من نوادر التبشير الكنائسي في إحدى الدول الآسيوية ذات الأكثرية المسلمة بأن حاولت إحدى الكنائس الأمريكية المشهورة بتطرفها الديني باختيار مجموعة من سكان إحدى الجزر النائية من تلك الدولة ووضعهم تحت برنامج تنصيري مكثف لمدة تسعة أشهر، وفي نهاية هذا التثقيف الديني وفي حفل التخرج ألقى أحد أفراد المجموعة باسمهم كلمة شاكراً مجلس الكنيسية على الهبات المالية التي قدمت لهم، وأنهم سيدعون لهذا المجلس بالنجاح حين تأديتهم لفريضة الحج حيث سيتوجهون إلى مكة المكرمة قريباً!! وتصر السياسة الأمريكية في العراق على إجراء الانتخابات العامة في الثلاثين من يناير الحالي دون الإصغاء لكل الأصوات العراقية المطالبة بالتأجيل لفترة مناسبة للظروف الأمنية الخطرة على المرشح والناخب معاً، ومع قرب هذا الموعد التاريخي المؤثر في السياسة العراقية المعاصرة الذي يعيش معه الشعب كافة في حالة من القلق والترقب لما قد يتمخض عنه هذا اليوم من أحداث قد تكون غير سارة والإصرار الأمريكي على إجراء الانتخابات يترجم المأزق الصعب الذي تعيشه قواتها المنتشرة في وسط وغرب العراق وهدفها انتخاب حكومة مؤيدة لسياستها تبرم معها عددا من الاتفاقيات التي تضع أجندة زمنية لانسحاب القوات الأنكلو أمريكية من الأرض العراقية وتمركزها في قواعد عسكرية مختارة في مناطق تنتشر من الشمال حتى الجنوب العراقي، وكذلك تنظيم العلاقة البترولية بين البلدين، ويهدف البيت الأبيض أيضاً لغرض إعلامي دولي بأن أمريكا أدخلت الديمقراطية للشعب العراقي وجرت انتخابات عامة لاختيار الجمعية العامة من أجل اختيار وزارة منتخبة ومجلس رئاسي وكتابة الدستور الدائم. والمتابع للحركة السياسية العراقية منذ الاحتلال الأمريكي لها حتى موعد الانتخابات العامة يشعر بأن فرض الديمقراطية الناقصة للمناخ الحي فلا ديمقراطية دون حرية، ولا يمكن ممارسة الاستحقاق الانتخابي تحت الاحتلال وبجو أمني مضطرب، وتتصف هذه الانتخابات بسلبيات عديدة أولها أن الناخب لا يعرف الماضي السياسي لأي من المرشحين، ويتم الانتخاب على أساس القائمة الموحدة أي أن العراق بأكمله قائمة انتخابية واحدة، ولكثرة هذه القوائم حتى بلغت المئات وصنفت بأرقام تميزها، ومنح قانون الحكم المرأة بنسبة 33% من عدد أعضاء الجمعية العمومية يخدش مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، ويحدد لها مساحة واسعة من أعضاء الجمعية علماً بأن للناخب الحرية في انتخاب المرشح الذي يختاره امرأة كانت أم رجلا، ولابد لكل قائمة انتخابية أن يشترك فيها من النساء ما يعادل ثلثها إجبارياً وإلا ستكون ناقصة نظامياً. والشارع العراقي منقسم بين رافض لهذه الانتخابات التي فرضت دون رغبة جماهيرية والتي يخشى أن تجر الكتل السياسية الى منازعات مسلحة، فالمقاومة العراقية الوطنية التي تقاوم الاحتلال الأمريكي تشرنقت وللأسف ضمن منظمات ارهابية قدمت من أفغانستان ومن جهة الشرق لتجعل أرض العراق ساحة لتصفية الحسابات مع القوى الأمريكية، ومارست هذه الفصائل الإرهابية صنوفا من الجرائم الوحشية كالخطف والقتل بطريقة وحشية بعيدة كل البعد عن هدف المقاومة الوطنية السامي وأثرذلك سلبياً على تأييد الشعب لها. وفئة كبيرة وواسعة التأييد الشعبي ترغب وتحاول تأجيل موعد الانتخابات لفترة زمنية حتى تحقق المصالحة الوطنية وتتحسن الظروف الأمنية فالاعتداءات الأمريكية وبوحشية مدمرة لبعض المدن العراقية الرافضة للوجود الأمريكي الممثل للأرض العراقية، وهذه المدن المدمرة غير مستعدة أبداً لممارسة العملية الانتخابية بحرية كاملة كالفلوجة وسامراء والنجف والموصل وغيرها من المدن، وبالتالي فإن إجراء الانتخابات العامة ستهمش سكان هذه المدن، وحاولت القيادات السياسية الممثلة لهذه الفئة إقناع الرموز الدينية للمذهب الشيعي بتأييد فكرة تأجيل الانتخابات لمصلحة العراق العليا إلا أن جهودهم لم تلاق القبول وأصروا على إجرائها بموعدها المحدد الثلاثين من يناير الحالي. والمستفيدون من هذه العملية الانتخابية هم الطائفة الشيعية وأحزابها السياسية الدعوة الإسلامية بجناحيها الجعفري والعنزي والمجلس والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية برئاسة السيد عبدالعزيز الحكيم وغيرهم من الاتجاهات الشيعية التي تدين بالولاء الديني لمرجعية السيد علي السيستاني فإنها ترى بالأكثرية السكانية للشيعة في وسط وجنوب العراق فرصة ذهبية للاستحواذ على السلطة كنتيجة لهذه الانتخابات، ويمثل هذا التيار قائمتين متقاطعتين في المصالح السياسية هما الإئتلاف الموحد والعراقية الموحدة قائمة الرئيس علاوي، وقد يكون من البلاء الحسن أن تختلف هاتين القائمتين حت لا تنفرد كتلة سياسية شيعية بالقرار السياسي في العراق الجديد، وقد ظهرت بوادر التنافس الحزبي بتراشق التهم المصحوبة بنبش الماضي المشبوه لبعض رموز هذه القوائم كما يحدث في تناحر الشعلان والجلبي من نشر الغسيل بينهما والذي يخشى من هذه الملاسنات غير المسؤولة، ومع الوضع الأمني الملتهب قد تمهد لنزاعات مسلحة تجعل من العملية الانتخابية عملية انتحار جماعي للناخبين والمرشحين ومراقبي المفوضية العليا للانتخابات ايضاً التي تشرف على سير عملية الانتخاب وإني أوجه هذه الأبيات المختارة من الشعر الأموي التي تحذر من الفتنة والغدر كما جاء على لسان الشاعر:
أرى بين الرماد وميض نار ويوشك أن يكون لها ضرام فإن النار بالعودين تذكى وأن الحرب أولها كلام فقلت من التعجب ليت شعري أأيقاظ بني (عراقي) أم نيام |
إني أدعو عقلاء وحكماء العراق وما أكثرهم أن يحذروا من الطائفية المقيتة المفرقة التي ستقسم المقسم كما في الشمال العراقي لجمهورية الطالباني في السليمانية ومركز قوى البرزاني في أربيل وإقليم الجنوب المؤلف من البصرة والناصرية والعمارة التي ينادي بقيامه أحمد الجلبي رئيس حزب المؤتمر الوطني، فوحدة التراب العراقي العربي خط أحمر لدى كل عراقي وطني ولا يمكن حتى التفكير بطرحه كمشروع سياسي مشبوه القصد منه تمزيق العراق الى كونتونات صغيرة ضعيفة يسهل ابتلاعها من قبل أعداء الأمة العربية من قوى استعمارية صهيونية. ومن الأولويات الوطنية الآن مع الانتخابات أو بدونها إجراء المصالحة الوطنية وعلى المقاومة العراقية الوطنية أن تفرز نفسها عن المنظمات الإرهابية وتستعد للتفاوض مع قوى الاحتلال من أجل رحيلها، وأن يفكر كل عراقي بالخلاص من نير الاحتلال وإنهائه دون رجعة، ومن ثم يعود العراق حراً قوياً عربي الوجه والتراب، وأن هذه الانتخابات لن تأتي بمفاجأة سياسية، بل ستعود المجموعة نفسها، ويعيد الرئيس علاوي تشكيل الوزارة المنتخبة وتوزع باقي المناصب حسب الحصحصة الطائفية والعرقية فمجلس الرئاسة يكون برئاسة أحد رموز السنة ومرشحهم الأقوى نصيباً الدكتور عدنان الباجة جي، وعضوية أحد الزعماء الأكراد، وآخر من السياسيين الشيعة، وهكذا يصبح الأمس مثل اليوم دون تغير جذري، ولكثرة الرافضين والمقاطعين والخائفين من الهاجس الأمني كل هذا مجتمعاً سينتج عنه نسبة مشاركة انتخابية لا تتعدى 50% من عدد الناخبين إن جرت في ظروف عادية.وإن العراق أمام تحد سياسي خطير ندعو الله سبحانه أن يضمد جراحه الدامية ويعيد لشعبه العربي المسلم نعمة الأمن والأمان ليشارك أمته العربية والإسلامية في تحقيق أمانيها في الوحدة والعزة والسلام.
* محلل إعلامي- عضو جمعية الاقتصاد السعودية |