زخر الحرمان الشريفان بالعديد من العلماء على مر العصور، وما زالت آثارهم وما خلفوه من مؤلفاتهم وما أوقفوه من كتب مخطوطة ومطبوعة شاهدا على ذلك، وعلى اهتمامهم بالعلم والتعليم، ومن هؤلاء الأعلام العالم الشيخ عبدالستار الدهلوي البكري الصديقي نزيل الحرم المكي، وقد ترجم له الزركلي في الأعلام بقوله: الدهلوي (1286 - 1355هـ عبدالستار بن عبدالوهاب بن خدايار بن عظيم حسين يار بن أحمد يار المبار كشاهوي البكري الصديقي الحنفي الدهلوي، أبو الفيض وأبو الإسعاد: عالم بالتراجم. مولده ووفاته بمكة، كان من المدرسين بالحرم المكي، له تآليف منها: فيض الملك المتعالي بأبناء أوائل القرن الثالث عشر والتوالي (مخطوط) وأعذب المواريد في برنامج كتب الأسانيد (مخطوط) وسرد النقول في تراجم الفحول (مخطوط) والأزهار الطبية النشر في ذكر الأعيان من كل عصر (مخطوط) مرتب على الطبقات، وبغية الأديب الماهر (مخطوط) ثبته، ونثر المآثر فيمن أدركته من الأكابر (مخطوط) وغير ذلك. وكان قد جعل مكتبته وقفاً قبل وفاته، ثم نقلت مع مؤلفاته إلى مكتبة الحرم بمكة، ورأيت في صدر كتاب له سماه أزهار البستان في طبقات الأعيان (مخطوط) وهو جزء من كتابه الأزهار الطيبة النشر قوله بخطه (لجامعه - فلان - المكي وطناً وإقامة وإن شاء الله المدني موتاً ولكنه توفي بمكة!) انتهى. وقد حاول الاطلاع أو الحصول على صورة لأهم ما ألفه الدهلوي في التراجم وهما كتاب تحفة الأحباب في بيان اتصال الأنساب وكتاب موائد الفضل والكرم الجامعة لتراجم أهل الحرم، وقد قمت لأجل ذلك بزيارة لمكتبة الحرم المكي صيف عام 1423هـ، ولكن طلبي رفض من قبل رئيس قسم المخطوطات آنذاك بحجة أنهما تحت التحقيق!، مع العلم أنه ليس هناك مشكلة بين التحقيق والحصول على صورة من المخطوط، والجدير بالذكر أن للدهلوي مؤلفات أخرى لا تزال مخطوطة غير ما ذكره الزركلي محفوظة في مكتبة الحرم المكي الشريف حسب فهرسها الذي اطلعت عليه خلال الزيارة، اتصلت بعد الزيارة بأيام قليلة بالشريف أنس الكتيب صاحب الخزانة الكتبية الحسنية الخاصة بالمدينة النبوية الذي زودني مشكوراً بصورة من صورة الكتابين الموجودين ضمن مقتنيات الخزانة العامرة. كلا الكتابين محفوظان في مكتبة الحرم تحت الرقم (115) تراجم وعلى الميكرو الفيلم رقم (829)، ولم يطبعا بعد، وهو مسودة المؤلف، ويقع تحفة الأحباب في حوالي (27) ورقة وملحق به كتاب موائد الفضل والكرم وهو تتمة الخاتمة للكتاب الأول ويقع في حوالي (396) ورقة ومجموع أوراقهما (433) ورقة تقريبا، ونسوق الآن طرفا من خطبة المؤلف الذي وضح فيها غرضه من التأليف ومنهجه في ذلك وتقسيم الكتاب والمشاغل التي قد تحول أو حالت دون إكماله. (يقول عبد ربه أحقر الورى، أحد ساكني أم القرى، الراجي حسن الختام من رب العباد، المعروف بأبي الفيض والمكنى بأبي الإسعاد، عبدالستار الصديقي الحنفي بن الشيخ عبدالوهاب الكتبي الدهلوي المكي، غفر الله ذنوبه، وستر عيوبه، إني شغفت من صغري بالنظر في التواريخ الصحيحة، والأخبار النائقة اللائحة المليحة، وكنت أحب أن أقيد شيئا من أنساب العرب قديما وأُبين اتصالات العرب الموجودين حديثاً، ليكون الرجوع والعمدة في ذلك عليه، وأردت كشف نقاب الحسناء عن محيا أنساب أهل الأمصار، وأوصلها إلى ما هو موجود ومشروح في الأسفار، فعنَّ لي أن أُحبِّر ما يليق بالجمع، وأُسطر ما يروق للسمع مما سمعت فوعيت، وجمعت فأوعيت في مختصر أحسن في بابه، ممتعا لمن نظر وعلم صعوبة أسبابه، ويرى فيه من العجب العجاب ما يعجز عن ذكر بعضه الكتَّاب، راجيا ممن رشف من راح هذه العجالة أن يغمض نظر الأفكار، وأن يصلح عند العثور على العثار، فإني في وجل واضطراب في وقتنا الغدار، ولا سيما مع كثرة العيال والجري عليهم مع الاضطرار، واشتغال البال في بلبال ما عليهم ولديهم وانقلاب الزمان، ومبتلى ليس معصوم من الخطأ والنسيان، سائلا منه سبحانه أن يحفظنا من شر الحوادث الدائر بها الدوران، وأن يصلح أحوالنا وإخواننا المسلمين، ويختم لنا بالإيمان، إنه على ما يشاء قدير وبالاجابة جدير، وسميته تحفة الأحباب، في بيان اتصال الأنساب، ورتبته على مقدمة وبابين وخاتمة وتتمة الخاتمة وهو المقصود من تأليف هذا الكتاب). وسنتناول الآن أبواب الكتاب الذي بدأه بمقدمة في حدود جزيرة العرب، وذكر فيها الأقاليم التي تتكون منها جزيرة العرب والتعريف بحدود كل إقليم وموقعه وما يضمه من بلدان وجبال وأنهار وبحار وما تحويه البلدان من عمارة ومتنزهات ومساجد، ومن هذه الاقاليم، العراق والحجاز واليمن واليمامة ونجد والإحساء والزبارة والبحرين وعمان. الباب الأول، في ذكر أصول العرب وطبقاتهم وتفرعاتهم، شرح فيه المؤلف انحصار ذرية آدم في نوح والعرب في ذرية سام بن نوح ثم تفرعهم الى قحطان وعدنان، ثم بدأ بتقسيم قبائل العرب القديمة إلى قحطانية أو عدنانية، وإلحاق أنساب قبائل العرب الموجودين في وقته إلى القبائل العربية القديمة وتعداد مساكنهم وبلادهم، فبدأ بتربة ثم بيشة وقبائلها ثم رجال ألمع ونجران وذكر قبائل قحطان ومطير وبلدان الرس والبكيرية والخبراء وبريدة وشقراء والدرعية ورنية وقبائل شمر وحرب وقبائل الحجاز وبنو شهر وبنو مالك وبنو سعد وناصرة وهذيل وثقيف وقريش وخزاعة ولحيان وبنو سليم وجهينة والزرانيق والقرايشة وبنو حنيفة في نجد، وغير ذلك من البلدان والقبائل العربية، ثم ختم الباب بفائدة في معنى الشعوب والقبائل وتقسيماتهم في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} الآية. ونورد للقارئ شطراً من كلام المؤلف في هذا الباب: (قبائل عتيبة وهم قديما يعرفون بهوازن وهي قبيلة من قيس وهو هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان فمنهم بنو زياد والدعاجين والمقطة والروسان والروقة والثبتة ثم الدغافلة والدغالبة). أما الباب الثاني، فهو في مذاهب العرب في الجاهلية وأديانهم، وتطرق فيه لأديان العرب في الجاهلية، وأنهم على دينين حلة وحمس وذكر خبر مضاض بن عمرو الجرهمي وقصة إخراجه من الحرم التي أنشأ بسببها قصيدته الغراء التي مطلعها:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر |
الخاتمة، في معرفة قبائل حرب القاطنين بين الحرمين ومداركهم وأماكنهم وأسماء المراحل، وصف فيها المؤلف بعضاً من البلدان والمواضع الجغرافية والعيون في الحجاز القريبة من الحرمين الشريفين التي يمر بها ويرد ماءها الحجاج، مثل عسفان ووادي فاطمة ورابغ وبدر وحنين وقديد والجحفة وخليص ووادي الفراء والروحاء والسويق ووادي لعقيق ولكنه ذكر في أثناء حديثه أسماء بعض قبائل حرب دون إعطاء معلومات مفصلة عنهم. تتمة الخاتمة، وهي كتاب موائد الفضل والكرم الجامعة لتراجم أهل الحرم، يقول المؤلف عنها: (ألحقتها بتأليفي تحفة الأحباب في بيان اتصال الأنساب لما بينهما من الارتباط). ترجم فيه المؤلف للعديد من البيوت والعائلات المشهورة سكان البلد الحرام من المقيمين والمجاورين، المنقرضين والباقين المتقدمين والمعاصرين له في زمنه، حيث يذكر اسم البيت ثم يذكر شهرته من فضل وعلم أو ثروة أو نسب لآل البيت وغيرهم والبلاد التي قدم أجدادهم منها، وذكر أعلام هذا البيت من القضاة وأصحاب الوظائف والتجارة والتعليم، وممن أخذوا العلم ومن أجازوه، ومن بقي منهم ومن أبنائهم، ومن الملاحظ أن المؤلف ترك بياضا في بعض الصفحات وعنونها في أعلاها باسم البيت أو الأسرة ليترجم لها فيما بعد، ويبدو أن ظروف المؤلف حالت دون ذلك، ونورد هنا للقارئ ترجمة وردت في الكتاب عن إحدى الأسر المكية: (ومن البيوت المعرفة بالسيادة بيت السيد كوجك منسوب إل حضرة العلامة المحقق السيد عبدالله بن السيد محمد النجاري المشهور بكوجك قدم هذا الفاضل الجليل مكة المشرفة وجاور بها واجتمع بالعلامة الإمام الشيخ محمد الملقب بارتضا علي خان الصفوي.. وتوفي بمكة سنة 1297هـ ودفن بالمعلاة وأعقب من الذرية ابنه السيد محمد ثم مات هو ويوجد له ابن واحد اسمه السيد حسن إمام بمقام الحنفي ومطوف يشتغل بصنعة الطوافة ومنهم صديقنا المعمر الشهير السيد محمد كوجك). ومن الأسر الواردة في التراجم، المراغنة وباعلوي وبافضل وآل لطبري واللبني وبيت دحلان والقطبي واليافعي والجعفري والمراكشي والمرشدي وآل ظهيرة والشيبيون وبيت الفوال والنجارين والوقادين والمساوي وشطا والزواوي والحضراوي والبصري والسنجاري وبيت حميدان وبيت نائب الحرم والزرعة، وبيت علان والحطاب، وبيت ابن فهد والقلعي وبيت سنبل والريس الزمزمي والمفتي والوشقلي وبيت عتاقي، وبيت ابن سلمة والنويري وبيت أبي الفرج وبيت البادشاه والعجيمي وبيت مرداد وبيت الشيخ عمر وبيت سراج وجستنيه والدهان وبيت متوكل والمنوفي والكتبي وبيت ابن صديق وبيت كمال المكي والحريري والطايفي وبيت ملايكه وبيت شمس الدين وبيت قطب وبيت حبيب الله وبيت عبدالحق وبيت الطيب وبيت كاكه وبيت بدر الدين وبيت كنساره وبيت قطب خان والنقشبندي وبيت ابن حميد وبيت خوقير وبيت إلياس الزمزمي وبيت شبكة وبيت الرشيدي وبيت فته، وبيت المشاط والمالكي، وبيت بركات والكردي، وبيت نور وبيت زقزوق والقزاز وبيت حسب الله والداغستاني وبيت شلهوب والقادري والشربجي والشربتلي وبيت الأزعر والسروجي والرهبيتي والسجيني والهندي وبيت فردوس والغزاوي والخطيب وبيت كركدان وبيت عرب والفطاني والخاندي والعطار والراضي وبيت عاشور وبيت فقيه الشافعي. والمؤلف ذكر أو ترجم لأكثر من مائة بيت، ولكنه لم يذكر كل البيوت المكية والأسر المشهورة لذا نجده يختم الكتاب بقوله: (وبمكة المشرفة بيوت كثيرة مشهورة من أجناس مختلفة غير هؤلاء، وفيها كثير ممن اشتهر بالوجاهة والثروة، فمنها الدهلوية والبوقرية وميسرة وفدا وبيت باحارث وباجنيد وباناجه وباناعمه وباحكيم وبازرعة وباعيسى وباعشن وبيت هاشم والجبري والخشيفاتي والدرابزنلي والقرملي والفاشقلي والانديجاني وبيت البتاوي وقدس والمنكابر وزيني وأرشد والفتخانة والفلمبان ودوم وسنبس وسنباوه وقستى وغيرهم). وخاتمة الحديث أن الشيخ الدهلوي يعد من العلماء الرواد الأوائل في مجال الاهتمام بالتراجم الأسرية وتراجم العلماء، ونتمنى أن ترى مؤلفاته المخطوطة النور قريبا بعد تحقيقها لإثراء المكتبة العربية بتراجم إضافية لعلماء وأسر الحرم المكي الشريف.
|