Sunday 13th February,200511826العددالأحد 4 ,محرم 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "زمان الجزيرة"

2 جمادى الأولى 1392هـ الموافق 13-6-1972م العدد (395)2 جمادى الأولى 1392هـ الموافق 13-6-1972م العدد (395)
كلمات صريحة
يكتبها: صافي إمام موسى

طلب مني رئيس تحرير هذه الجريدة الغراء أن تنشر كلمات صريحة تحت اسم الصريح بدل من اسم القلم الذي يتصدرها، وقال في معرض تبرير ذلك الطلب ان ذكر الاسم الصريح للكاتب مهم جداً، ولم أشأ أن أناقشه أو أجادله حول الأهمية التي يقصدها، بل وعدته أن يذكر الاسم إن شاء ابتداء من هذا العدد، وأنا أترك له الأمر في نشرها تحت اسم القلم الذي اخترته أو تحت اسمي الصريح، وسيتوقف ذلك على مدى اقتناعه أو عدم اقتناعه بما سأورده فيما يلي:
منذ ستة عشر عاما سجلت عدة أحاديث للبرنامج الثاني في الإذاعة المصرية عن الأدب الإفريقي، وكنت آنذاك في المراحل الأولى من الدراسة الجامعية، وكنت أعرف أن البرنامج يدفع مكافأة تبلغ عشرة جنيهات لكل حديث يستغرق عشر دقائق، واثر حديثين سجلتهما استغرقا ستا وثلاثين دقيقة وصلني من إدارة البرنامج شيك بمبلغ عشرين جنيهاً، رفضت استلام الشيك ثم زرت مدير البرنامج وكان شاباً ظريفاً ومثقفاً، ووجدت مع مدير البرنامج المذكور رجلاً طويل القامة أنيق الملبس يدخن الغليون، جلست بعض الوقت ظناً مني أن الرجل سيخرج وأن الجو سيخلو لي لأقول له ما كان يدور بخلدي، ولكن الرجل لم يتحرك وسألني المدير عما أريد، فقلت له: (أرسلتم لي شيكاً بمبلغ عشرين جنيهاً لحديث سجلته واستغرق ستا وثلاثين دقيقة، وأنا أعرف أنكم تمنحون مكافأة قدرها عشرة جنيهات لكل عشر دقائق، فهل تقومون الأحاديث بالنظر إلى الأفراد الذي يسجلونها أم بالنظر إلى المادة التي تتضمنها تلك الأحاديث؟ هل لابد أن يكون المرء دكتوراً لتمنحوه مكافأة سخية بغض النظر عن قيمة ما يقول؟ وتمنعون تلك المكافأة السخية عن شخص مثلي لأنه ليس دكتوراً ومرة أخرى بغض النظر عن قيمة ما يقول).
وابتسم مدير البرنامج وقال لي وهو يشير إلى الرجل الجالس (أقدم لك الدكتور...) وشعرت بالحرج للحظات، ولكن فور الشباب طغت عليّ فجعلتني أتأهب للوقوف موقف التحدي لكل ما يمكن أن يقوله الدكتور، ولكني كنت حسن الطالع فقد وقف الدكتور إلى جانبي وقال وهو يخاطب المدير (إن هذا الشاب محق في الكثير مما قال، فالكثير من الكتاب وأصحاب الشهرة يعتمدون على شهرتهم لتبرير أي حديث مهما كان غثاً، وأنا أرى أن تقوَّم الأحاديث وفقاً لمحتواها بغض النظر عمن هو صاحب الحديث).
ومنذ ذلك الوقت وأنا ألمس بأن القراء أو المستمعين لكل وسائل الإعلام يحددون مواقفهم مسبقاً بالنظر إلى من هو المتحدث أو الكاتب أي أنهم قلما يكونون قبل قراءة ما كتب أو سماع ما قال في حالة قياد فكري، ومعنى هذا أن عامل التحيز العاطفي يلعب دوره الكبير في تقييم أو تقويم عمل أي فرد حديثاً كان أو كتابة أو رسماً أو موسيقى. أنا لا أدري لماذا لا يكون للحقيقة التي يقولها مجهول أسمى نفسه (س) نفس الوزن ونفس القيمة في نفوس السامعين إذ يقولها مشهور اسمه (ص).
ورغم علمي بأني أطالب أو أطلب أمراً لن يجد الاستجابة لأن العاطفة والذاتية لا تزال طاغية علينا، فإني أطلب أن يفكر المسؤولون عن وسائل الإبلاغ والإعلام في إلغاء الأسماء حقيقة كانت أو قلمية، ويفسحوا المجال للناس أن يقرأوا أو يسمعوا أو يتأملوا القول أو الكتابة بمعزل عن التأثر بالقائل أو الكاتب.
إننا لو بلغنا حد تقييم العمل أو القول دون أن نعرف من العامل أو القائل، فقد بلغنا بذلك سن الرشد الفكري.
ولكن سن الرشد أو البلوغ لا يصله المرء إلا بالنمو التدريجي فهلا بدأنا في عملية النمو؟ وأول الخطوات أن نغض الطرف عن الإفصاح بما يكشف عن هوية الكاتب أو المتحدث، لست أدري إذا كان رئيس التحرير قد اقتنع بما قلت أو استجاب لما طلبت، ولعل نظرة إلى ما يتصدر هذه الحلقة من الكلمات الصريحة تجيب على سؤالي الأخير.

صافي إمام موسى - أبو هيثم
* الجزيرة: ما ذنبنا إذا كان القراء هنا يحبذون أن يعرفوا هوية الكاتب واسمه قبل أن يقرأوا ما يكتبه إلى درجة أنهم في أغلب الأحيان يتهمون من يتسترون خلف الرموز والأسماء المستعارة بالجبن وعدم الشجاعة في مواجهة المجتمع بأفكارهم وآرائهم.
على العموم وإلى جانب ما سبق فإنه يهمنا أن يعرف القارئ أن كاتباً جيداً مثل صافي إمام موسى بدأ يتعاون مع الجزيرة.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved