أصبحت حربنا ضد الإرهاب هي مسلمة قاطعة غير قابلة للنقاش، ولا سيما بأنها متصلة بكيان هذه الدولة ووجودها وقضية أمنها واستقرارها وثبات خطواتها باتجاه الغد. إذاً القضية لم تعد الآن تناقش مشروعية الحرب ضد الإرهاب، ولكن باعتقادي هو التعريف الدقيق لمسمى الإرهاب، ما مصادره، حواضنه وممولوه، والأقنعة اللامتناهية التي يتنكر خلفها؟. فهل الإرهاب هو الشيطان الذي تلوح به الولايات المتحدة في أنحاء العالم، وتصنفه على أنه المروق على سياستها الخارجية والتمرد على مسلماتها؟؟ أم أننا نختار القطب المضاد عندما نجد الإرهاب يختبئ خلف الشعارات السياسية البدائية التي تموج في العالم تحت مسمى النضال والجهاد، وتحرير الشعوب من ربقة الذل والاستعباد. قضية الإرهاب ليست دولة بحدود واضحة وموانئ وتضاريس، وليست جيوشاً جرارةً تمتلك خططاً استراتيجيةً وعدوانيةً، الإرهاب بكيانه الضبابي المتبدل المتشكل، من الممكن أن يباغتنا في أي مكان أو منعطف. وقد نجده ينطلق من منبر الأمم المتحدة تحت الكثير من الوسائل والذرائع، ولكن بالتأكيد في النهاية هناك صيغ معروفة للإرهاب الفكري الذي يغذي ويقود إلى الإرهاب الجسدي، فعندما تمتلك الحقيقة المطلقة أو تدعي امتلاكها، ومن ثم تحمل العصا أو (الأربيجي) لتنسف الكون من حولك ليندرج في حقيقتك الخاصة فأنت عندها إرهابي، عندما تنشغل بالنصوص ومحاولة تتبعها بشكل حرفي وساذج ومنقطع عن الواقع الذي أنتجها فأنت بالتأكيد إرهابي، عندما ترفض فتح أي نافذة في دماغك ليكل منها شعاع من ضوء قد يحمل فكرة قد يحمل رواية وقد يحمل منتجاً تراثياً أو شعبياً لأي شعب من شعوب العالم، وترفض معاملة هذا المنتج بكل الاحترام والتقدير الذي يتوافق مع تقديرك واحترامك لمنتجك الخاص، فأنت بالتأكيد إرهابي. حينما تحاول الاعتداء فكرياً عن طريق التشهير والتسفيه والانتقال من العام إلى الشخصي، على كل من يقدم فكراً متناقضاً مع ما تقدمه... فأنت بالتأكيد إرهابي، وعندما تحمل لواء الحماية والوصاية على أدمغة الآخرين وتمنعها من ممارسة حقها الرباني المشروع في التفكر والتدبر، فأنت بالتأكيد إرهابي. هذا ما أعرفه أو ما أعتقد أنه يبرز لي ملامح الإرهاب، وهذا بالتحديد الممارسات التي نأكل ونشرب منها يومياً، ومن ثم نرتدي القفازات المعقمة وندعي الوسطية والعقلانية ومحاربة فكر التطرف والغلو.
|