* أجرى اللقاء - سوسن محمد - باريس: يشغل الأستاذ (سمير عبيد) موقع الناطق الرسمي لحركة التجديد الديموقراطي - العراق، وهو من الناشطين في المجال السياسي والإعلامي والصحفي العراقي والعربي، ومطلّع عن قرب على دهاليز القضية العراقية، وأبعادها المحلية والعربية والإقليمية والدولية، كما هو باحث ومختص بالملف الإيراني أيضاً، وباحث بشكل جيد في ملف المرجعيّة الشيعية في العراق، وكان معارضاً لنظام صدام حسين، وعلى اثرها خرج من العراق عام 1991م، وكان ناشطاً ضمن فصائل المعارضة العراقية في الخارج، وعاد بعد سقوط النظام هناك ظناً منه أنه سيجد طريقه في بناء العراق الجديد الذي حلم به هو وبقية العراقيين، ولكنه فوجىء بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد الخروج من العراق، بل تريد احتلال واستعمار العراق، لهذا عاد ليكون معارضاً شرساً لقوات الاحتلال، ولجميع الدوائر والمسميات التي طرحها الاحتلال، وبنظر السيد عبيد أنها عمليات تزييف وذر للرماد في العيون للوصول إلى بسط المخطط الأمريكي في العراق والمنطقة والذي يريد فصل العروبة عن الإسلام والانفراد بهما حتى التميّع ونشر الثقافة الأمريكية الجديدة، وذلك بعد بناء جيل مائع لا يعي ما يدور حوله، كي تكون الولايات المتحدة الأمريكية هي مثله الأعلى في الحياة والممارسة اليومية، وفي الطرح الفكري والسياسي. هنا يسرنا أن نطرح بعض الأسئلة المهمة: * تجاوزنا الأسئلة الشخصية والسياسية في مقدمتنا، كي ندخل في صلب الغاية من اللقاء، فهل لديكم بعض المعلومات الدقيقة عن عمليات توزيع المقاعد التي سيتشكل منها البرلمان العراقي المقبل، فهل بإمكانكم توضيح ذلك؟ - نعم . . نحن نعرف إن بيت المشاكل في العراق هي قوات الاحتلال، ونعرف أن هناك من يريد بقاء قوات الاحتلال من الأحزاب والحركات والشخصيات السياسية التي جاءت مع الاحتلال، لأنها ليس لها قاعدة جماهيرية، ومن ثم اشتركت بإغلاظ وبطش قوات الاحتلال ضد الشعب العراقي، وبالتالي هي تعرف أو هم يعرفون سيقذفهم المواطن العراقي خارج اللعبة السياسية إن لم يعاقبهم، لهذا فقضية الانتخابات ومقاعد البرلمان وبهذه الطريقة هي إهانة للشعب العراقي، لأنها جاءت بأوامر المحتل، وبالتالي هي غير شرعية، فالشعب العراقي بحاجة ماسة لانتخابات وبرلمان شرعي ومنتخب من قبل جميع أطياف الشعب العراقي وهذا حقه الطبيعي، ولكن ليس كما نراه منذ أكثر من عشرين شهراً من الدمار والاحتيال والانتهاكات اليومية، فمن جاء عن باطل سيبقى باطلاً للأبد. لذلك يبدو أن قضية خلاف وزير الدفاع العراقي المؤقت حازم الشعلان، والدكتور أحمد الجلبي كانت مرسومة بضوء أخضر أمريكي غايتها التذكير بماضي الأخير الذي يرتكز على التلاعب والاختلاس والتزوير، ونجح الشعلان والطيف، حيث رُشح أخيراً من قبل السيد السيستاني اسم الدكتور (أحمد الجلبي) ليكون على رأس الحكومة الانتقالية المقبلة في العراق من قبل السيستاني، ولكن الأمريكان رفضوا، وقالوا (على الرجل مشاكل قانونية، وقضية كبيرة في مكاتب الإنتربول، ومن ثم لا يريده التيار العربي الرسمي)، فتم ترشيح السيد (عبد العزيز الحكيم) ليكون على رأس الحكومة، فجاء الرفض الأمريكي قاطعاً أن يكون على رأس الحكومة رجل دين ويرتدي العمامة، حتى وصل الأمر إلى الدكتور (حسين الشهرستاني) فجاء الرفض الأمريكي ويشاركه الرأي الرسمي العربي كونه من أصول إيرانية، فقرر الأمريكان اختيار السيد (عادل عبد المهدي) والذي يشغل وزير المالية في حكومة الدكتور علاوي، والقيادي البارز في حزب المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بزعامة عبد العزيز الحكيم، هذا ما صرح به لنا مصدر مقرّب جداً من السيد السيستاني، والقائمة المرقمة 169، وكذلك أيده لنا مصدر فرنسي رفيع وقال (وهذا سر التقارب الفرنسي الأمريكي السريع حول الانتخابات وموافقة فرنسا على إجرائها، لأن السيد عادل عبد المهدي يبدو جاء بنصيحة فرنسية، خصوصاً عندما قدموا ملف الرجل الذي عاش في فرنسا طويلاً إلى الأمريكان وبتقرير جيد. * وهل تعتقد أنها صفقة بين الأمريكان وعلي السيستاني، أم هي عملية حل وسط توافق عليها جميع الأطراف، وهل ستكون لهذه الصفقة إن صح التعبير مضاعفات سياسية أو محلية وحتى إقليمية؟ - نعم . . انها صفقة، وانها جاءت لإلغاء النسب التي قدمها السنتاور (ليبرمان) في زيارته الأخيرة للعراق، والتي تتيح التساوي تقريباً لجميع الأطراف، وجاءت لتوافق على تعيين رئيس وزراء من قائمة السيستاني، فتم اختيار السيد (عادل عبد المهدي) والذي يرضي العرب الشيعة، والأكراد لأنه صديقهم، ويرضي الإجماع العربي الرسمي، ويرضي العرب السنة كونه كان بعثياً، وله صداقات قديمة مع جميع قادة حزب البعث هناك، وكذلك يرضي الطرف السوري والتركي لأن الرجل له علاقات طيبة مع الدولتين. فجاء اختيار الأمريكان للسيد (عادل عبد المهدي) ليشكّل الحكومة بمثابة حل وسط لإرضاء السيد السيستاني، ولسحب البساط من تحت أقدام الذين يلوحون بعمل ما في حالة عدم فوز قائمة السيستاني (169) بالأغلبية، فتم إعطاء رئاسة الحكومة لقائمة السيستاني، ولكنها لن تشكل أغلبية في البرلمان، وجاءت تلك التطورات بعد أن فشل الأمريكان في مفاوضاتهم مع (هيئة علماء المسلمين، ومفاوضاتهم مع البعثيين العراقيين في سوريا وفي الداخل، ومع التيار السلفي في العراق، وتيار المقاومة الوطنية الذي يقوده الجيش العراقي المنحل)، لهذا عاد الأمريكان إلى النجف الأشرف أخيراً، وإلى السيد السيستاني شخصياً طارحين صفقتهم التي بموجبها تم اختيار (عادل عبد المهدي) رئيساً للحكومة، وبموجبها تم تعديل جميع النسب التي اقترحوها من قبل والتي حملها (ليبرمان) معه إلى العراق، وأصبحت نسب البرلمان العراقي كالآتي، وحسب الصفقة الأخيرة بين السيد السيستاني وقائمته والأمريكان: 80 مقعداً لقائمة السيد السيستاني (قائمة الائتلاف الموحد) التي تحمل الرقم 169 67 مقعداً لقائمة الدكتور علاوي. 50 مقعداً للحزبين الكرديين (الديموقراطي والاتحاد). 26 مقعداً للحزب الشيوعي العراقي. 25 مقعداً لقائمة السيد غازي الياور والسيد حازم الشعلان. 16 مقعداً لقائمة الدكتور عدنان الباجه جي. مقعدان إلى السيد أياد جمال الدين والسيد سعد صالح جبر. وسوف يُكمّل العدد المتبقي لمقاعد البرلمان من القوائم الأخرى وعلى رأسها قائمة الشريف علي بن الحسين - الملكية، وقائمة وزير العدل دوهان الحسن، وقائمة التيار الإسلامي الديموقراطي وغيرها وبمعدل مقعد أو مقعدان لكل قائمة. * هل هذا يعني انه لن تكون هناك أغلبية لقائمة السيد السيستاني، وهل ستكون هناك حكومة إئتلافية انتقالية في العراق، وباعتقادك هل ستنجح هذه الحكومة في تمرير قراراتها، وبالتالي هل ستكون منسجمة في عملها؟ - أجيب من نهاية سؤالك، لا نعتقد سيكون هناك انسجام كامل، بل ستكون هناك هزات في داخل البرلمان العراقي المقبل نتيجة التحالفات داخل البرلمان، والتي ستكون حجر عثرة أمام ممثلي السيستاني في البرلمان، وأمام السيد عادل عبد المهدي، ولا نعتقد تستطيع الحكومة تمرير قراراتها على قوات الاحتلال، بل سيكون برلماناً ضعيفاً جداً أمام هيمنة قوات الاحتلال، خصوصاً وهناك مؤشرات لهيمنة الجماعات المدعومة من الأمريكان داخل البرلمان العراقي المقبل . . ولندخل بتفاصيل أكثر . . سيكون هناك ائتلاف داخل البرلمان بين قائمة الياور وعلاوي، وهذا ما نوه له وزير الدفاع السيد حازم الشعلان في صحيفة الاتحاد ليوم 26-1-2005م، عندما قال نحن أقرب إلى قائمة الدكتور علاوي، وبالتالي ستكون هناك حكومة ائتلافية، وكإرضاء للسيستاني، وإنقاذ لماء وجه المرجعية الشيعية التي زُجت في اللعبة السياسية سيكون (عادل عبد المهدي) رئيسها، وهنا ستكون قائمة السيستاني في الواجهة، وستتحدد وستتعب في ائتلاف داخل البرلمان، ومن ثم ستكون بمواجهة مع المقاومة العراقية (في فوهة المدفع) لأنها تمثل الحكومة، وهناك الدكتور علاوي الذي سيخرج من الباب ليعود من الشباك، لتكون هناك سيطرة كبيرة إلى (الليبراليون الجدد) داخل البرلمان، والذين يؤمنون بالمشروع الأمريكي ايماناً قاطعاً، لهذا فالأمر أصبح وارداً أن يكون هناك ائتلاف بين قائمة علاوي وقائمة الياور، وقائمة الباجه جي، وشخص السيد أياد جمال الدين، وشخص السيد سعد جبر وبالتالي هي عملية إنقاذ من جهة، وإرضاء من جهة أخرى، ولكن من يمسك القلم والقرار وإن لم يكن في الواجهة هم (العلاويون) مرة أخرى، ولكن بصيغة ائتلافية. * قد يسأل القارىء، والمواطن العراقي، وحتى المتابع للقضية العراقية: يا ترى من هو السيد عادل عبد المهدي وما هي خلفيته السياسية وما هي علاقته مع الأطراف الأخرى؟ - تعوَّد القارىء وخصوصاً العراقي على صراحتي ومصداقيتي، لهذا أستطيع أن أجيب عن هذا السؤال بتفصيل قد يزعج البعض، ولكنها فرصة طيبة لنسرد ما نعرفه عن الرجل، وليس من وحي الخيال، أو نتيجة خلافات سياسية، فالرجل نقدره ونحترمه على المستوى الشخصي والعائلي، وله دراسات وبحوث قيمة ومن أسرة عريقة وفاضلة، لهذا سأجيب إجابة بين طياتها السلب والإيجاب وبالدليل. إنه السيد (عادل عبد المهدي المنتفجي) المولود في مدينة الناصرية جنوب العراق، ووالده من الشخصيات الوطنية العراقية المعروفة، وكان يمتاز بدماثة الخلق والكرم، وكان يسكن في مدينة بغداد (الكرادة)، وكذلك يمتاز السيد (عادل عبد المهدي) وعلى المستوى الشخصي بالتهذيب والأريحية المطلقة، وكان هو ووالده من الشجعان الذين فتحوا بيوتهم لإخفاء بعض رجال (اليسار البعثي) في منتصف الستينات، ولكنه يميل للنفعية وأحياناً الانتهازية بالنسبة للمسار السياسي، فالرجل كان بعثياً نشطاً، ومن أفراد الحرس القومي لعام 1963م، وبعدها أصبح بعثياً يسارياً متطرفاً، ثم ترك حزب البعث ليكون شيوعياً يؤمن بالكفاح المسلح، وكان يعتبر (لينين) مثله الأعلى خصوصاً عندما استقر في فرنسا. بعدها تحول ليكون إسلامياً بل قيادياً في حزب (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية) بزعامة السيد عبد العزيز الحكيم، بحيث أصيح منظراً لهذا الحزب، ومتطرفاً بالدفاع عنه، وأخيراً شوهد يمدح ويشيد بالدكتور الجلبي من على شاشة قناة العربية الفضائية، مما فاجأ جميع الرفاق القدامى له، ولكنه يمتاز بعلاقات جيدة مع العرب السنة والأكراد والتركمان. شغل (عادل عبد المهدي) منصب السكرتير الثاني في السفارة العراقية في باريس في السبعينات، وبعدها ترك البعث والمنصب ليبقى في باريس، ولكنه من الأصدقاء الشخصيين إلى الدكتور (علاوي) وكان ساعده الأيمن في الحرس القومي لعام 1963م، وهما اللذان وقفا في باب كلية الطب ببغداد في ذلك العام وبأيديهما السلاح الناري (كلاشنكوف) كي يمنعا الطلاب من تأدية الامتحانات، ولكن الطلبة رفضوا التهديد ودخلوا إلى أداء الامتحان، فقام على إثرها السيد عادل عبد المهدي، والدكتور علاوي بخطف (عميد كلية الطب) ببغداد في ذلك العام، وهذا ما جاء على لسان عضو مجلس الحكم السابق، وزميلتهم في الجامعة آنذاك السيدة (رجاء الخزاعي)، وبقلم وتعليق الكاتب والصحفي والمذيع الشهير في البي بي سي (إندروكليكن) في مجلة (إسبكتتير) في لندن بتاريخ 13- نوفمبر 2004م، وكان الاختطاف الأول في العراق، وهذا يعني أن مؤسس الاختطاف في العراق هو (الدكتور علاوي والسيد عادل عبد المهدي)، ولمن يريد المزيد حول تغطية هذا الموضوع باستطاعته الذهاب لتلك المجلة، ويرى تفاصيل مثيرة أخرى. أما الآن . . فيشغل السيد عادل عبد المهدي الذي يحمل الثقافة الفرنسية، منصب وزير المالية في حكومة الدكتور علاوي، وتحت قسمة المحاصصات التي اتبعوها في توزيع الوزارات آنذاك، ولقد قُدم ملفه عبر الفرنسيين وبتقرير يشيد بعادل، وبتكتيك من (عادل) الذي يجيد فن التكتيك إلى الأمريكان، ليكون بديلاً جاهزاً عن (الحكيم والجلبي والشهرستاني) على رأس الحكومة الانتقالية القادمة، وبالتالي ربما سيكون جسراً بين واشنطن وباريس في العراق. * هل سيصمد السيد عادل عبد المهدي أمام العواصف القادمة، وهل نجح الشعلان بإقصاء الجلبي؟ - نعم . . نجح السيد حازم الشعلان الذي كان يحمل وجهة نظر كثير من الأنظمة العربية، والتي لا تريد التعامل مع الدكتور الجلبي، ولكن الجلبي اختار السيستاني ليكون والده، والأموال الضخمة التي بيده تكون عشيرة له من خلال شراء الذمم والموالين، أما السيد الشعلان فعشيرته تعدادها أكثر من (40) ألف خزاعي عدا القبائل المتحالفة معها، وبالمناسبة لقد نجح الشعلان أيضاً بإقصاء الدكتور حسين الشهرستاني . . أما مسألة صمود السيد عادل عبد المهدي أمام الأزمات، فلا نعتقد سيصمد، ولكننا ننصحه بعدم الانجراف نحو استعمال السلاح والقمع ضد المدن العراقية، كما حصل في حكومة الدكتور علاوي، ونسأله العمل من أجل الشعب العراقي، وليس من أجل ولاءات من يؤثرون عليه حزبياً ولصالح جهات أخرى ومنها خارجية، وإن كان شجاعاً فعليه أن يتحصن بالشعب العراقي، ويطالب برحيل الاحتلال من العراق ودون شروط. نشكر سعة صدركم أستاذ (سمير عبيد) الناطق الرسمي لحركة التجديد الديموقراطي، ونشكركم على هذه المعلومات الطازجة والخطيرة، ونتمنى للشعب العراقي مزيداً من الاستقرار، ولكم التوفيق . . . والسلام عليكم. شكراً لكم . . . ومع السلامة . .
|