Saturday 29th January,200511811العددالسبت 19 ,ذو الحجة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "محليــات"

يارايارا
البضاعة التي تباع لا تردّ ولا تستبدل
عبد الله بن بخيت

لدينا فكرة بأننا سيئون في مسألة الثقة. لا يمكن أن تعمل الأشياء بدون ضمانات وعقود وكثير من التحوط المعقد. فعقود الشرف قلما نعمل بها. عندما ذهبنا إلى الغرب شاهدنا أننا فعلاً سيئون أو هكذا خيل لنا. تباع الجريدة بدون بائع. تضع فلوسك في الصندوق وتسحب الجريدة بلا حسيب أو رقيب. كنا نتندر بالواقعة. وش ظنك لو سووها في الرياض أو في جدة.. الخ؟ كنا على قناعة باستحالة ذلك. والله أن تفلس الجريدة في يومين. هكذا كنا نفكر. ليس غريبا أن نفكر في هذا الاتجاه. من المعتاد أن تشاهد في بلادنا لوحة بالخط العريض تقول (البضائع التي تباع لا ترد ولا تستبدل). لم أشاهد مثل هذه اللوحة في أي مكان من أوروبا. عملية استبدال البضائع أو أخذ فلوسك شاهدناها في أوروبا منذ السبعينات. أصبنا بالفزع الأخلاقي عندما شاهدنا أن هناك بعض المحلات التجارية لا تضمن لك استبدال البضائع أو استرداد فلوسك بل لك الحق في إرجاعها متى شئت.
عندما نشاهد ذلك أو نقرأ عن ذلك تصيبنا الدهشة ونشعر بشيء من الدونية. على الرغم من أننا ندعي أن الغرب حضارته مادية ونحن حضارتنا (الله أعلم) ولكن حسب منطوق الكلام ومواضع استخدام هذه الصفة يتبين أننا أحسن منهم. فهم ماديون؛ يعني تهمهم المادة، يتهافتون على المادة. إذا قلنا إن هذا الإنسان مادي يعني لا تهمه الأخلاق والشرف والعهود. لا يهمه سوى التكالب على الدنيا. وهذه تعني أنهم غير أهل للثقة.. باختصار (ما فيهم خير). لكن ما الذي يحدث؟ أشاهد في لندن شابة صغيرة في السن تسير وحدها في الشارع في آخر الليل دون أن يتعرض لها أحد ولا حتى يرمي عليها كلمة قبيحة أو مزحة غير لائقة. رغم كل ما نحاول أن نغطي به هذا التناقض بين ما نقوله عن الغرب وبين ما نشاهده على الواقع إلا أننا في النهاية ما زلنا نردد أسوأ عبارة ثقافية سمعتها في حياتي: (في الغرب مسلمون بلا إسلام، وفي الشرق إسلام بلا مسلمين) العبارة التي قالها رفاعة الطهطاوي عندما عاد من باريس في القرن قبل الماضي. ربما لم أصغها بنفس الطريقة التي قالها بها ولكنها تدور حول هذا المعنى. في كل مرة أسأل نفسي: هل هذا حقيقي؟ هل الغرب فعلا أفضل منا أخلاقياً؟ هل الغرب - كما قال الطهطاوي - مسلمون بلا إسلام؟
بعد سنوات انتقلت إلينا رأس مالية الغرب وأساليبهم التجارية وبدأت شركاته الكبرى تعمل على أرضنا فانتقلت مع هذه الشركات حكاية الثقة هذه. بدأنا نلاحظ أن هناك محلات تبيع بضائعها مع حق الاستبدال ومحلات تبيع بضائعها مع حق الاستبدال أو استرجاع فلوسك، ونجحت وحققت مبيعات جيدة ولم يسرق أحد أحداً؛ إذا المسألة لا تقع في خانة الاخلاق؛ فهي اسلوب تجاري لا أكثر ولا اقل؛ لأن الإنسان في أصله ليس حراميا. الفرق إذاً لا يكمن في أخلاق الإنسان، يكمن في المغامرة والدراسات. الشركات الغربية تبحث يوميا عن فكرة جديدة وعن أسواق جديدة تريد أن ترفع مبيعاتها؛ فسبقتنا في اكتشاف هذا الأسلوب التجاري الذي يقوم على الثقة. يقوم على أخلاق الإنسان الأصلية. فإحساس المرء بأن الناس حرامية هو الذي يولد قوانين الحماية من الحرامية. كقولنا: (البضاعة التي تباع لا ترد ولا تستبدل). مثل هذا القول وقول رفاعة الطهطاوي وغيرهما من الأقوال القبيحة تشكل عند الناس ثقافة عدم الثقة؛ فتختلط المعايير والمهن. يصبح الحرامي تاجراً، والتاجر موظفاً، والموظف كاتباً، والكاتب خبازاً.
الغرب لم يكن أبدا أفضل منا أخلاقيا كما كان يدّعي رفاعة الطهطاوي، ولكن الغرب تتملكه روح المغامرة وحس الابداع والحريات على المستوى الشخصي والفكري، وصلابة القوانين؛ فيبدو لساذج كرفاعة الطهطاوي أنه أفضل منا أخلاقياً.

فاكس 4702164

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved