Thursday 13th January,200511795العددالخميس 2 ,ذو الحجة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "مقـالات"

تجربتي مع الجمارك عجائب إجرائية !تجربتي مع الجمارك عجائب إجرائية !
د. محمد بن علي آل خريف

(ليس الخبر كالمعاينة) .. مَثَلٌ معبِّر يتجلى في تجربة عايشتها مع الجمارك في منفذ البطحاء ، وأنا قادم من أبو ظبي برفقتي أحد أخوتي ومعنا سيارة جديدة .. جسدت لي هذه التجربة واقع الجمود الإداري الذي تعاني منه بعض قطاعاتنا الرسمية ، وما تسببه من معاناة شديدة لمن يوقعه حظه في التعامل معها ، ومع أني لم أصدم كثيراً بهذا الواقع في هذا المنفذ الجمركي بالذات ، لسابق تنبيهي من أحد الأصحاب بالصعوبات التي سنواجهها فيه ، وأنه يلزمنا لتفادي شيء من هذه الصعوبات البحث عن معرفة يسهل لنا الأمر ، إلا أن الفوضى الإدارية بقدر لا يمكن لأي واسطة أن تتجاوزه ، ليس لضبط إداري بنّاء ولكن لتعقيدات وعشوائية متشابكة تثير الاشمئزاز .
لا يقال إني مبالغ في الوصف فمن يشك في الأمر فليخاطر بنفسه ويعيش التجربة ثم يعطينا انطباعاته ، ثم ليفهم أننا لا نبغي التشهير فالحق يقال إننا وجدنا من موظفي الجمارك كل تفان وجهد ، إلا أنهم مثلنا ضحية لقواعد إجرائية عقيمة لا حيلة لهم في تغييرها أو تخطيها ، والهدف - علم الله - هو الأمل في التجاوب وسرعة إصلاح هذا الخلل ، الذي لا يواكب التطور الإداري الذي تشهده بلادنا خاصة وأنه يمثل واجهة معبرة .. ولكي تكون ملاحظاتي وانطباعاتي في سياقات منظمة فسأجعلها في نقاط حسب الترتيب التالي :
1 - وصلنا للجمارك الإماراتية وأنهينا إجراءات التخليص الجمركي والجوازات في وقت قياسي لم يتجاوز نصف ساعة ودون أي انزعاج ، حيث كانت مكاتب التخليص الجمركي الخاصة التي دفعنا لأحدها من أجل إجراءات التعقيب مائة وعشرة ريالات تقع في مبنى مجاور للجمارك الرسمية ، وقد لاحظنا أن نفسيات العاملين بهذا المنفذ رغم سوء الأحوال الجوية وقوة الرياح التي لا تتوقف في إثارة الأتربة ، تتميز بالهدوء وعلامات الرضى لدواع اعتقد أن من أهمها سهولة الإجراءات وسرعة إنجاز العمل ، مما حقق الرضى للموظف والمراجع في آن ، حتى أنك لا ترى أي ازدحام أو تجمع كبير للسيارات رغم كثرتها على الطريق .
2 - وصلنا بعدها إلى منفذ الحدود السعودية وقد هالنا من أول وهلة الكم الكبير من السيارات الكبيرة المتكدسة في موقع يسمونه قسم الشحن ، فتجاوزناه إلى مسار الجوازات وأنهينا إجراءات الجوازات في عشر دقائق تقريباً ! مما أثار في نفوسنا التفاؤل ومضينا في مسارنا نحو الجمارك والأمل يحدونا لتفادي المسير ليلا في طريقنا إلى الرياض ، فوصلنا لموظف الجمارك الذي لم يكن عنده أي مراجع وجميع المسارات شبه خالية من السيارات ، فقدمنا له الأوراق ، فقال لنا : هذه تنهى في قسم الشحن .. وأين قسم الشحن ؟ إنه مع الشاحنات والتريلات الكبيرة التي تنقل البضائع والمعدات المستوردة ! فحاولنا معه برجاءات حارة لإنهاء إجراءاتنا ولكن دون جدوى ، متعللا بأن هذا هو النظام ! ثم عدنا من حيث أتينا باتجاه المنفذ الإماراتي ، ودخلنا موقعا محاطا بسياج حديدي وبه مئات الشاحنات ، التي ما إن دخلنا بينها إلا وصرنا كذرة وسط موج متلاطم ، ثم توقفنا عند بركسات صغيرة لها نوافذ ضيقة ، قيل لنا هذا مكان تسجيل الجمارك ، وقد اصطف حول هذه النوافذ أعداد غفيرة من السائقين والمراجعين من شتى الجنسيات ومن بينهم مواطنون سعوديون ! وعند محاولتنا الوصول لإحدى النوافذ ، قيل لنا إن جهاز الحاسب متوقف وعليكم الانتظار .. وبعد حوالي الساعة تم تسجيل سيارتنا وسلمت لنا لوحات الجمارك ، وحسبنا أن الأمر قد انتهى عند هذا الحد .. ثم انتقلنا إلى مرحلة أخرى وعالم آخر من الشاحنات ، التي يبدو أن لها أياما في هذا الموقع الكئيب .. وبدأت رحلة المعاناة الحقيقية من تلك اللحظة ، وجدنا أناسا قالوا إنهم هنا منذ الصباح ، ويمكن أن تمكثوا إلى الغد ، فأسقط في أيدينا وبدأنا خطوات الإجراءات بتكليف معقب جمركي بمائتي ريال ، ضاعت جهوده في ركض طويل ومتكرر بين مكاتب متباعدة ، حتى انه كان يمشي على قدميه أكثر من نصف ساعة في المشوار الواحد ، من أجل توقيع ورقة أو تسديد رسم ، وإذا أردت إيصاله من أجل التعجيل في إنهاء هذه الإجراءات العجيبة يقول لك : إن هذا ممنوع وكأن الأمر مقصود ، بل لا أبالغ أن أحد منسوبي الجمارك قد أسرَّ الي بأن وضع هذه العوائق هو من أجل تطفيش المواطنين ، حتى لا يقوموا بشراء سيارات من خارج المملكة ، حتى لا يؤثر ذلك على تجار سيارات الداخل ، فإن كان هذا هو الحاصل فعلى الدنيا السلام !
وخلاصة الأمر أنه استغرق إنهاء هذه الإجراءات البسيطة أكثر من خمس ساعات في موقع لا تتوفر فيه أبسط الخدمات ، حتى أنك إذا أردت الوضوء لا تجد دورة مياه مناسبة والدورات الملحقة بمكاتب الموظفين مقفلة ، كما أنك طيلة مدة الانتظار لا تجد مكانا تجلس فيه .
3 - من لم يعايش مثل هذا الأمر لن يكون في مقدوره تصور الحدث ، في زمن تتسابق الأمم للتحديث وتسهيل الإجراءات لكل الناس وتسخير التقنية الحديثة لمزيد من الرفاهية والإنجاز ، لا مانع عند الشخص من دفع مقابل الخدمة لكن ينبغي أن ترقى هذه الخدمة لتحقيق التسهيل المنشود ، وليس خلق عوائق تثير الحنق والإحباط .. ولمعالجة مثل هذه المأساة أقترح تكليف فريق عمل من خبراء مختصين من معهد الإدارة ، يدرسون هذا الواقع البائس ويوجدون إجراءات بديلة ، تحقق المعالجة الفاعلة لهذا التكدس الذي لا يعبر عن أدنى تقدم حضاري البتة ، والمهم أن تكون النية صادقة والعزيمة جادة في الإصلاح .. اللهم هل بلغت اللهم فاشهد .. والله الموفق .

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved