية في عرين السباع. حيث تعكس شخصية جوجة أو جوهرة القلق والمعاناة اللذين تعانيهما الشخصية الأنثوية في مجتمع ذكوري صارم مزدوج القيم، يمارس كل أنواع الرذائل في الخفاء، ويتصنع الفضيلة ويعمل على الدعوة إليها، وترويج قيمها في الظاهر. بينما تعكس شخصية فاتنة الضياع الذي تعانيه الوافدة الغريبة على هذه البيئة والصراع الذي يقوم في داخلها بين حاجاتها المختلفة من مادية ومعنوية وتعارض هذه الحاجات مع طبيعة الحياة والعلاقات في جرف الخفايا؛ مما يدفعها للبحث عن مخرج مستتر خفي للتعويض عن كل ما ينقصها من احتياجات. ويتحقق ذلك من خلال صداقتها مع جوجة، وعلاقتهما الخفية المشتركة مع الأصدقاء في عرين السباع.وأضاف الحميد أننا نجد النموذج الثاني من الشخصيات النسائية في هذا العمل ممثلاً في شخصيتين شديدتي الاهمية رغم أن الكاتب لم يفسح لهما مجالاً كبيراً في حكايته، وهما زوجتا الأب (المداوي) اللتان تعبران عن توافق الأنثى مع قيم المجتمع الذكوري وتبني هذه القيم، والدفاع عنها مما يؤدي إلى تشويه تركيبتهما الأنثوية. وقد أجاد الكاتب توصيف هاتين الشخصيتين شكلياً ومعنوياً رغم ضآلة المساحة التي ظهرتا فيها. ولكنهما عكستا بوضوح الصورة الكريهة لشخصية زوجة الاب هذه الشخصية التي يباركها المجتمع في العلن ويلعنها سراً.
في حين ان النموذج الثالث هو شخصية الأم الملتاعة التي تبحث جاهدة عن ابن فقدته دون أن تعرف الأسباب التي أدت الى ضياعه. وتمثل هذه الشخصية كل القيم الإيجابية في شخصية المرأة في مجتمعاتنا من حيث كونها الأم مصدر الخير والدفء والحنان. وتعكس صورة الإخلاص والتقى والبساطة، والمرجع الذي نلجأ إليه كلما ألمت بنا الملمات؛ فهي الوطن الحقيقي أو في صورة أخرى هي المعادل القريب للوطن.توجد شخصيات أنثوية أخرى هامشية لم تأخذ أبعاداً فنية أو إنسانية تجعلنا نشعر بأهميتها مثل رفيقة جوجة وفاتنة، والممرضة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved