اللغة هي العربية لغة القرآن الكريم أو اللغة الأم هي من أجمل اللغات عبر التاريخ وهي غنية ولله الحمد بالمفردات والمترادفات ويقال إنها أصعب لغة في العالم الآن، وكتب اللغة طافحة بما لذّ وطاب من الأدب والملح والطرائف وهي معينٌ لا ينضب وحديقة غناء لا يمكن لمن يعرفها إلا أن يعشقها ويرتع في بساتينها. والتصحيف وجد نتيجة لعدم أخذ العلم من منابعه وهم العلماء وما وقع لكثيرٍ من الناس إلا لما أخذوا العلم من الصحف لذا يسرني أن اطرح هذا الموضوع الطريف وهو التصحيف وأخبار المصحفين فأقول مستعيناً بالله. التصحيف: هو تغيير في نقط الحروف أو حركاتها مع بقاء صورة الخط. والتصحيف مشكلة قديمة ظهرت بعد ظهور الكتابة بالعربية نتيجة تشابه الحروف الهجائية قال حمزة الأصبهاني: وأما سبب وقوع التصحيف في كتابة العرب فهو أن الذي أبدع صور حروفها لم يضعها على حكمة ولا احتاط لمن يجيء بعده وذلك أنه وضع لخمسة أحرف صورة واحدة وهي: الباء والتاء والثاء والياء والنون وكان وجه الحكمة فيه أن يضع لكل حرفٍ صورة مباينة للأخرى حتى يؤمن عليه التبديل. التنبيه على حدوث التصحيف
وكان الناس في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم يأخذون القرآن والحديث مشافهة من الرسول صلى الله عليه وسلم ويحفظون في صدورهم ثم لما كبرت الدولة الإسلامية بعد وفاة الرسول عليه الصلاة السلام ومات كثيرٌ من القراء جمع أبوبكر رضي الله عنه القرآن ثم في خلافة عثمان رضي الله عنه ثم كتابة القرآن وجمعه في خمسة مصاحف ثم لما العجم واختلطوا في العرب كان منهم المولودون حيث كثر التصحيف فقد تنبه الخلفاء لذلك فقد أمر الإمام علي رضي الله عنه أبا الأسود الدؤلي بوضع اللغة العربية ثم عهد النجاح ثم تنقيط المصحف خشية التصحيف وذلك على يد يحيى بن يعمر ومع هذا وقع كثير من التصحيف واضطر طلاب العلم الأخذ من أفواه العلماء. وكان من المصحفين عدد كبير في دولة الإسلام من العلماء والقضاة والكتّاب والأدباء والأمراء من القراء حيث لم يسلم من التصحيف إلا من أخذ العلم من أفواه العلماء وتظهر خطورة التصحيف عند قراءة القرآن والحديث الشريف وهي أسوأ مشاكل التصحيف ثم تشابه أسماء نقلة الحديث الشريف حيث ألف عددٌ من علماء الإسلام كتباً في ذلك منها كتب المؤتلف والمختلف كالدار قطني والأزدي وابن ماكولا وابن نقطة وابن الصابوني والذهبي لابن ناصر الدين الدمشقي حيث تصدوا للتصحيف وبينوا للناس جملةً من هذا التصحيف من ألفاظ اللغة والشعر وأسماء الشعراء وأخبار العرب وأيامها. أخبار المصحفين
وندخل الآن في بعض أخبار المصحفين نختار بعضها لنرى كيف وقع التصحيف لعلماء اجلاء فكيف بطلبة العلم بل غيرهم من الطلبة العاديين. قال العسكري: بعد أن ساق السند إلى سليمان بن موسى انه قال: لا تأخذوا القرآن من المصحفين (نسبة للمصحف) ولا العلم من الصحفيين، وبإسناد إلى سعيد التنوخي يقول كان يقال: لا تحملوا العلم عن صحفي ولا تأخذوا القرآن عن مصحفي، وذكر العسكري بإسناده إلى علي بن المديني قال: أشد التصحيف في الأسماء ومن أمثلة التصحيف: قال العسكري: ثنا أبو العباس بن عمار قال: انصرفت من مجلس عبدالله بن عمر ابان القرشي المعروف بمشكدانة المحدث (سنة ست وثلاثين ومئتين فمررت بمحمد بن عباد بن موسى سندولة: فقال من أين أقبلت؟ فقلت من عند أبي عبدالرحمن مشكدانة فقال ذاك الذي يصحف على جبريل يريد قراءته: ولا يغوث ويعوق وبشرا (ونسرا) وكانت حكيت عنه، قال العسكري: وقد فضح بالتصحيف جماعة من العلماء وأهل الأدب وفضحوا به وقد مدح بعض الشعراء خلف الأحمر اللغوي المشهور بالتحفظ عن التصحيف وعده من مناقبه فقال: لا يهم الحاء القراءة بالخاء ولا يأخذ إسناده من الصحف. وقال العسكري: وحكى لنا أبو العباس بن عمار أن محمد بن يزيد النحوي المبرد صحف في كتاب الروضة (في أشعار المحدثين) في قوله: حبيب بن خدرة، فقال: حبيب بن جدرة، وأسند العسكري إلى إبراهيم الأصبهاني قال: قرأ الإمام الحافظ المفسر عثمان بن أبي شيبة (جعل السقاية في) رجل أخيه، فقيل له (في رحل أخيه) فقال تحت الجيم واحدا!! وهو كثير التصحيف. وصحف ابو موسى الزمن محمد بن المثنى في حديث النبي صلى الله عليه وسلم. حيث أتاه أعرابي وعلى يديه سخلة تبعر، قال أبو موسى: تنعر، وساق العسكري بإسناده إلى أبي زيد الأنصاري النحوي يقول: لقيت أبا حنيفة فحدثني بحديث (يدخل الجنة قوم حفاة منتنين قد احمشتهم النار) فقلت له: منتنون قد محشتهم النار، فقال ممن أنت قلت نت أهل البصرة، فقال كل أصحابك مثلك؟ فقال أنا أخسهم في العلم فقال: طوبى لقوم تكون أخسهم في العلم، وبإسناد آخر إلى أبي الفضل بن طاهر قال: صحف رجل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (عم الرجل صنو أبيه) فقال: غم الرجل ضفيق أبيه، وبإسناده إلى زكريا بن مهران قال صحف بعضهم قوله: (لا يورث حميل الا ببينة) فقال: لا يرث جميل إلا بثينة، قال أبو أحمد: الحميل ما يحمل من بلاد الروم من السبي وهم صغار فيدعي بعضهم أنساب بعض فلا يقبل ذلك إلا ببينة، وقالوا الميل: المنبوذ يحمله قوم فيرثونه، ومن الطريف ما نقله العسكري بإسناده إلى حماد بن إسحاق قال: كتب سليمان بن عبدالملك إلى ابن حزم (قاضي المدينة في زمنه): أن احص من قبلك من المخنثين، فصحف كانبه: فقرأه: اخص قال فدعا بهم فخصاهم وخصي الدلالين فيمن خصي، وبإسناده إلى محمد بن يحيى قال: سمعت من يحكي أن حماد الراوية قرأ يوماً والعاديات صبحا، وأن بشاراً الأعمى وشى به إلى عقبة بن مسلم أنه يروي من أشعار العرب ولا يحسن القرآن غير أم الكتاب فأمتحنه عقبة بتكليفه القراءة من المصحف فصحف فيه عدة آيات منها: ومن الشجر ومما يغرسون، كان وعدها إياه، ليكون عدواً وحرباً، وبإسناده إلى عبد الوارث (ابن ذكوان) العلم المجود قال: كان شعبة (المحدث المشهور) يحقرني إذا ذكرت شيئاً فحدثنا عنا ابن عون (عبدالله) عن (ابن سيرين المحدث المشهور) أن كعب بن مالك شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
قضينا من تهامة كل ريب بخيبر ثم أغمدنا السيوفا نسائلها ولو نطقت لقالت قواطعهن دوساً أو ثقيفا فلست لمالك إن لم نزركم بساحة داركم منكم حلوفا وننزع العروس عروس وج وتصبح دراكم منكم خلوفا |
قلت وأي عروس كانت ثمة يا أبا بسطام؟ فقال: فما هي؟ قلت: وننزع العروش عروش وج من قول الله {خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا}، قال فكان بعد ذلك يكرمني ويرفع مجلسي. وأخبار التصحيف والمصحفين كثيرة وطريفة مليئة بها كتب اللغة نكتفي بهذا القدر. ولمن يرغب الاطلاع فليراجع: 1- شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف لأبي أحمد العسكري. 2- التنبيه على حدوث التصحيف لحمزة الأصفهاني. هذا ما تيسر والله من وراء القصد. المراجع: تصحيفات المحدثين. وأخبار المصحفين. وكلاهما لأبي أحمد العسكري.
كتبه: قبلان صالح القبلان فاكس: 2955996
|