هكذا - بفضل الله ومنِّه وكرمه - اكتمل موسم حج هذا العام كأحسن ما يكون الحج تنظيماً وترتيباً وخدماتٍ متميزةً، وتنقّلَ ضيوف الرحمن بين المشاعر ملبين مكبرين مهللين مبتهلين إلى الله عز وجل الذي فتح لهم باب جوده وكرمه، ومهد لهم ساحة ضيافته الآمنة المطمئنة المشرقة بشرعه الحكيم. وهكذا تأكَّد للناس أن الخدمات الجليلة التي تقدمها المملكة لضيوف الرحمن تتطور عاماً فعاماً، وأن الجهود المبذولة تُضاعف أمنياً، وتوعية، وخدمة للحجاج عاماً بعد عام، وأنَّ برنامج تطوير المشاعر لايتوقف بل هو مستمر على مدى العام لتجاوز المشكلات وعلاج الأخطاء والسلبيات ورفع مستوى الخدمات التي تمهّل على الحجاج سبل أداء مناسكهم. انتهى موسم الحج لهذا العام وألسنة كثير من الحجاج تتحدث بغبطة عما رأى أصحابها من خدمات جليلة في هذا الموسم العظيم. وإن المتأمل في موسم الحج وما يتطلبه من الجهود الكبيرة ليدرك عظم المسؤولية الملقاة على عاتق هذه البلاد الطاهرة ولاةَ أمرٍ ورعيةً في دعم مسيرة الحج المباركة مادياً ومعنوياً حتى تتم ضيافة حجاج بيت الله في أحسن صورها وأكملها. نحمد الله الذي يسر لحجاج بيت الله حجهم وسهل لهم أداء فرضهم وإكمال ركنهم الخامس ونشكره على ما أنعم به على هذه البلاد من نعمة القيام بواجب ضيوف الرحمن في موسم الحج خاصة وفي كل أيام السنة للمعتمرين وزائري البيت الحرام بصفة عامة ونؤكد أن العمل البشري لا يكتمل ولكن الصدق في العمل والإخلاص في تقديم ما يُستطاع من الجهود يقرب الخدمات من المستوى المتكامل الذي تتوق إليه. لقد تم موسم الحج على خير ما يرام، وأصبحنا نردد: (حجاً مبروراً إن شاء الله)، لكل من تكبد المتاعب لأداء فريضة ربه، بعد أن كنا نردد: (مرحباً بضيوف الرحمن، وأهلاً بحجاج بيت الله) وكأنني أنظر إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأمر بعض رجاله أن ينطلقوا إلى الحجاج في مواقعهم في آخر أيام منى ليقولوا لهم: أيها الحجاج دياركم تقبل الله منكم، مؤكداً لهم أنه يكره للحاج أن يطيل المكث في مكة بعد أداء حجه، وإتمام نسكه، وإنها لدعوة ذات بُعدٍ حضاري واضح، فبلاد هؤلاء الحجيج وديارهم بحاجة إليهم، وإلى أعمالهم وجهودهم، وبقاؤهم في مكة يعطلهم عن أعمالهم، ويدفعهم إلى التكاسل والتواكل، والتكدُّس في البلد الحرام، وفي ذلك تعطيل لمصالحهم ومصالح أهلهم وبلادهم من جانب وإثقال على البلد الذي يستقبل مئات الآلاف من زوار بيت الله معتمرين وحاجِّين من جانب آخر. لقد كان منادي عمر - رضي الله عنه - صريحاً في ندائه، واضحاً في توجيهه وكان المسلمون يستقبلون ذلك النداء بالرضا والقبول، ويدركون ما فيه من المصلحة الراجحة للناس. إن المسلم ذو نشاط وعمل دؤوب لا يكون فارغاً من شيء من عمل الدنيا أو الآخرة، وإن تخلف كثير من المسلمين في مكة والمدينة بعد موسم الحج يعلمهم الاتكال على غيرهم، ويدفعهم إلى انتظار إحسان المحسنين وصدقة المتصدقين وفي ذلك قتل لإنسانيتهم وتوهين لعزائمهم، وإهانة لكرامتهم وذلك مالا يرضى به الإسلام منهم. إشارة: نقول لكل حاجٍ وحاجَّة: حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً.
|