انتهت الانتخابات العراقية، ويفترض أن تكون مرحلة كاملة قد انطوت بكل مساوئها ومآسيها ومصائبها، وأن أخرى ستطل على العراقيين وهم يتطلعون لساسة همومهم بحجم هم العراق، وتطلعاتهم بمستوى ثقل العراق، ونظرتهم بعمق تاريخ العراق!! ما زال الذين هرعوا إلى صناديق الاقتراع طمعاً بأمن يستتب، وأزمات تحل، وصراعات تخفت نيرانها ما زال هؤلاء يراهنون على من سيشغلون مقاعد الجمعية الوطنية، علّهم ومن خلال تلك المقاعد، يغيرون واقع العراق، ويطببون جراحاته، ويواسون أبناءه على ما حل بهم في العهود السود وتلك الأكثر اسوداداً، يصلحون ما تخرب ويبنون ما تهدم ليس على الأرض، بل في النفوس والضمائر، فما تهدم على الأرض يعمر لكن ما تهدم في النفوس لا يرمم إلا بنقاهة يسترد فيها العراقي وعيه ويستحضر تاريخه ويستلهم ماضيه ويحث الخطا صوب مستقبله واثقاً بنفسه وبمن يقوده وتلك هي الخطوة الأولى على الطريق الطويل! ليس مناسباً بعد كل الذي جرى أن نكرر السؤال الحزين: من أضاع العراق؟ لكن المهم أن نذكر الساسة القادمين ألا يضيعوا العراق مرة أخرى بصراعات الطوائف والمذاهب والأحزاب والعشائر والامتيازات والصفقات والتهافت على المناصب والكراسي والتنافس على العناوين والإصدارات، وألا يكون الهم الحزبي فوق الهم الوطني، ولا شؤون المذهب فوق هموم البلاد، لأن البلاد إذا فسدت وضاعت ضاع معها كل شيء ولا فائدة بعدئذ من النواح على الأطلال وإقامة مجالس الفاتحة والندم على ما فات!! إن جراحات العراق لن تشفي بالخطب الرنانة، ولا بالاجتماعات المطولة، ولا بالمعلقات السياسية التي يستهلها أصحابها بعبارة (في الحقيقة والواقع وبادئ ذي بدء)، بل عليهم أن يفتحوا قلوبهم لبني قومهم وأبناء جلدتهم من غير استذكار لما ينكئ الجراح أو يغضب النفوس أو يعكر صفو الضمائر وصفاءها، عليهم أن يتساموا على الجراح، وأن يثوروا الدولة ويجتثوا الفساد وأن يغادر العراقيون إلى الأبد بدعة (التزكيات الحزبية) التي رافقتهم منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي وامتدت معهم ليجدوها تتغدى وتتعشى وتنام معهم في فراش واحد في مطلع الألفية الثالثة! وإذا كانت (التزكية) في سالف الأزمان مطلوبة من حزب واحد فهي اليوم مطلوبة من مائة حزب!! كل من أحب العراق فهو مزكى، وكل من كان كفؤاً في عمله ملماً في اختصاصه فهو مزكى منقى، وكل من حافظ على وطنيته ومقدساته فهو عراقي ومن أبوين عراقيين بالولادة ولا أحد يستطيع أن يغير من ذلك شيئاً أو يثبت عكسه، فالعراق وحده هو الذي يزكي أبناءه ويميز المخلصين عن سواهم وليست المذاهب والأحزاب والملل والنحل والطوائف والمناطق، فالوطنية العراقية الصادقة يبرهن عليها التفاني والإخلاص، ويؤكدها أن يوضع العراق فوق الميول والاتجاهات، وتعززها الكفاءة، فالكفاءة قوة والله يحب المؤمن القوي ولا يحب المؤمن الضعيف!
|