Saturday 29th January,200511811العددالسبت 19 ,ذو الحجة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "محليــات"

لما هو آتلما هو آت
حكايا الطبيعة!!
د. خيرية السقاف

حين كان الموغلُ في الصحراءِ يتحرَّى البرق، ويتبع اتجاه الريح، ويتفحَّص التراب، ويراقب أسراب الطيور، فلأنَّه ببصيرته يسمع لصوت الطبيعة، وهو يمنحه النَّبأ، بقدوم المطر، أو ثورة العواصف، أو تبدّل المواسم، أو مكامن الرَّواء..، فللطبيعة أصواتٌ لا يسمعها إلاَّ ذو بصيرة سمعية، تقوى بالدّربة، وتُثقب بالخبرة...
الإنسانُ كان الصاحب لحركة النسمة، وتوجّه الهواء، وعبور الغيمة، وحدقة الشمس، وابتسامة القمر..
وبكلِّ إمكاناته اليسيرة، واعتماده على قدراته الخفيَّة فيه بقدرة الله تعالى فيه حيث منحه، ويسرَّه للتعرَّف على ما فيه، وأعان جهده للاستفادة بما أعطاه، استطاع الإنسان أن يصل إلى علومٍ عديدة وضع لها أسسها وبنى لها جذورها، ومكّن من مفاتيحها من جاء من بعده، حتى لم يعد الإنسان هذا بحاجة لأن يستخدم قدميه، للتجواب حين ظاهرة من ظواهر هذه الطبيعة تبدأ في إرسال صوتها، إذ تحولت قدماه إلى أزرة تتحرك آلياً، وشاشات ترصد كهربائياً، وتضاعفت العيون التي في رأسه، وتمدّد السمع الذي فيه.. وغار الإنسان بقواه الأخرى في أعماق الأرض السحيقة، وصعد إلى آفاق السماء البعيدة، وكبر الإنسان، وكبرت حكايا الطبيعة معه، ولم يعد يعتمد على حدسه المتواضع، بل على مؤشرات قرائن لها ضوابطها العلمية والمخبرية والتقنية...
وكلَّما زاد الإنسان في إنشغاله في شأنها، زادت حكايا الطبيعة تمنحه مفاتيح لأسرارها..، وكلَّما ظنَّ أنَّه ملك مفاتيحها، كلَّما نصبت له أبواب مغلقة عليه أن يسعى، ويسعى..
حكايا الطبيعة وأصواتها هي جزءٌ من هباتِ الله على أرضه تعالى وقدرته العظيمة في كونه الذي بسطه بلا مدى، وحدَّد لكلِّ ما خلق قدرة، ومنحه فرص التعامل معها، ولم يقف الإنسان عند حدود نفسه كي يسبرها ويبصرها {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (21) الذاريات، كما وجَّهه الله الذي خلقه، بل إلى ما حوله من ملكوت الله العظيم {إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ } (33) الرحمن.
هذه البصيرة التي أوجدها الله في الإنسان، وهذا السلطان الذي دعاه لأن يبلغه، كيف للإنسان أن يجعله متاحاً بما يليق لسماع حكايا الطبيعة فيما تقدمه له في الآونة الأخيرة التي كبرت فيها ظواهرها، وارتفعت أصواتها، وتمادت علاماتها، كي تبقى له القدرة على التعامل معها وفق ما كان جدَّه الأول الذي يتقي العاصفة قبل حدوثها، ويعرف مواطن الرَّواء في مواجهة العطش؟!. بينما عليه الآن معرفة مستشرفات البراكين، ومواجهة الغرق؟!، وتَوقُّع أن تستبدل الأرض وجهاً جديداً..، وتُسمعها الطبيعة حكايا أجدّ؟!.
سبحانك ربّي إنَّا كنَّا من الظالمين.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved